بعد مرور خمسة أشهر على عقد مؤتمر حضرموت الجامع، لا تزال مخرجاته حبيسة الأدراج، وتبدو هيئاته شبه منفصلة عما يدور في الشارع الحضرمي، وسط تساؤلات عن تراجع التفاعل مع وثيقة المؤتمر التي أجمعت عليها أطراف سياسية واجتماعية متعددة في حضرموت. وحضرموت هي كبرى محافظات الجمهورية اليمنية مساحة وثروة، وتمتاز بموقع جغرافي استراتيجي يمتد على شريط ساحلي طويل تقع عليه عدة موانئ بحرية، فضلاً عن وجود منفذ الوديعة البري الذي يربط المحافظة بالسعودية. ومع مرور المحافظة بانفلات أمني، خصوصاً في وادي حضرموت، فضلاً عن الأزمات الخدماتية المختلفة، عادت تساؤلات الشارع عن مخرجات مؤتمر حضرموت الجامع والقائمين عليه. ولا تخلو تلك التساؤلات من النقد والهجوم، وأحياناً السخرية.
ومؤتمر حضرموت الجامع هو مؤتمر دعا له حلف حضرموت القبلي، بمشاركة مختلف التيارات السياسية والاجتماعية، وخرج بوثيقة من 40 بنداً، تأتي في مقدمتها المطالبة بإعلان حضرموت إقليماً مستقلاً بذاته وفق جغرافيتها المعروفة، ويتمتع بحقوقه السياسية السيادية كاملة غير منقوصة، بعيداً عن مختلف صنوف التبعية والانتقاص والإلحاق. وتضمنت المخرجات أن يكون لإقليم حضرموت التمثيل في أي استحقاق مقبل، وفقاً لمعايير المساحة وعدد السكان والإسهام في الميزانية الاتحادية والبعد التاريخي والثقافي والاجتماعي. واقتصادياً نصت المخرجات على أن يكون لأبناء حضرموت الحق في الإدارة الكاملة للسلطة الإدارية والاقتصادية والعسكرية والأمنية على جميع المنافذ والمطارات والموانئ والمياه الإقليمية داخل الإقليم، فضلاً عن إنشاء المجلس الاقتصادي الأعلى لحضرموت، وإعادة هيكلة القطاعات الاقتصادية بما يحقق مصلحة حضرموت واستعادة حقوقها، إلى جانب التأكيد على النقل الفوري للمكاتب الرئيسية للشركات النفطية إلى حضرموت، والإسراع في بناء المصافي النفطية، والسعي لتوفير بنية تحتية مناسبة من خلال الحلول الجذرية لمشكلات المياه والكهرباء والطرق ومختلف الخدمات الحيوية.
ويبدو أن غياب الرؤية الواضحة لما بعد إعلان المخرجات تسبب بـ"الفتور" تجاه مخرجات المؤتمر، سواء من قبل هيئاته المتعددة أو من قبل الكيانات المشاركة فيه. وبالرغم من أن الهيئة العليا لمؤتمر حضرموت الجامع شكلت، في مايو/أيار الماضي، هيئة للرئاسة وأخرى للرقابة والتفتيش، وعينت لاحقاً رؤساء لدوائر متعددة للعمل على تنفيذ المخرجات، إلا أن الأزمات المتتابعة في المحافظة شكلت، على ما يبدو، حاجزاً حال دون الحديث عن مطالب المؤتمر السياسية والاقتصادية في الوقت الذي يفتقد فيه المواطن أدنى الخدمات. كما أن إقالة محافظ حضرموت السابق، اللواء الركن أحمد سعيد بن بريك، الذي جعل من المؤتمر إنجازاً يحسب لمرحلته، أدت إلى خفت صوت المؤتمر إعلامياً على الأقل، خصوصاً إذا ما قورن حضور المؤتمر ومخرجاته في خطابات بن بريك والمحافظ الحالي، اللواء الركن فرج البحسني. وفي محاولة لتسجيل موقف لرئاسة الهيئة العليا لمؤتمر حضرموت الجامع، فقد أكدت الرئاسة، في بيان صدر في يونيو/حزيران الماضي، التمسك بقرارات المؤتمر والمطالبة بتسريع إعلان حضرموت إقليماً حسب مخرجات مؤتمر حضرموت الجامع، ورفض أي تجاوز لمرجعية وقرارات المؤتمر.
