حفتر يسقط على أبواب بنغازي

18 أكتوبر 2014
القوات الموالية لحفتر تفتقد لخبرة قتالية ميدانية (فرانس برس)
+ الخط -
لم يحقق اللواء المتقاعد خليفة حفتر هدفه بالدخول إلى مدينة بنغازي شرقي ليبيا بدعوى "تحريرها" من سيطرة الجماعات المتشددة بما فيها جماعة "الإخوان المسلمين" الليبية، منذ انطلاق "عملية الكرامة" في السادس عشر من مايو/أيار الماضي، بعد فشل ما سُمي "انقلابه التلفزيوني الأول" الذي أعلنه عبر قناة تلفزيونية في شهر فبراير/شباط من العام الحالي.

ويأتي فشل حفتر على الرغم من الدعم والتأييد الذي حظيت به "عملية الكرامة" في مدن المرج والبيضاء وطبرق مقر مجلس النواب الليبي شرقي البلاد، ومدّها إياه بالمقاتلين والذخائر والأسلحة. ويُضاف إلى ذلك توفير مطاري الأبرق شرقي البيضاء، وقاعدة طبرق الجوية كمنطلق لطائراته التي قال عنها مسؤولون مصريون في تصريحات صحافية إنها مصرية، وكذلك استفادته من ميناء طبرق البحري لجلب سيارات الدفع الرباعي والأسلحة من دولتي الإمارات ومصر.

ويعزو محللون عسكريون هذا الفشل طوال الأشهر الستة الماضية في الدخول لمدينة بنغازي إلى ضعف وتكوين القوات المقاتلة معه؛ فهي إما كانت منتسبة للجيش الليبي ولم تتلقَ تدريبات جيدة، أو تتكون من مدنيين التحقوا بالعمليات القتالية كمناصرين له.
في المقابل، يتفوق مقاتلو "مجلس شورى الثوار" بالخبرة القتالية التي حصلوا عليها في ثمانية أشهر من المعارك، هي فترة إسقاط نظام العقيد الراحل معمر القذافي، والتي تخللها مشاركتهم في القتال في جبهات متنوعة، مفتوحة وداخل المدن، مما أعطاهم أولوية في صدّ هجمات قوات حفتر، أو أخذ زمام مبادرة الهجوم في أحيان كثيرة.

ويعتقد المتابعون أن فشل محاولة اقتحام بنغازي في الخامس عشر من أكتوبر/تشرين الأول الحالي من قِبل قوات حفتر والمليشيات التي التحقت به من داخل أحياء المدينة مدعومة بغطاء جوي مصري، سيعزز من خيار التخلي عنه، وفقدانه الحاضنة الاجتماعية التي نالها في بداية انطلاق "عملية الكرامة"، نظراً لما سببه الهجوم من أضرار جسيمة بمخازن الأدوية ومستلزمات المستشفيات، ومخازن الكتب المدرسية التي لم تبدأ بعد في بنغازي بسبب منع مؤيديه لها.

كما أن التسريبات الإعلامية عن تدخّل الطيران المصري وقصفه مواقع مدنية عدة وأخرى عسكرية في بنغازي سيزيد من حدة الانقسام حول حفتر، إذ إن قبائل شرقي ليبيا، ورغم رفض غالبيتها للجماعات الإسلامية المتشددة ولتيارات الإسلام السياسي ولفكر الأحزاب السياسية عموماً، إلا أنه لديها حساسية مفرطة من التدخل المصري في شرقي ليبيا بسبب تاريخ طويل من الحروب بينها وبين قبائل أولاد علي في مصر، ولا سيما في مناطق الجبل الأخضر.

وتفتقد قوات حفتر إلى خبرة ميدانية في حرب المدن داخل مدينة بنغازي، باعتبار أن أغلب المقاتلين مع اللواء المتقاعد من خارج بنغازي ويفتقرون للمعرفة الدقيقة بتفاصيلها ومسالكها. وتحاول قواته فك الحصار عليها في معسكر الرجمة على أطراف بنغازي، وصولاً إلى مطار وقاعدة بنينا الجوية والمنطقة السكنية بها.

وبحسب خبراء عسكريين، تحتاج قوات "عملية الكرامة" حتى تُحكم سيطرتها على بنغازي، إلى القضاء على ثلاثة معاقل رئيسية ومهمة داخل المدينة، أولها معسكر "كتيبة السابع عشر من فبراير" الذي يقع في منطقة قاريونس، وهو من أكبر المعسكرات والمقرات التابعة لـ"مجلس شورى ثوار بنغازي". وتتخذه قوات المجلس قاعدة لانطلاق عملياتها المسلّحة وعمليات الإمداد والدعم ضد قوات حفتر. ويقع خلفه مباشرة الحي الجامعي الذي توجد فيه الكثير من المساكن للمدنيين. ويُعد أول معسكر للثوار في ليبيا، إذ أُعلن عن إنشاء كتيبته عقب اندلاع ثورة فبراير/شباط 2011 بنحو أسبوع. وقد قصفت الطائرات الحربية التابعة لحفتر هذا المعسكر أكثر من مرّة من دون وقوع إصابات بشرية.

