طوى الموسم الدرامي الرمضاني المصري صفحته الأخيرة، وبات واضحاً ما هي المسلسلات التي نجحت وما هي المسلسلات التي فشلت. لكن بعيداً عن أسماء الأعمال، ونجومها، يبقى فضل كبير في نجاح الأعمال للمخرج وكاتب السيناريو. فمن كان أفضل مخرج، وأفضل سيناريو؟ وماذا عن الديكور والأزياء والموسيقى التصويرية وفق رأي أكثر من ناقد فني، ووفق الآراء التي توالت منذ انطلاق العرض الرمضاني حتى آخر حلقة.
المخرج
محمد ياسين (أفراح القبة)
أثناء تصوير مسلسل "أفراح القبة" حدثت مشاكل ضخمة بين المخرج محمد ياسين والكاتب الأساسي للسيناريو محمد أمين راضي، على الأغلب كان الخلاف حول "الملكية الإبداعية" للمسلسل. راضي قدم ثلاثة مسلسلات ناجحة في السنوات الثلاث الأخيرة ويبدو طموحه متعلقا بإعادة "نجومية كاتب السيناريو" أسوة بـ"أسامة أنور عكاشة" من قبل، حيث يتحول المخرج لأداة تنفذ أفكار الكاتب، وهذا تحديداً سيكون غير مقبول بالنسبة لياسين، كمخرج له رؤية وأخرج قبل سنوات قليلة مسلسل مثل "موجة حارة" يعتبر من أفضل المسلسلات التي قدمتها الدراما المصرية في السنوات الأخيرة، لذلك فإن النتيجة كانت انسحاب راضي من العمل بعد كتابة نصف الحلقات.
ياسين قرر الاستعانة بالكاتبة نشوى زايد لتكمل حلقات المسلسل، لتظهر مشاكل في الكتابة وفارق العوالم، لأن بنية العمل ليست من قبل صانع وكاتب واحد، ورغم أن ذلك الأمر كان من المحتمل أن يعصف بالمشروع كله، إلا أن موهبة ياسين الفائقة والواضحة جداً هي ما أنقذت كل شيء.
هناك حلقات كاملة من المسلسل تعتمد على تطوير علاقة بين شخصين وليس على "حدث" يتابعه المشاهد، الحلقة الثامنة مثلاً تبدو مثالية، إظهار تطور العلاقة بين "تحية عبده وطارق رمضان"، كيف يخلق ياسين" لحظات هادئة جداً للذكرى –كغناء "الهاشا باشا تاكا" في الشارع مثلاً.. أو حوارهما معاً في المسرح، ليمنح مسلسله دفعة شعورية تتجاوز حتى مشاكل الكتابة؟ كيف يبدو مجهوده واضحاً مع المصور عبد السلام موسى في كل لقطة وفي كل كادر لصنع "صورة فنية" بعيدة عن المعتاد في المسلسلات المصرية؟ كيف يظهر الكثير من الممثلين في أفضل أداءاتهم؟ وكيف يخلق تفاعل و"كيميا" بينهم على الشاشة؟ "أفراح القبة" هو المثال الأبرز على قيمة المخرج وقدرته على تجاوز كل العثرات الممكنة ليصنع عملاً مهماً وقيماً.
السيناريو
عبد الرحيم كمال (يونس ولد فضة)
لم ينل مسلسل "يونس ولد فضة" نسبة مشاهدة عالية، ربما لأنه لا يحمل نجماً ينتظر الجمهور أعماله (يتقاسم بطولته عمرو سعد وسوسن بدر) وربما لفقر صورة المسلسل النابعة من مشاكل إنتاجية واضحة، ولكن إذا نحينا كل هذا ونظرنا فقط للحكاية والشخصية وتطور الحدث عبر الحلقات، فهذا هو أفضل سيناريو في رمضان الحالي. عبد الرحيم كمال كتب في رمضان الحالي أيضاً مسلسل "ونوس"، الذي عانى من تطويل واضح ومشاكل في تسيير القصة، ورغم ذلك يعتبر من أنجح المسلسلات، مستفيداً من وجود يحيى الفخراني وجاذبية الحكاية بالنسبة للناس، دون أن يعلم الكثيرون أن العمل الأهم كان في "يونس ولد فضة"، حيث أجواء الصعيد التي يعرفها "كمال" جيداً، وينقلها دون الكليشيهات الدرامية المحفوظة، ويلتقط عالماً عنيفاً وحاداً مع الكثير من العلاقات المعقدة التي تربط الشخصيات ببعضها، وتجعل من كل حلقة هي غَزْل دقيق للحلقة التي تليها. ومن المحزن فعلاً ألا ينال نصاً مثل هذا وسائل تجعله أقرب للناس.
