حفر قاتلة... خطر آخر يهدد الأردنيين

14 ديسمبر 2018
حتى أحياء العاصمة مهددة (فاليري شريفولين/ Getty)
+ الخط -
عدا عن كونها مشكلة بيئية خطيرة تهدد المياه الجوفية بالتلوث، تشكل الحفر الامتصاصية في أنحاء عدة من الأردن خطراً مباشراً على حياة المواطنين، إذ تكررت حوادث سقوطهم فيها، لا سيما الأطفال

تسببت الحفر الامتصاصية بوفاة تسعة أشخاص خلال العام الجاري في الأردن، وهي حصيلة مؤلمة خصوصاً إذا ما علمنا أنّ سبعة من القتلى هم من الأطفال، بالإضافة إلى شاب وسيدة. هي حصيلة كبيرة، لا سيما أنّها حوادث في الإمكان تفاديها.

يجري إنشاء الحفر الامتصاصية كخزان في باطن الأرض لاستيعاب المياه الآسنة، بسبب عدم اتصال منازل كثيرة في الأردن بشبكات الصرف الصحي. وهكذا، يتخلص المواطنون من المياه الآسنة عن طريق تلك الحفر التي تتشكل كتجويف عميق داخل الأرض.

تتكرر الحوادث في مختلف المحافظات الأردنية، بما فيها العاصمة عمّان، فقد توفي شخصان منتصف شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي إثر سقوطهما داخل حفرة امتصاصية تابعة لمجمع تجاري في منطقة خريبة السوق، جنوبي العاصمة، وهما مراهقة في الرابعة عشرة، وشاب في الثالثة والثلاثين حاول إنقاذها فماتا هما الاثنان. كذلك، توفي طفل في الرابعة في سقوط مماثل في أبريل/ نيسان الماضي في لواء دير علا، في محافظة البلقاء، وطفل آخر في الخامسة في مارس/ آذار الماضي إثر سقوطه في حفرة امتصاصية في منطقة أم صيحون بلواء البتراء في محافظة معان. وتوفيت طفلة في العاشرة إثر سقوطها في حفرة تابعة لمنزل ذويها في عنجرة بعجلون. وتوفيت سيدة (50 عاماً) في سقط من النوع نفسه في صبحية المفرق.

آخر تلك الحوادث المفجعة راح ضحيتها ثلاثة أطفال (7 سنوات، و5، و4) إثر سقوطهم في حفرة امتصاصية في منطقة أم السراب في محافظة المفرق، أثناء تواجدهم في محيط الحفرة التي تعرض سقفها للانهيار، وهي تابعة لأحد المنازل.

ينشئ كلّ بيت حفرة امتصاصية لاستيعاب المياه الآسنة (العربي الجديد) 


صعوبات مالية

يقول علي العيسى، وهو من أقارب الضحايا الثلاثة الأخيرين، وهم صبي وبنتان، ويسكن في منطقة الحادث لـ"العربي الجديد"، إنّ الحادث وقع في ساعات العصر، في حرم بيت الصبي الضحية، مشيراً إلى أنّ الأطفال سقطوا في هذه الحفرة أثناء اللعب. يوضح أن لا خدمات صرف صحي في القرية، ولذلك ينشئ كلّ بيت حفرة امتصاصية لاستيعاب المياه الآسنة. ويشير إلى أنّ الأحوال المادية للعائلات هي التي تتحكم في جودة ومتانة الحفرة، فالعائلات الفقيرة تضع ألواح "الزينكو" الرقيقة فوق الحفر، فيما يضع متوسطو الحال الطوب والإسمنت فوق الحفر، بينما يغطيها الميسورون بالخلطات الإسمنتية المسلحة بالحديد.



يضيف أنّ مالك المنزل الذي هبطت فيه الحفرة، وسقط فيها الأطفال، موظف ذو دخل محدود،
وينفق على عائلة ممتدة كبيرة. يشير إلى أنّ الفقر ينتشر بين السكان ويعيق قدرتهم على إنشاء بيوت جيدة ومرافق ذات جودة عالية. أما والد الطفلتين فكان سجيناً على ذمة قضايا مالية، ولم يكن في المنطقة عندما فقد طفلتيه، وهما ابنتا عمة الطفل المتوفى معهما.

