حصار شمال سيناء يخلق "تجار الأزمات"

14 مارس 2018
تفاقم الأوضاع المعيشية لأهالي سيناء (Getty)
+ الخط -

مع دخول حصار الجيش المصري لمحافظة شمال سيناء (شمال شرق) شهره الثاني، تتزايد الأزمة الإنسانية لمئات الآلاف من المصريين بشكل متسارع، ما تسبب في ظهور ما يسميه أهالي سيناء بـ "تجار الأزمات"، الذين وجدوا في حاجة المواطنين للمواد الأساسية فرصة للكسب، مستغلين غياب الأجهزة الحكومية التنفيذية عن متابعة الأسواق التي تشهد زحاما وفوضى غير مسبوقة.

ويتحجج الأمن المصري في منع إدخال المواد الغذائية إلى سيناء، بتخوفه من وصولها إلى مجموعات تنظيم ولاية سيناء، رغم أن الكميات التي وصلت إلى سيناء، خلال الشهر الماضي، كانت بتنسيق عالي المستوى بين قيادة عمليات الجيش المصري ومحافظة شمال سيناء ووزارة التموين، ونواب سيناء في مجلس الشعب، إلا أن ذلك التنسيق لم يكفِ لإدخال المواد الغذائية بشكل مستمر، بل يحتاج الأهالي بشكل مستمر إلى تحركات جديدة من قبل مختلف الأطراف، لحل الأزمات الغذائية المتلاحقة.

وشهدت غالبية أسعار المواد الغذائية في سيناء ارتفاعا جنونيا، حسب تجار ومواطنين، مقارنةً بما كانت عليه قبل بدء العملية العسكرية الشاملة، في 9 فبراير/شباط الماضي، حتى إنها طاولت المستلزمات الأساسية كالخضار والغاز وحليب الأطفال.

وعلى رغم ارتفاع أسعارها إلا أن المواد الغذائية لا تتوفر إلا بكميات قليلة، وفي مناطق محدودة من محافظة شمال سيناء، مما دفع السكان إلى إطلاق نداءات استغاثة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن من دون جدوى.

كما كشف مصدر مسؤول في مجلس مدينة العريش لـ"العربي الجديد" أن كميات من المواد الغذائية وصلت إلى مدينة العريش، بهدف التوزيع المجاني على المواطنين، إلا أن موظفي وزارة التموين نقلوها إلى مخازن الوزارة، إلى أن شوهدت تباع في بعض أسواق العريش بأسعار مرتفعة، بعيدا من السوق المركزي أو وسط المدينة، ما فرض تساؤلات عن الجهة التي تقف وراء إحداث الأزمة، والمستفيدين من بقائها.

المصدر، الذي رفض الكشف عن اسمه، أضاف أن اهتمام "محافظة شمال سيناء" بالأزمة الإنسانية الحاصلة في جميع المدن التابعة لها، تراجع بشكل ملحوظ، خلال الأيام الماضية، كما قلّت المراسلات الموجهة للوزارات المعنية في القاهرة، أو قيادة عمليات القوات المسلحة في سيناء، مما يزيد التوقعات باستمرار الأزمة الإنسانية لفترة أطول، لعدم وجود اهتمام كاف يستدعي قرارا بفك الحصار عن المحافظة.

وأشار إلى أن ما يقارب 350 ألف مواطن على الأقل في انتظار وصول المواد الغذائية في مناطق شمال ووسط سيناء، وأن عددا كبيرا منهم لم تصله أي مواد تموينية منذ بدء العملية العسكرية.

وفي مزيد من التفاصيل، قال أحد وجهاء مدينة العريش لـ"العربي الجديد"، إنه بعد استلام عدد من التجار كميات المواد الغذائية التي سمح الجيش بإدخالها للمحافظة، خلال الأسابيع الماضية، تم رفع سعرها إلى عدة أضعاف، إضافة إلى أن بعض هذه المواد لا تصلح للاستخدام الآدمي لفسادها، بسبب مكوثها على الحواجز لأيام طويلة، وعلى رغم ذلك يقبل عليها المواطنون في ظل شح الأسواق.

وتابع المواطن السيناوي، الذي رفض ذكر اسمه، أنه لا يُسمح بشراء كمية تكفي أفراد الأسرة، ما فاقم الأوضاع المعيشية، وأوصل الحالة الإنسانية في سيناء إلى مشهد غير مسبوق في كل العهود السابقة. 




وبحسب المواطن: "للأسف، وجد بعض التجار ضالتهم في الأزمة الحالية، فباتوا يستغلون حاجة المواطنين للمواد الغذائية ويقومون برفع سعرها بشكل جنوني"، مشيرا إلى أن مفتشي وزارة التموين والجهات المختصة في محافظة شمال سيناء تغيبوا بشكل ملحوظ عن الأسواق، ولا يتابعون ما يجري من تلاعب في الأسعار، وإخفاء للمواد الغذائية، وبيعها في الأسواق السوداء، إذ تم ترك المواطنين ضحية لابتزاز التجار، مما فاقم الأزمة الإنسانية التي طاولت عشرات آلاف المواطنين، على مدار أكثر من شهر كامل.

وفور سماع أهالي مدينة العريش بقدوم سيارات الخضروات والمواد الغذائية يسارعون إلى الاصطفاف على بوابات بيعها، سواءً في الأسواق أو المحال التجارية.

