توسعت رقعة الاحتجاجات الشعبية في شرق ليبيا، في يومها الثالث، لتطاول مدناً جديدة، من بينها مدينة المرج، مقر حكم اللواء المتقاعد خليفة حفتر العسكري، في الوقت الذي لا تزال فيه كواليس العواصم العربية والدولية تشهد حراك مستمراً للدفع قدماً من أجل إطلاق عملية سياسية جديدة في البلاد.
وبحسب مصادر محلية من بنغازي وطبرق، تحدثت لــ"العربي الجديد"، فإن مليشيات حفتر نشرت، اليوم الأحد، فرقاً لأجهزة الأمن التابعة لها في الطرقات الرئيسية للمدينتين، بعد أن تمكنت من تفريق المحتجين، منتصف ليلة أمس السبت، بإطلاق الرصاص الحي عليهم.
وتناقلت صفحات مواقع التواصل الاجتماعي فيديوهات وصوراً بشكل واسع تظهر قيام المحتجين على سوء الأوضاع المعيشية باقتحام مقر مديرية أمن المرج، ليل البارجة، في وقت بدأت مليشيات حفتر بإطلاق النار على المتظاهرين وتفريقهم بالقوة، فيما أظهرت فيديوهات أخرى قيام عدد من المتظاهرين بالهرب جراء إطلاق الرصاص.
وفي بنغازي، خرج المئات من المواطنين في الشوارع الرئيسية للمدينة، ليل أمس، وأضرموا النيران في الإطارات وأقفلوا عدة طرقات رئيسية، قبل أن يتوجهوا إلى مقر الحكومة الموازية شرق البلاد ويقتحموا بوابته الرئيسية، تعبيراً عن غضبهم من عدم تعاطيها مع مطالبهم بضرورة تحسين الظروف المعيشية.
تبرير صالح
وفي غضون ذلك، جدد رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح مطالبه للمحتجين بـ"ضبط النفس" وعدم التعدي على الممتلكات العامة، مع اعترافه بحقهم في التظاهر، مبررا التردي المعيشي بالانقسام الحكومي في البلاد.
وكانت مدينة البيضاء، التي يقع فيها المقر الرئيسي للحكومة الموازية، قد شهدت هي الأخرى احتجاجات على مدى يومي الخميس والجمعة الماضيين، نادى فيها المحتجون بـ"إسقاط الحكومة"، وأقفلوا الطريق المؤدية الى مقرها، في تجمع العشرات من المتظاهرين في مدينة طبرق، أقصى الشرق، أمام مقر مجلس نواب طبرق، منادين بالمطالب ذاتها.
وأكد الناشط المدني عبد السلام البرغثي، أحد منظمي الاحتجاجات في بنغازي، أن تبريرات صالح "ليست منطقية ولا مقبولة"، مضيفاً أن "الحكومة تسلمت مليارات الدولارات طيلة السنين الماضية دون أن تنفق منها شيئاً على المواطنين".
كانت مدينة البيضاء، التي يقع فيها المقر الرئيسي للحكومة الموازية، قد شهدت هي الأخرى احتجاجات على مدى يومي الخميس والجمعة الماضيين، نادى فيها المحتجون بـ"إسقاط الحكومة"
وأكد البرغثي، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الاحتجاجات ستستمر اليوم لليوم الرابع بشكل أكثر تنظيماً، وفي الساحات العامة بعدة مدن شرق ليبيا، مشيراً إلى أن تصريحات صالح لن تحل أزمة الكهرباء التي تغيب لأكثر من يوم على بعض المناطق، وفي ظل غياب السيولة النقدية، فيما نزحت مئات الأسر بسبب فقدانها لمنازلها في مناطق الصابري ووسط البلاد، في إشارة إلى الأحياء المتضررة بسبب حرب حفتر على خصومه طيلة أربع سنوات، قبل أن يسيطر عليها في يناير/ كانون الثاني 2018.
وكان البرغثي قد أكد، لـ"العربي الجديد"، في تصريح سابق، أن دائرة الاحتجاجات ستطاول مدناً أخرى، وجدد تأكيده استمرار الاحتجاجات في شكل تصعيد جديد بالدعوة لملء الساحات العامة، خصوصاً في بنغازي، أكبر مدن الشرق الليبي.
ورفع المتظاهرين شعارات تنادي بضرورة "محاسبة الفاسدين في الطبقة الحاكمة"، بينما عبر أحد المتظاهرين، في أحد الفيديوهات المنتشرة، عن مخاوف المتظاهرين بالقول: "خرجنا للمطالبة بحقوقنا، ومن الممكن غداً أن تعثروا علينا في شارع الزيت".
واشتهر شارع الزيت في بنغازي، الذي يعرف أيضاً بـ"مكب حفتر"، بكثرة جثث أسرى حفتر التي كانت مليشياته تلقي بها على قارعته، وأشهرها مذبحة أكتوبر/ تشرين الأول 2018، التي عثر فيها على قرابة 24 جثة لمدنيين خطفتهم مليشياته قبل أيام من مقتلهم.
وعلق الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش بأن الهتافات والشعارات التي نادى بها المتظاهرين تؤكد كسرهم حاجز الخوف، مرجحاً أن تتصاعد وتيرة المطالب لتشمل مدناً ليبية أخرى في شرق ليبيا.
وبدأت وتيرة الغضب الشعبي تتصاعد منذ خروج حراك 23 أغسطس/ آب في مظاهرات بالعاصمة طرابلس ومدن عدة في غرب ليبيا، تنديداً بالأوضاع المأساوية التي تشهدها البلاد، من انقطاع للكهرباء ونقص السيولة وغياب الأمن.