من جهة أخرى، يرى متابعون أنه لا يمكن فصل وضع محافظة حضرموت عما يجري في اليمن عموماً، والذي يفتقر إلى وجود الدولة القوية، ويعاني من تقاسم النفوذ بين أطراف محلية وأخرى خارجية نتيجة للحرب. ويرى آخرون أن هيكلية المؤتمر وآلية اختيار أعضائه والمكونات المشاركة فيه انعكست سلباً على ما بعد إعلان مخرجاته. وفي السياق نفسه، يرى الكاتب السياسي، منصور باوادي، أن أبرز أسباب تأخر تنفيذ أي من مخرجات المؤتمر الحضرمي هو انحراف المؤتمر عن هدفه الأساسي منذ البداية، وتجلى ذلك في الهيكلية التي أخذت لوناً واحداً غلب على لجنته التحضيرية، ما أفقد المؤتمر دعم ومساندة كثير من النخب والمكونات الحضرمية، التي ترى أن المؤتمر شأن حضرمي خالص، وأنه لا علاقة لأي جهات وأطراف ومكونات من خارج حضرموت به. ويوضح باوادي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن هذا كان بداية الخلل وكل التداعيات اللاحقة في ما بعد هي امتداد أو إفرازات لهذه البداية غير الموفقة، وعلى إثرها ذهبت كل محاولات إنعاشه من قبل القائمين أدراج الرياح، وفق قوله. ولفت إلى أن إعلان مخرجات المؤتمر، والذي كان بمثابة طوق النجاة للقائمين على حلف حضرموت، ظهرت بشيء من القبول والتوافق مع آمال أبناء حضرموت، لكنها أصبحت حبراً على ورق، ودغدغة للعواطف، لأن المطلوب هو الهيكلة الصحيحة للمؤتمر، والتي ستتبنى متابعة تطبيق هذه المخرجات، وهذا ما لم يحصل، ما جعل المخرجات تظهر في صورة المسكِن لا غير. وأشار إلى أن مؤتمر حضرموت الجامع جاء في الأساس كمنقذ لحلف حضرموت القبلي، الذي عانى من ركود خلال الأشهر الماضية ليعيد توهجه من جديد.
من جهته، قال رئيس الدائرة السياسية في مؤتمر حضرموت الجامع، محمد الحامد، إن رئاسة المؤتمر، منذ انعقاده، عقدت سلسلة اجتماعات من أجل ترتيب دوائر السكرتارية ووضع خطط لأعمالها ومهامها، مراعية ضرورة إشراك الكادر المؤهل ومن مختلف المديريات. وأضاف الحامد، لـ"العربي الجديد"، أن "من أهم الوثائق التي ناقشتها رئاسة المؤتمر وثيقة عقد شراكة بين المؤتمر الجامع والسلطة المحلية، تم عرضها على محافظ حضرموت، اللواء فرج البحسني، وأبدى استحسانه لما تتضمنه من أفكار معقولة وأحالها إلى الدائرة القانونية للنظر فيها". ولفت إلى أن رئاسة المؤتمر ناقشت عدة أفكار لكيفية تنفيذ قرارات المؤتمر الجامع من دون الاصطدام بعوائق قانونية، أو تداخل مع سلطات الدولة، من بينها عقد ورش عمل مشتركة مع السلطة المحلية حول مختلف القضايا، بحيث تكون مخرجاتها قابلة للتنفيذ. وأوضح أن لقاء عقد قبل أيام، ضم رئاسة المؤتمر مع محافظ حضرموت نوقشت فيه مشكلة تردي الخدمات والاختلالات الأمنية، مؤكداً أن الاستقرار المجتمعي لن يتحقق إلا إذا قامت الدولة بواجباتها وأعطت للمحافظة حقوقها في الثروة وحقها في إدارة الملف الأمني وغيرها من القضايا.