بدوره، يقول رئيس بلدية الأمير حسين بن عبد الله، في أم السراب، وصفي الشرعة، لـ"العربي الجديد": "لا شبكات صرف صحي في القرية، فمشروع من هذا النوع مكلف جداً، ويحتاج إلى تمويل بملايين الدنانير". يتابع أنّ "البلدية تمنح التراخيص للبيوت لكن لا تشدد بشكل كبير في مسألة حفر الصرف الصحي، فبعض المواطنين لا يملكون ثمن إنشائها، ويربطون بيوتهم ببيوت أشقائهم أو بيوت العائلة، فيما هناك أيضاً حفر قديمة مرتبطة بالأبنية القديمة. هذه الحفر يحفرها السكان داخل أملاكهم الخاصة، وتكون داخل حرم البيوت أو الأسوار التي تحيط بها".

هل من رقابة؟ (العربي الجديد) 


يوضح الشرعة: "تكشف البلدية على البيوت ميدانياً، لكن في هذه المناطق وفي إطار البيئة الاجتماعية المحافظة في البادية الشمالية، لا يمكن للعاملين دائماً الاطلاع على هذه التفاصيل بشكل مريح". يضيف: "لا ترتبط المشكلة ببلدية الأمير حسين فقط بل تمتد إلى مختلف أنحاء المنطقة، بل يمكنني أن أجزم أنّ 90 في المائة من مناطق البادية الشمالية من دون شبكة صرف صحي". يضيف أنّ بلديات المنطقة تعاني من صعوبات مالية، فهؤلاء الأطفال توفوا وهم يلعبون قرب الحفرة: "المنطقة تفتقر للمتنزهات وأماكن اللعب الآمنة. أدعو المستثمرين في المناطق التنموية إلى تقديم المساعدة للمجتمعات المحلية في إطار المسؤولية الاجتماعية الوطنية".

مسؤوليات

حادث منطقة خريبة السوق، الذي قتلت فيه مراهقة وشاب، حاولت كلّ الجهات التنصل من مسؤوليتها عنه، فقد قالت أمانة عمّان في بيان: "التقرير أظهر أنّ الحفرة الامتصاصية تقع في الارتداد الأمامي للعمارة، وليست في حرم الشارع، وهو ما يعني إخلاء مسؤولية أمانة عمّان التي منحت إذن أشغال للمجمع بصفته بئر ماء وليس حفرة امتصاصية". من جانبه، قال مصدر مسؤول في وزارة المياه إنّ الوزارة ليست لها أيّ علاقة بمنح إذن الأشغال ولا مراقبة الحفر الامتصاصية وهي من اختصاص الأمانة والبلديات.

يقول مستشار الطب الشرعي، الخبير في الوقاية من العنف والإصابات، الدكتور هاني جهشان، لـ"العربي الجديد" إنّ الوقاية من وفيات الأطفال بظروف إهمال هي مسؤولية تقع على عاتق الحكومة ابتداءً، وهي ضرورة هامة وملحة للحفاظ على حياة الأفراد وصحة عموم المجتمع، لكنّ هذا النوع من الوقاية إما مستثنى من الخطط الوطنية أو يجري التعامل معه بطريقة بدائية.

كذلك، فإنّ طرق الوقاية والتعامل مع عوامل الخطر الكامن ما زالت غامضة لكثير من المهنيين وصانعي القرار. يضيف أنّ على الحكومة أن تتحمل المسؤولية المباشرة والمستدامة في ضمان سلامة الأطفال في جميع أماكن تواجدهم إن كانت في الأماكن العامة أو أماكن اللعب أو المدارس أو الحدائق العامة، ومن الناحية العملية عليها إجراء تقييم شامل للأماكن العامة التي قد يتواجد فيها الأطفال، وصيانتها هندسياً لمنع أيّ مخاطر تهدد حياة الأطفال.

