لم يكن قصر القامة الحاد (القزامة) عائقاً أمام فاطمة (27 عاماً) كي تعيش حياتها بالشكل الذي تريد. لم يتسبب الأمر في مشكلة نفسية لديها أو يمنعها من الاختلاط بالمجتمع. فاطمة التي تبيع في عدد من المؤسسات الحكومية والخاصة، الإكسسوارت التي تصنعها يدوياً بمهارة باتت معروفة بها، تعتمد على نفسها في توفير احتياجاتها، خصوصاً أنّ ظروف الحياة المعيشية لم تمكّنها من استكمال تعليمها.
ولدت فاطمة لأسرة فقيرة نزحت من قريتها الصغيرة إلى العاصمة الخرطوم. تعيش حالياً مع أسرتها في أطراف العاصمة في منزل مشيد بالطين مؤلف من غرفتين، بينما تعتاش الأسرة المكونة من ستة أشخاص من أعمال مؤقتة وهامشية.
والداها طويلا القامة وكذلك شقيقان لها، لكنّها هي وشقيق آخر ولدا قصيرين، وهو ما يضمّهما إلى فئة قصار القامة في السودان. وهي فئة لديها قزامة منذ طفولتها (ما دون 131 سنتيمتراً للذكر البالغ و121 سنتيمتراً للأنثى البالغة) وتشكو من التهميش وعدم اهتمام الدولة بها وبرعايتها أو إتاحة فرص التوظيف لها. تقول لـ "العربي الجديد" إنّ تهميشهم هو أكثر ما يؤلمها، فهم لا يتمكنون من التنافس في الوظائف سواء في القطاع العام أو الخاص مهما تحصّلوا على درجات علمية.
في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أوردت نشرة أسبوعية صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان "أوتشا" تقريراً للتغذية العالمية حدد نسبة القزامة وسط الأطفال السودانيين بنحو 38.2 في المائة. ترتبط القزامة في السودان بشكل أساسي بمعدلات سوء التغذية التي فاقت فيها البلاد المستويات العالمية بحسب منظمات وبرامج دولية. وبالإضافة إلى سوء التغذية، يربطها مختصون بتغيير الأنماط الغذائية والاعتماد على الوجبات السريعة وتجاهل الرضاعة الطبيعية للطفل.
أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في أحدث تقرير لها إلى إحالة 2800 طفل سوداني في مخيمات النازحين واللاجئين إلى العلاج بسبب سوء التغذية الحاد لديهم، وذلك في سبتمبر/ أيلول الماضي. وذكرت المنظمة أنّ أكثر من 21 ألف طفل أخضعوا للعلاج في أغسطس/ آب الماضي بسبب سوء التغذية الحاد على مستوى السودان ككلّ.
وفي هذا الإطار، يقول المختص في معالجة سوء التغذية في "يونيسف" الدكتور طارق عبد القادر مكاوي لـ "العربي الجديد" إنّ واحداً من بين ثلاثة أطفال في السودان معرض لخطر القزامة. يشير إلى أنّها مشكلة عالمية، فهناك نحو 162 مليون طفل لديه قزامة على مستوى العالم. كذلك، يشير إلى أنّ القزامة هي المحصلة النهائية لمشاكل سوء التغذية المتمثل في نقص المغذيات الحاد أو المزمن. ويوضح أنّ "عدم تدارك سوء التغذية يقود إلى القزامة".
يتابع مكاوي أنّ معدلات سوء التغذية في السودان عالية وفقاً للمسح الأسري الذي أجري أخيراً. ويلفت إلى أنّ ذلك لا يقتصر على نقص الغذاء، بل يمتد إلى الممارسات الغذائية غير السليمة داخل الأسرة، والرضاعة، ومشاكل المياه، وأمراض الطفولة وغيرها. ويؤكد أنّ "يونيسف" وشركاءها يولون ملف القزامة أهمية كبرى "نظراً إلى آثارها السلبية على المجتمع". ويرى أنّ انضمام السودان إلى البرنامج العالمي للتوسع في التغذية أمر في غاية الأهمية، خصوصاً مع تنفيذ الحكومة السودانية الاستراتيجية القومية لمعالجة سوء التغذية الحاد والوخيم والمتوسط. ويشير إلى تخصيص وزارة الصحة مبلغ عشرة ملايين دولار أميركي لدعم مشاريع تتصل بسوء التغذية.