موسيقى تصويرية
أمين أبو حافة
في رمضان الحالي، يقدم الموسيقي التونسي أمين أبو حافة الموسيقى التصويرية لثلاثة أعمال: "ونوس"، "جراند أوتيل" و"الميزان"، وذلك بعد 3 مسلسلات أخرى في رمضان الماضي، ليبدو واضحاً أنه "فرس رهان" الموسيقى خلال السنوات التالية، في حال لم يفقد ذلك السحر الذي يملكه حالياً. ما لا يعرفه الكثيرين أن "أبو حافة" هو واضع الموسيقى التصويرية لفيلم "تيمبوكتو" للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، والذي فاز بجائزة من لجنة تحكيم مهرجان "كان" عام 2014، ورشح بعدها لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، أي أننا نتحدث هنا عن "موسيقار عالمي" بما يمكن أن تحمله الكلمة، وعمله في الدراما المصرية هو إضافة دون شك. ومن بين أعماله الثلاثة المميزة هذا العام، تبرز تحديداً موسيقى مسلسل "ونوس"، منذ اللحظة الأولى في التترات يدخلك "أبو حافة" للأجواء الغامضة والمقبضة التي يخلقها، موسيقى تحمل أزلية الحكاية بين "آدم" و"الشيطان"، وتحمل الصراع المحتمل بين إغراءات الدنيا وانتصارات الروح، وتحمل "سولو" عود من أجمل ما يمكن أن يُسمع خلال رمضان الحالي.
اقــرأ أيضاً
أفضل ديكور وأزياء
(جراند أوتيل)
هناك شيء ما مفقود في مسلسل "جراند أوتيل" منعه من أن يصبح "الأفضل في رمضان"، ربما افتقاده لروح مصرية، ألا تشعر بأغلب الممثلين وكأنهم مدبلجون عن لهجة أخرى. ولكنه مع ذلك احتفظ لنفسه بتفوق فني في الصورة لا ينافسه أو يضاهيه أي مسلسل آخر. مهندس الديكور محمد شاكر خضير (شقيق مخرج العمل) ومصممة الملابس ياسمين القاضي قدما شيئاً مذهلاً فعلاً، يتفوق على أي مسلسل مصري آخر، ليس فقط في محاكاته للزمن وقدرته على التقاطه في الأزياء والديكورات، ولكن أيضاً لأن تلك التفاصيل في الصورة لا تعد فائضاً، بل تتحول لجزء من الدراما، ملابس كل شخصية لها علاقة بطبيعتها وهيئتها ودورها في العمل، وديكور الفندق نفسه بأجزائه المختلفة يعكس، من دون فجاجة، هذا الشيء القاتم والسري الذي يحاول المسلسل كله أن يتحرك به. أضف إلى كل ذلك موسيقى أمين أبو حافة، ليكون "جراند أوتيل" أفضل مسلسل من الناحية التقنية والبصرية لهذا العام.
المخرج
محمد ياسين (أفراح القبة)
أثناء تصوير مسلسل "أفراح القبة" حدثت مشاكل ضخمة بين المخرج محمد ياسين والكاتب الأساسي للسيناريو محمد أمين راضي، على الأغلب كان الخلاف حول "الملكية الإبداعية" للمسلسل. راضي قدم ثلاثة مسلسلات ناجحة في السنوات الثلاث الأخيرة ويبدو طموحه متعلقا بإعادة "نجومية كاتب السيناريو" أسوة بـ"أسامة أنور عكاشة" من قبل، حيث يتحول المخرج لأداة تنفذ أفكار الكاتب، وهذا تحديداً سيكون غير مقبول بالنسبة لياسين، كمخرج له رؤية وأخرج قبل سنوات قليلة مسلسل مثل "موجة حارة" يعتبر من أفضل المسلسلات التي قدمتها الدراما المصرية في السنوات الأخيرة، لذلك فإن النتيجة كانت انسحاب راضي من العمل بعد كتابة نصف الحلقات.