ثاني هذه المعسكرات هو "معسكر الدبابات 204" برئاسة العقيد المهدي البرغثي الذي يقع في منطقة الفويهات، وهي من أبرز أحياء المدينة. وبالقرب من المعسكر مزارع وفلل لمواطنين، عدد منهم من المسؤولين المقرّبين من النظام السابق، وكان أحد معسكرات الجيش الليبي منذ سنوات مضت تمتد إلى ما قبل العام 2011.

وبالنسبة لموقف هذا المعسكر من "عملية الكرامة"، فإن آمره لم يعلن انضمامه لها بشكل رسمي في بدايات انطلاقها في شهر مايو/أيار الماضي، إلا أن حديثاً مُتداولاً بين سكان بنغازي أن الضباط والجنود في هذا المعسكر هم من الموالين لحفتر، إلى جانب أن هذا المعسكر أعلن على صفحته على موقع "فيسبوك" أنه يؤيد حفتر وعمليته.

أما ثالث المعسكرات هو معسكر "الكتيبة 21 صاعقة"، الذي يقع في منطقة قاريونس ضمن حي سكني اسمه حي "لبنان" وتوجد فيه منازل لمدنيين، وهو أحد معسكرات سلاح الجو في الجيش الليبي منذ أكثر من ثلاثين سنة. وبعد الثورة الليبية أُطلق عليه اسم معسكر كتيبة شهداء الزاوية، وكان آمره العقيد صلاح بو حليقة الذي توفي في حادث سير، ليتم تعيين العقيد جمال الزهاوي خلفاً له حتى الآن.

وقبل حوالي ثلاثة أشهر تقريباً، اشتكى الكثير من المواطنين من قيام جنود ومنتسبي هذا المعسكر بارتكاب أعمال سلب ونهب في نقاط تفتيش أمام معسكرهم الذي يقع على الطريق السريع في بنغازي، إلى جانب قيامهم باعتقال بعض المواطنين داخل المعسكر وتعذيبهم وضربهم في أحيان كثيرة.

وأعلنت "الكتيبة 21" دعمها لـ"عملية الكرامة"، قادة وجنوداً، غير أنها لم تنضم لحفتر في معسكراته وقواعده العسكرية في منطقة مرتفعات الرجمة في بنغازي.

وتقع هذه المعسكرات الثلاثة في نطاق جغرافي واحد وقريبة من بعضها، إذ يبعد كل واحد منها عن الآخر مسافة تقل عن كيلومترين.

وتكشف مصادر من "مجلس شورى ثوار بنغازي" أن قوات المجلس عازمة على إنجاز مهام اقتحام شامل لمعسكر "الكتيبة 204 دبابات" و"معسكر الكتيبة 21 صاعقة"، وهدمهما بعد ذلك أسوة بما فعلته مع سبعة معسكرات سابقة للجيش موالية لحفتر سيطرت عليها في شهر يوليو/تموز الماضي.

ويلاحظ المراقبون أنه على الرغم من سيطرة حفتر على ثلاث مدن في شرق ليبيا (المرج، البيضاء، وطبرق)، إلا أن عجزه عن بسط نفوذه على بنغازي كقوة أمر واقع أو سلطة فعلية، سيضعف من مراكزه التفاوضية سياسياً، وسيجعل مسألة استمرار دعمه من قبل حلفاء إقليميين كمصر والإمارات، أو التغاضي الأميركي عنه، أمراً صعباً في ظل عدم قدرة قواته السيطرة على بنغازي.

ويرى بعض المتابعين أن حفتر يسابق قوات "فجر ليبيا" المسيطرة على أغلب مدن غرب ليبيا ذات الكثافة السكانية الأعلى في جغرافيتها الثلاثية (شرق، غرب، وجنوب)، إذ تحارب الأخيرة في آخر المعاقل المؤيدة لحفتر في الزنتان في الجبل الغربي، والتي تتجمع فيها بقايا "كتائب الصواعق" و"القعقاع" و"المدني" التي خرجت من طرابلس، بالإضافة إلى بقايا ما يعرف بجيش القبائل المهزوم على يد "قوات فجر ليبيا" في مناطق ورشفانة غربي العاصمة الليبية.

ولم تظهر أي محاولة دولية أو عربية على مستوى الدول أو المنظمات للتنديد بمحاولة حفتر اقتحام بنغازي. وهذا أيضاً ما حصل مع قصف الطيران المصري لمواقع مدنية وعسكرية الأربعاء الماضي في بنغازي، وذلك دليل بحسب الرافضين لـ"عملية الكرامة"، على التأييد الدولي والدعم الذي وفّره حلفاء حفتر الإقليميين، لما يمكن أن يُقال عنها خاتمة اللواء المتقاعد الذي حلم بالسير على خطى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

المساهمون