اقــرأ أيضاً
من جهته، يشير رئيس المجلس الطبي السوداني زين الدين عبد الرحيم كرار إلى أنّ نسبة الـ38.2 في المائة كمعدل للقزامة لدى أطفال السودان مرتفعة جداً نظراً إلى المتوسط في البلدان النامية الذي يبلغ 25 في المائة. يضيف أنّ 80 في المائة من حالات القزامة هي في أفريقيا وفي جنوب شرق آسيا مع انتشارها في 14 بلداً. ويضيف أنّ السودان يأتي في المرتبة الثانية في القزامة بعد اليمن.
كذلك، يشير إلى ارتفاع نسب الوفيات بين الأطفال ما دون سن الخامسة في البلاد والتي تصل إلى 68 في الألف، معيداً السبب في 40 إلى 50 في المائة من الوفيات إلى سوء التغذية المتوسط أو الحاد.
يشدد كرار على أهمية أن تولي الدولة اهتمامها إلى الأمهات والأطفال من خلال السياسات التي تزيد الإنفاق على الصحة والتعليم. يوضح: "نحتاج إلى نظام صحي قوي وعادل ومتاح للكلّ من دون عوائق سواء جغرافية أو مالية يستفيد منه الأطفال ما دون الخامسة والأمهات منعاً لسوء التغذية والأمراض المرتبطة به".
مع ازدياد أعداد قصار القامة في السودان وتكوين جمعية خاصة بهم لمناقشة قضاياهم وحل مشاكلهم، ما زالت البلاد خالية من قانون يحمي حقوقهم ويدافع عنها. تقول رئيسة جمعية الأشخاص المعوقين السودانيين فتحية عبد الله إنّ قصار القامة نجحوا أخيراً في إنشاء جمعية ضمن الاتحاد الخاص للأشخاص المعوقين لتمكّنهم من مناقشة قضاياهم. تؤكد أنّ قصار القامة شريحة فاعلة ومنتجة في المجتمع والحياة عموماً، لكنّها تحتاج إلى بيئة مجهزة للعمل. كذلك، تحتاج إلى منح أفرادها كلّ حقوقهم.
تضيف: "من بين قصار القامة مثقفون ومهندسون ومحامون وخريجو اختصاصات أخرى، لكنّهم يواجهون جملة من التحديات من بينها فرص العمل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص". ولا تغفل عبد الله عن كون معظم قصار القامة عاطلين من العمل خصوصاً أنّ أكثرهم لم يكمل تعليمه ويحتاج إلى دعم للدخول في دائرة الإنتاج.
اقــرأ أيضاً
ولدت فاطمة لأسرة فقيرة نزحت من قريتها الصغيرة إلى العاصمة الخرطوم. تعيش حالياً مع أسرتها في أطراف العاصمة في منزل مشيد بالطين مؤلف من غرفتين، بينما تعتاش الأسرة المكونة من ستة أشخاص من أعمال مؤقتة وهامشية.
والداها طويلا القامة وكذلك شقيقان لها، لكنّها هي وشقيق آخر ولدا قصيرين، وهو ما يضمّهما إلى فئة قصار القامة في السودان. وهي فئة لديها قزامة منذ طفولتها (ما دون 131 سنتيمتراً للذكر البالغ و121 سنتيمتراً للأنثى البالغة) وتشكو من التهميش وعدم اهتمام الدولة بها وبرعايتها أو إتاحة فرص التوظيف لها. تقول لـ "العربي الجديد" إنّ تهميشهم هو أكثر ما يؤلمها، فهم لا يتمكنون من التنافس في الوظائف سواء في القطاع العام أو الخاص مهما تحصّلوا على درجات علمية.
في منتصف أكتوبر/ تشرين الأول الماضي أوردت نشرة أسبوعية صادرة عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في السودان "أوتشا" تقريراً للتغذية العالمية حدد نسبة القزامة وسط الأطفال السودانيين بنحو 38.2 في المائة. ترتبط القزامة في السودان بشكل أساسي بمعدلات سوء التغذية التي فاقت فيها البلاد المستويات العالمية بحسب منظمات وبرامج دولية. وبالإضافة إلى سوء التغذية، يربطها مختصون بتغيير الأنماط الغذائية والاعتماد على الوجبات السريعة وتجاهل الرضاعة الطبيعية للطفل.
