للحفاظ على نظافة العاصمة السودانية الخرطوم، كانت مبادرة "حقك علينا يا وطن" التطوعية التي أطلقها أربعة شباب على موقع "فيسبوك" للتواصل الاجتماعي أخيراً. وجّهت المبادرة 13 ألف دعوة إلكترونية للمشاركة، فردّ عليها بالإيجاب 1600 سوداني في حين عبّر 1500 عن اهتمامهم بها. يُذكر أن السودانيين لا سيما من سكان العاصمة الخرطوم، راحوا يشكون في الفترة الأخيرة من تحوّل عاصمتهم إلى مكبّ للنفايات التي تراكمت على جوانب الطرقات وفي بعض الأحياء.
في الموعد المحدّد، تجمّع في ميدان جاكسون عند موقف وسائل المواصلات العامة، 600 شخص ما بين مواطن وفنان وناشط في منظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى موظفين في شركات الاتصالات التي دعمت المبادرة إلى جانب محلية الخرطوم. وبعد تحية العلم، حمل المشاركون وكذلك الأطفال منهم، أدوات النظافة وبدأوا في تنظيف الموقف والمنطقة المحيطة به. وعلى الرغم من الحرّ، إلا أن الحماسة والنشاط والهمّة كانت واضحة على هؤلاء المتطوعين.
وفي حين راح طلاب كلية الفنون الجميلة يزينون جدران الشارع برسومات أدهشت المارة، ومتطوعون آخرون يشجّرون المكان، عبّر المشاركون في المبادرة عن سعادتهم إذ إنها أعادت الأمل إلى الشباب. وقد رأى البعض فيها طريقة لنشر ثقافة الحب والجمال والسلام بدلاً من ثقافة الحرب والدمار والعنصرية التي أنهكت البلاد، بالإشارة إلى الحرب الأهلية الدائرة في ولايتَي النيل الأزرق وجنوب كردفان وإقليم دارفور لأعوام.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس المجلس الأعلى للبيئة والترقية الحضرية في ولاية الخرطوم عمر نمر، كان قد أقرّ في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي بعجز حكومة الولاية عن التخلص من 75% من نفايات الولاية، مؤكداً وجود عدد من المشكلات في ما يتعلق بعملية النظافة. وأوضح أن الولاية تنقل 25% فقط من جملة النفايات المفرزة يومياً. من جهته، كان وزير الصحة في الولاية مأمون حميدة قد لفت إلى أن الخرطوم وحدها تفرز نحو ثلاثة آلاف طن من النفايات يومياً.
اقرأ أيضاً: ست البنات الجعلي: من أجل حقوق المهاجرات
إلى ذلك، لقيت مبادرة "حقك علينا يا وطن" تفاعلاً من الشارع السوداني واستقطبت عدداً من الكتاب راحوا يبيعون مؤلفاتهم لصالحها، من بينهم الكاتبة الجنوب سودانية إستيلا قايتانو. أما على مواقع التواصل الاجتماعي، فكانت دعوات للمواطنين للالتزام برمي الأوساخ في سلال القمامة والحرص على إبقاء الشوارع نظيفة، فهذه "مسؤولية جماعية".
وقبيل النزول إلى الشارع، حاول القائمون على المبادرة وعبر صفحتها على فيسبوك، استقطاب المتطوعين بكلمات تخاطب مشاعرهم. وراحوا يستخدمون عبارات يرددها الشارع العام إذ يتهم البلد بـ"الوساخة"، ويذكّرون بأن "اللوم يُرمى على الأرض الساكنة المغلوب على أمرها، بينما الأوساخ تمثل انعكاساً طبيعياً لسلوك الأفراد". وطالبوا بالاعتذار من البلد، من خلال عنوان الحملة "حقك علينا يا وطن" والتعامل معه بحبّ.
تبدأ قصة المبادرة عندما كان أربعة أصدقاء، طبيبان ومهندس ومتخصص في إدراة المنظمات، يتناولون الشاي. في دردشتهم، راحوا يعبّرون عن غضبهم نتيجة تحوّل المدينة إلى مكب نفايات، وما يثار حول تصنيفها من ضمن أوسخ مدن العالم. في سياق الحديث، اقترح أحدهم العمل على تنظيف الأحياء بينما رأى آخر وجوب عدم اقتصار الأمر على الأحياء وانسحابه على البلاد ككل.
يقول أحد مطلقي المبادرة وقد فضّل عدم ذكر اسمه "لعدم رغبتنا في التحوّل إلى نجوم مجتمع، فهدفنا هو المبادرة وقيمتها"، أنهم عدّوا الأمر حلماً في البداية، لا سيّما فكرة تعميم المبادرة. يضيف: "لكننا قررناً المحاولة وأنشأنا صفحة على فيسبوك وخصصنا رقماً هاتفياً لذلك. لم يحتج الأمر أكثر من 24 ساعة، حتى راحت الاتصالات الداعمة والراغبة في المشاركة تنهال علينا. ومن المهتمين شركات اتصالات ومعتمدية الخرطوم ومنظمات مجتمع مدني، إلى جانب متطوعين". وخلال عشرة أيام فقط اكتملت الترتيبات، "لتنطلق المبادرة على الأرض بمشاركة 19 منظمة من المجتمع المدني". ويؤكد وجود تفاعل منقطع النظير مع المبادرة، "الأمر الذي دفعنا إلى الاستمرار. في بادئ الأمر، لم نفكر في تطويرها. لكن مع التفاعل الذي وجدته، قررنا تطويرها حتى لا تنتهي بيوم واحد وتمتد إلى الأحياء وبصورة دائمة".
مي متطوعة شاركت في المبادرة، "إذ إنني بالفعل غاضبة من منظر العاصمة تحت الزبالة. والمسؤولية هي من دون شك جماعية، وإن كانت مهمة الدولة في المقام الأول". تضيف: "أنا على قناعة بأنه إذا لم نغير أسلوبنا، لن تنجح أي حملة".
اقرأ أيضاً: جزيرة "سحاحير" في السودان