تحذير أميركي لحفتر
سياسياً، أكد مصدر برلماني مقرب من حفتر تلقي الأخير تحذيراً أميركياً بشأن ضرورة الإيفاء بتعهداته لاستئناف ضخ النفط المتوقف منذ يناير/ كانون الثاني الماضي أو مواجهة عقوبات دولية.
بدأت وتيرة الغضب الشعبي تتصاعد منذ خروج حراك 23 أغسطس/ آب في مظاهرات بالعاصمة طرابلس ومدن عدة في غرب ليبيا، تنديدا بالأوضاع المأساوية التي تشهدها البلاد
وكان بيان للسفارة الأميركية في ليبيا قد أعلن، السبت، أن حفتر نقل التزامه الشخصي للحكومة الأميركية بإعادة فتح الحقول والموانئ النفطية.
ورحّبت السفارة الأميركية، في بيان لها، بالإجماع الليبي حول إعادة فتح النفط وإنهاء أزمة الكهرباء جراء الإغلاق القسري لإنتاج النفط والغاز، إضافة إلى إنهاء التهديد الذي يشكله المرتزقة الأجانب والجماعات المسلحة على البنية التحتية للمنشآت النفطية.
تقاسم السلطة
إلى ذلك، نفت مصادر ليبية متطابقة، حكومية من طرابلس وبرلمانية من طبرق، البدء في اختيار شاغلي المناصب السيادية الليبية التي تم تقسيمها حسب التوزيع الجغرافي الليبي، بناء على أقاليمها الثلاثة في الجنوب والغرب والشرق.
واتفقت معلومات المصادر التي تحدثت لـ"العربي الجديد" حول حضور رئيسي مجلسي الدولة ونواب طبرق، نهاية الشهر الجاري، للتوقيع النهائي على الاتفاق الذي توصل إليه ممثلو الطرفين في المغرب، مشيرة إلى أن التوقيع سيكون حول التوزيعة الجغرافية للمناصب والمعايير التي تم الاتفاق عليها لاختيار شاغليها.
وحول الخطوات المقبلة، قالت المصادر إن "الصعوبة الحالية تتمحور حول إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وحكومة خدمية منفصلة، والتي ستجرى وفق معاير المحاصصة المناطقية"، مشيرة إلى أن رئيس مجلس النواب طبرق ورئيس المجلس الرئاسي يسعيان للحفاظ على مناصب مهمة في التشكيلة الجديدة.
وحول تسمية شاغلي المناصب السياسية، أكدت المصادر أنها خطوة سترجأ إلى حين الاتفاق على إعادة تشكيل المجلس الرئاسي وإعلان حكومة وحدة وطنية مقرها مدينة سرت "بشكل مؤقت".
ويرى الباحث الليبي في العلاقات الدولية مصطفى البرق، في حديث لــ"العربي الجديد"، أن توصل الطرفين لاتفاق حول المناصب السيادية شكل عاملاً مساعداً لتثبيت وقف إطلاق النار، مشيراً إلى أن توزيع المناصب على أساس المحاصصة "سحب البساط من تحت حفتر، الذي اتخذ من وجود المناصب الكبرى في طرابلس وبيد حكومة الوفاق ذريعة لإعلان الحرب".
وأكد البرق أن "واشنطن هي اللاعب الأبرز في قيادة الملف الليبي نحو توافق سياسي يقوم على أساس تقاسم المناصب، الذي سيكون سبيلاً لتوحيد المؤسسات السيادية، ومن ثم لا داعي للانقسام الحكومي والسياسي في البلاد"، معتبراً أن "واشنطن بدأت في الاتجاه خطوة نحو حفتر بالتلويح بمعاقبته، وهي رسالة ضمنية موجهة له تحذره من مغبة خرق مقترحها بشأن عزل مدينتي سرت والجفرة من السلاح".
وبينما يرى الناشط السياسي الليبي عقيلة الأطرش أن "مسألة حفتر لا تزال مغيبة حتى الآن، بدليل عدم وجود منصب المؤسسة العسكرية في أجندات لقاءات المغرب"، يرى أن "ثورة الغضب الشعبي التي انتشرت في مناطق شرق ليبيا وبدأت تدق أبواب معسكره الحصين في المرج عامل جديد قد يدفع بشكل سريع لتنفيذ المتفق عليه في لقاءات المغرب".
البرق: واشنطن هي اللاعب الأبرز في قيادة الملف الليبي نحو توافق سياسي يقوم على أساس تقاسم المناصب، الذي سيكون سبيلا لتوحيد المؤسسات السيادية
ويضيف أن "عنوان المظاهرات في كل المدن ليبيا موحد في سوء الأحوال المعيشية، وهو أمر مرتبط بالوضع الاقتصادي السيئ في البلاد، ويرتبط مباشرة بسوء إدارة المؤسسات السيادية للاقتصاد".
وبتقدير الأطرش، فإن إشارة بيان السفارة الأميركية بربط سوء الأوضاع المعيشية باستمرار وقف النفط "رسالة واضحة لحفتر تطالبه بالانصياع الكامل لجهودها التي تقودها لحل الأزمة في البلاد، أو مواجهة غضب شعبي قد تتصاعد وتيرته في شكل ثورة شعبية تطالبه بالرحيل، خصوصاً بعد آلاف القتلى من أبناء قبائل شرق ليبيا وتخلي حلفائه الإقليميين عنه".