يوضح أنّ على الحكومة ضمان ديمومة الالتزام بمواصفات ومقاييس آمنة لجميع الأماكن والبيئات التي يتواجد فيها الأطفال وجمع المعلومات حول أنماط وفيات الأطفال في مجتمعنا عموماً والإصابات تحديداً لوضع استراتيجيات لتخفيضها وإيجاد مديرية متخصصة في وزارة الصحة، كباقي دول العالم مهامها الأساسية الوقاية من الإصابات والعنف.

وشدد على ضرورة استمرار برامج التوعية لعموم المواطنين، لمواجهة السلوكيات السلبية التي قد تؤدي لوفيات الأطفال نتيجة الإهمال، وهذه البرامج ليست تطوعية ولا تقع على عاتق مؤسسات المجتمع المدني، بل هي في صلب مسؤولية الحكومة لضمان الاستدامة ورصد الأثر الإيجابي.

بالنسبة للحفر الامتصاصية، تقع المسؤولية والملاحقة على صاحب الملك أو الموظف المسؤول إن كانت ملكية خاصة (العربي الجديد) 


عقوبات

من الناحية القانونية، تقول، المحامية مرام مغالسة، لـ"العربي الجديد": "رتب قانون العقوبات الأردني مساءلة جزائية على من يتسبب بوفاة أحد الأشخاص بسبب إهمال أو قلة احتياط واحتراز، أو لعدم مراعاة القوانين والأنظمة، إذ حُددت العقوبة بالحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، إذ يقدّر القاضي مدى تقصير الفاعل ومدى تسبب هذا التقصير بالوفاة". تضيف: "حتى تقوم المسؤولية التقصيرية لا يكفي أن يكون الفعل إيجابياً، فقد يكون الامتناع عن أداء فعل أو التقصير مدخلاً لتحقيق المساءلة، إن أدى ذلك إلى الموت". توضح: "أما إذا تسبب بالإيذاء، فينظر بمقدار التعطيل والضرر، الذي قد ينجم عنه مرض أو بتر أو تعطيل، وتتراوح العقوبة بالحبس من شهر إلى سنتين وفقاً لجسامة الضرر، عدا عن المساءلة الجزائية، فللمتضرر مطالبة المتسبب بالإيذاء أو الوفاة بالتعويض، فالقانون المدني الأردني، وهو أبو القوانين، ألزم كلّ متسبب بالضرر بالتعويض".

تضيف مغالسة: "لا يشترط بالمتسبب بالضرر أن يكون متعمداً، بل يكفي أن يثبت تقصيره، أو عدم اتخاذه أسباب الحيطة والحذر. وقد يتعدد المسؤولون عن الضرر ما قد يرتب عليهم المسؤولية كلٍّ بحسب نسبة تقصيره، أو بالتساوي بالتكافل والتضامن. ويقدّر الضرر خبير منتخب من قبل القضاء".



تتابع: "بالنسبة للحفر الامتصاصية، تقع فيها المسؤولية والملاحقة على صاحب الملك أو الموظف المسؤول إن كانت ملكية خاصة. أما إذا كانت في مرافق عامة فيلاحق فيها المسؤول الميداني أو الإداري تبعاً للاختصاص النوعي أو المكاني، كأن تكون تابعة للبلديات أو أمانة عمّان أو سلطة المياه". وتشير مغالسة إلى أنّ المحاكم مفتوحة للجميع، وقد يكتفي ذوو المتضرر بتقديم بلاغ للمدعي العام كخطوة أولى للجوء إلى القضاء، إذ يثابر المدعي العام على إجراء اللازم وفتح ملف تحقيقي بالقضية".

تشير آخر الأرقام الصادرة عن وزارة المياه والري إلى أنّ 31 في المائة من المنازل في الأردن غير متصلة بشبكات الصرف الصحي، ما يهدد مصادر المياه الجوفية، ويشكل خطراً بيئياً وصحياً على المواطنين، بالإضافة إلى الوفيات التي تذهب بسبب التقصير والإهمال.