إلا أن جزءاً كبيراً منهم يعود فارغ اليدين، نتيجة لعدم مقدرته على مزاحمة المواطنين طوابير الانتظار، والتي ينتج عنها في بعض الأحيان عراك بالأيدي، ومشاحنات، أدت في بعضها إلى وقوع عشرات الإصابات، وذلك كله وسط غياب لقوات الأمن والوزارات المعنية لتنظيم توزيع المواد الغذائية.

واللافت للانتباه أن الأزمة أدت إلى ظاهرة جديدة تتمثل في عملية تهريب عكسية للمواد الغذائية من قطاع غزة الفلسطيني إلى مدينة رفح المصرية، عبر استخدام أنفاق مهجورة كانت تستخدم في تهريب الغذاء والوقود من سيناء إلى القطاع المحاصر منذ سنوات.

وتمر المواد التموينية المهربة من رفح الفلسطينية إلى مدينتي رفح المصرية والشيخ زويد، ومن ثم بيع هذه المواد بأسعار مضاعفة للمواطنين المحتاجين لها بصورة ملحّة، في ظل حالة الحصار المتواصل منذ ما قبل 9 فبراير/ شباط الماضي، وهو موعد بدء العملية العسكرية.

وقال شيخ قبلي من مدينة رفح المحاذية للحدود مع قطاع غزة، لـ"العربي الجديد"، إن عددا من المهربين نسّقوا مع تجار في المدينة لجلب المواد التموينية، خصوصا الطحين اللازم لإعداد أرغفة العيش (الخبز) وحليب الأطفال والأدوية.

وأشار في الوقت ذاته إلى أن عددا من العائلات الفلسطينية أرسلت كميات من المواد سابقة الذكر مجانا للعائلات المصرية في رفح.

وأضاف أن الفلسطينيين في رفح يعتبرون تقديمهم للمواد التموينية لأشقائهم المحاصرين من الجيش المصري في رفح ردا للجميل الذي قدموه لهم خلال اشتداد الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة منذ عام 2006.

وأكد أن قلة الأنفاق المتبقية بفعل إزالة غالبية أحياء مدينة رفح حال دون وصول كميات كافية للمواطنين المحتاجين للمواد الغذائية بشكل طارئ.

وأشار إلى أن حل أزمة تلاعب التجار وقلة المواد التموينية، إن أرادت الدولة ذلك، يكمن في فك الحصار عن مدن محافظة شمال سيناء، وإدخال البضائع بتنسيق مع مجالس المدن والوزارات المعنية، وبإشراف مباشر من قوات الجيش والاستخبارات، وبذلك تزول حجة الأمن بأن منع إدخال المواد الغذائية يعود لتخوفهم من وصولها إلى المجموعات العسكرية التابعة لتنظيم ولاية سيناء في مناطق سيناء المختلفة.



وفي ظل الحالة القائمة، تضطر العائلات إلى تقاسم المواد التي استطاعوا شراءها فيما بينهم، فيما اتجه البعض إلى شراء الخضروات المزروعة على أطراف مدينة العريش رغم رداءتها، إلا أنها تسد حاجة المواطنين الملحة للحصول على ما يسدون به رمقهم، في ظل تواصل الحصار.

وقال أحد تجار الخضروات في مدينة العريش لـ"العربي الجديد"، إن المواطنين باتوا يضطرون إلى شراء أي خضروات تعرض في السوق مهما كانت جودتها وسعرها، في ظل الحصار القائم، مؤكدا أن حالة الاستغلال تتزايد مع مرور الأيام، في ظل غياب الأجهزة التنفيذية، وتواصل الحصار الذي طاول كل أشكال المواد التموينية.

ووسط هذه الأزمة، غاب جهاز مشروعات الخدمة الوطنية للقوات المسلحة المصرية عن سيناء، بعد أن وزع كميات قليلة لمرة واحدة، وأحدثت تدافعا بين المواطنين في مدينتي العريش وبئر العبد، بينما كان الهدف منها التصوير لصالح المنظومة الإعلامية التابعة للجيش، وجهاز الشؤون المعنوية، بدليل أنها لم تعد إلى توزيع المواد الغذائية على المواطنين المحاصرين مجددا حسب بعض الأهالي.

وعلى النقيض تماما، يقوم الجيش المصري بتوصيل إمداداته التموينية لقواته العسكرية المنتشرة في كافة مناطق سيناء.

وبحسب مصادر قبلية لـ"العربي الجديد"، فإن شاحنات التموين التابعة للجيش تصل من بئر العبد مرورا بالعريش إلى معسكري الساحة برفح والزهور في الشيخ زويد، ومن هناك يتم توزيعها على الكمائن والارتكازات الأمنية.

وأضافت المصادر القبلية، التي رفضت ذكر اسمها، أن قوات الجيش ترسل التعيينات العسكرية (الغذاء) للقوات على الأرض، ترافقها حملات عسكرية بين المدن، خوفا من تعرّضها لهجوم من التنظيم والاستيلاء على المواد التموينية، فيما لا تقدم قوات الجيش أيا من هذه المواد للمواطنين الذين يقطنون في مناطق سكنية قريبة من المواقع العسكرية، رغم علمها بحاجتهم الملّحة للغذاء.
المساهمون