أشارت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" في أحدث تقرير لها إلى إحالة 2800 طفل سوداني في مخيمات النازحين واللاجئين إلى العلاج بسبب سوء التغذية الحاد لديهم، وذلك في سبتمبر/ أيلول الماضي. وذكرت المنظمة أنّ أكثر من 21 ألف طفل أخضعوا للعلاج في أغسطس/ آب الماضي بسبب سوء التغذية الحاد على مستوى السودان ككلّ.
وفي هذا الإطار، يقول المختص في معالجة سوء التغذية في "يونيسف" الدكتور طارق عبد القادر مكاوي لـ "العربي الجديد" إنّ واحداً من بين ثلاثة أطفال في السودان معرض لخطر القزامة. يشير إلى أنّها مشكلة عالمية، فهناك نحو 162 مليون طفل لديه قزامة على مستوى العالم. كذلك، يشير إلى أنّ القزامة هي المحصلة النهائية لمشاكل سوء التغذية المتمثل في نقص المغذيات الحاد أو المزمن. ويوضح أنّ "عدم تدارك سوء التغذية يقود إلى القزامة".
يتابع مكاوي أنّ معدلات سوء التغذية في السودان عالية وفقاً للمسح الأسري الذي أجري أخيراً. ويلفت إلى أنّ ذلك لا يقتصر على نقص الغذاء، بل يمتد إلى الممارسات الغذائية غير السليمة داخل الأسرة، والرضاعة، ومشاكل المياه، وأمراض الطفولة وغيرها. ويؤكد أنّ "يونيسف" وشركاءها يولون ملف القزامة أهمية كبرى "نظراً إلى آثارها السلبية على المجتمع". ويرى أنّ انضمام السودان إلى البرنامج العالمي للتوسع في التغذية أمر في غاية الأهمية، خصوصاً مع تنفيذ الحكومة السودانية الاستراتيجية القومية لمعالجة سوء التغذية الحاد والوخيم والمتوسط. ويشير إلى تخصيص وزارة الصحة مبلغ عشرة ملايين دولار أميركي لدعم مشاريع تتصل بسوء التغذية.
من جهته، يشير رئيس المجلس الطبي السوداني زين الدين عبد الرحيم كرار إلى أنّ نسبة الـ38.2 في المائة كمعدل للقزامة لدى أطفال السودان مرتفعة جداً نظراً إلى المتوسط في البلدان النامية الذي يبلغ 25 في المائة. يضيف أنّ 80 في المائة من حالات القزامة هي في أفريقيا وفي جنوب شرق آسيا مع انتشارها في 14 بلداً. ويضيف أنّ السودان يأتي في المرتبة الثانية في القزامة بعد اليمن.
كذلك، يشير إلى ارتفاع نسب الوفيات بين الأطفال ما دون سن الخامسة في البلاد والتي تصل إلى 68 في الألف، معيداً السبب في 40 إلى 50 في المائة من الوفيات إلى سوء التغذية المتوسط أو الحاد.
يشدد كرار على أهمية أن تولي الدولة اهتمامها إلى الأمهات والأطفال من خلال السياسات التي تزيد الإنفاق على الصحة والتعليم. يوضح: "نحتاج إلى نظام صحي قوي وعادل ومتاح للكلّ من دون عوائق سواء جغرافية أو مالية يستفيد منه الأطفال ما دون الخامسة والأمهات منعاً لسوء التغذية والأمراض المرتبطة به".
مع ازدياد أعداد قصار القامة في السودان وتكوين جمعية خاصة بهم لمناقشة قضاياهم وحل مشاكلهم، ما زالت البلاد خالية من قانون يحمي حقوقهم ويدافع عنها. تقول رئيسة جمعية الأشخاص المعوقين السودانيين فتحية عبد الله إنّ قصار القامة نجحوا أخيراً في إنشاء جمعية ضمن الاتحاد الخاص للأشخاص المعوقين لتمكّنهم من مناقشة قضاياهم. تؤكد أنّ قصار القامة شريحة فاعلة ومنتجة في المجتمع والحياة عموماً، لكنّها تحتاج إلى بيئة مجهزة للعمل. كذلك، تحتاج إلى منح أفرادها كلّ حقوقهم.
تضيف: "من بين قصار القامة مثقفون ومهندسون ومحامون وخريجو اختصاصات أخرى، لكنّهم يواجهون جملة من التحديات من بينها فرص العمل سواء في القطاع الحكومي أو الخاص". ولا تغفل عبد الله عن كون معظم قصار القامة عاطلين من العمل خصوصاً أنّ أكثرهم لم يكمل تعليمه ويحتاج إلى دعم للدخول في دائرة الإنتاج.