وجوه حيوانات وقراصنة وأقنعة مهرجين، وأميرات وملوك ومتسولون، شخصيات مختلفة يتقمصها طلاب الجامعات العراقية في حفلات تقام بمناسبة تخرجهم، حتى صارت الحفلات التنكرية عرفاً متبعاً، رغم أنها حديثة عهد في البلاد التي يضربها العنف والفقر والبطالة.
بعض الطلاب يختارون تقليداً منفرداً، كل واحد منهم يختار شخصية يحب تقليدها، وبعضهم يختارون تقليداً جماعيا باختيار الشخصية ذاتها؛ ابتكارات جديدة يظهرها الطلاب المتخرجون، خاصة بتقليد شخصيات لها تأثير عالمي.
شارلي شابلن، وهتلر وموسوليني وجمال عبد الناصر وعبدالحليم حافظ وأم كلثوم والملك البابلي حمورابي ونفرتيتي، حتى صدام حسين كان حاضراً في الحفلات التنكرية. ويؤكد الطلاب أن تجسيدهم لتلك الشخصيات ليس بالضرورة إعجابا بها، لكنه نوع من الخروج عن المألوف.
لا يكتفي المتخرجون الجامعيون بتلك الحفلات، بل يقيمون وجبة طعام وداعية في مطعم فخم، ويمارسون تجوالاً حراً بالسيارات المزينة في شوارع المدن، ترافقهم فرقة موسيقى شعبية، وتتعالى أصوات أبواق السيارات، كأنهم في عرس تقليدي، لتكون تلك آخر محطات اللقاء الجماعي، وبعدها يفترق الزملاء في مشهد لا يخلو من الدموع، بعد أن يتمنى كل منهم للآخر مستقبلاً سعيداً.
وتقتصر المشاركة في تلك الحفلات على عدد محدود من الطلاب الموسرين، فالغالبية العظمى من طلاب الجامعات في العراق، لا يمكنها الإنفاق على تلك الحفلات المترفة، حتى إن كثيرا من الموسرين لا يملكون المزاج المناسب لتلك الحفلات في ظل ما تشهده البلاد من أزمات.
يقول مصطفى عبدالرحيم، والذي تخرج من كلية الهندسة، لـ"العربي الجديد" إن "حفلات التخرج تعبر عن فرحة حصولنا على الشهادة الجامعية، وكذلك الحزن لفراق الأجواء الجامعية والزملاء. نحن نعبر فرحنا ونحاول أن نخفف من حزن فراقنا، فنبتكر تلك الأزياء التنكرية".
فيما تقول ندى البياتي، المتخرجة من كلية الآداب بالجامعة المستنصرية، إنها أحبت أن تحتفل بطريقتها الخاصة، وأن تشارك زملاءها الفرحة، واتفقوا جميعا أن يختار كل واحد منهم زياً منفرداً، مشيرة لـ"العربي الجديد" إلى أنها اختارت زي الفلاحة في جنوب العراق.
وأضافت: "الدور ليس سهلاً، إذ يتوجب علي التحلي بصفات الفلاحة أيضاً، هذا بالإضافة إلى تغيير ملامحي وإضافة النقوش على الوجه والحناء، لكني كنت سعيدة جداً".
ويتوجب على المتنكر أن يعيش دوره، فالقرصان يجب أن يظهر قوته وثقافة السطو التي عرف بها، بحسب حيدر تحسين، الذي تنكر وبعض زملائه، بدور القراصنة، ويقول لـ"العربي الجديد"، إن الزي لم يكلفه كثيراً، أحد أصدقائه يعمل خياطاً ساعده في خياطة القبعة وتحويل بعض الملابس القديمة إلى أزياء تناسب الدور، أما السيوف فتكفل بصناعتها أحد النجارين وقرر أن تكون هديته للمتخرجين "القراصنة".
بعض الأزياء التنكرية والشخصيات التي يتقمصها الطلاب في تخرجهم تكون مثيرة للاهتمام، ومنها تنكر أحدهم بشخصية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، وقد تناقل كثيرون صوره على مواقع التواصل الاجتماعي، وكان يؤدي ببراعة الحركات التي عرف بها صدام.
فرحة ما قبل الصدمة
يقول طلاب تخرجوا من الجامعات العراقية، إن "الحفلات التنكرية تعبر عن الدخول إلى عالم الحقيقة المرّة"، بحسب ثائر عباس، والذي عمل بعد تخرجه من كلية الإدارة والاقتصاد في محل للبقالة.
ويضيف عباس لـ"العربي الجديد"، أن "المتخرج يعلم جيداً أنه سيبدأ صراع البقاء، وقد خرج تواً من عالم الأحلام الوردية ليدخل عالم الحقيقة المرّة، سيمضي في توزيع طلبات التعيين على الوزارات الحكومية، ولن يجدي الأمر نفعاً، وسيقتنع أخيراً بالعمل في أي مهنة لمساعدة عائلته التي أنفقت على تعليمه الكثير من المال".
فيما تصف جنات عزيز، المتخرجة من كلية اللغات، تلك الحفلات بأنها "فرحة ما قبل الصدمة"، موضحة لـ"العربي الجديد"، أنها وزملاء لها على تواصل بعد ثلاث سنين من التخرج، بعضهم سافر إلى خارج البلاد، وآخرون انخرطوا في أسواق العمل، "لا أحد منا تمكن من تحويل ما تعلمه إلى عمل ينفع به نفسه والمجتمع".
الطلاب المتخرجون على قناعة بأن الحصول على عمل في المؤسسات الحكومية مبني على العلاقات، فيما ينفي المسؤولون في الوزارات وجود صلة للعلاقات بالتعيين، مؤكدين أن طلبات التعيينات والاختيار من بين المتقدمين تعتمد إلكترونيا.