ياسين قرر الاستعانة بالكاتبة نشوى زايد لتكمل حلقات المسلسل، لتظهر مشاكل في الكتابة وفارق العوالم، لأن بنية العمل ليست من قبل صانع وكاتب واحد، ورغم أن ذلك الأمر كان من المحتمل أن يعصف بالمشروع كله، إلا أن موهبة ياسين الفائقة والواضحة جداً هي ما أنقذت كل شيء.
هناك حلقات كاملة من المسلسل تعتمد على تطوير علاقة بين شخصين وليس على "حدث" يتابعه المشاهد، الحلقة الثامنة مثلاً تبدو مثالية، إظهار تطور العلاقة بين "تحية عبده وطارق رمضان"، كيف يخلق ياسين" لحظات هادئة جداً للذكرى –كغناء "الهاشا باشا تاكا" في الشارع مثلاً.. أو حوارهما معاً في المسرح، ليمنح مسلسله دفعة شعورية تتجاوز حتى مشاكل الكتابة؟ كيف يبدو مجهوده واضحاً مع المصور عبد السلام موسى في كل لقطة وفي كل كادر لصنع "صورة فنية" بعيدة عن المعتاد في المسلسلات المصرية؟ كيف يظهر الكثير من الممثلين في أفضل أداءاتهم؟ وكيف يخلق تفاعل و"كيميا" بينهم على الشاشة؟ "أفراح القبة" هو المثال الأبرز على قيمة المخرج وقدرته على تجاوز كل العثرات الممكنة ليصنع عملاً مهماً وقيماً.
السيناريو
عبد الرحيم كمال (يونس ولد فضة)
لم ينل مسلسل "يونس ولد فضة" نسبة مشاهدة عالية، ربما لأنه لا يحمل نجماً ينتظر الجمهور أعماله (يتقاسم بطولته عمرو سعد وسوسن بدر) وربما لفقر صورة المسلسل النابعة من مشاكل إنتاجية واضحة، ولكن إذا نحينا كل هذا ونظرنا فقط للحكاية والشخصية وتطور الحدث عبر الحلقات، فهذا هو أفضل سيناريو في رمضان الحالي. عبد الرحيم كمال كتب في رمضان الحالي أيضاً مسلسل "ونوس"، الذي عانى من تطويل واضح ومشاكل في تسيير القصة، ورغم ذلك يعتبر من أنجح المسلسلات، مستفيداً من وجود يحيى الفخراني وجاذبية الحكاية بالنسبة للناس، دون أن يعلم الكثيرون أن العمل الأهم كان في "يونس ولد فضة"، حيث أجواء الصعيد التي يعرفها "كمال" جيداً، وينقلها دون الكليشيهات الدرامية المحفوظة، ويلتقط عالماً عنيفاً وحاداً مع الكثير من العلاقات المعقدة التي تربط الشخصيات ببعضها، وتجعل من كل حلقة هي غَزْل دقيق للحلقة التي تليها. ومن المحزن فعلاً ألا ينال نصاً مثل هذا وسائل تجعله أقرب للناس.
موسيقى تصويرية
أمين أبو حافة
في رمضان الحالي، يقدم الموسيقي التونسي أمين أبو حافة الموسيقى التصويرية لثلاثة أعمال: "ونوس"، "جراند أوتيل" و"الميزان"، وذلك بعد 3 مسلسلات أخرى في رمضان الماضي، ليبدو واضحاً أنه "فرس رهان" الموسيقى خلال السنوات التالية، في حال لم يفقد ذلك السحر الذي يملكه حالياً. ما لا يعرفه الكثيرين أن "أبو حافة" هو واضع الموسيقى التصويرية لفيلم "تيمبوكتو" للمخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو، والذي فاز بجائزة من لجنة تحكيم مهرجان "كان" عام 2014، ورشح بعدها لأوسكار أفضل فيلم أجنبي، أي أننا نتحدث هنا عن "موسيقار عالمي" بما يمكن أن تحمله الكلمة، وعمله في الدراما المصرية هو إضافة دون شك. ومن بين أعماله الثلاثة المميزة هذا العام، تبرز تحديداً موسيقى مسلسل "ونوس"، منذ اللحظة الأولى في التترات يدخلك "أبو حافة" للأجواء الغامضة والمقبضة التي يخلقها، موسيقى تحمل أزلية الحكاية بين "آدم" و"الشيطان"، وتحمل الصراع المحتمل بين إغراءات الدنيا وانتصارات الروح، وتحمل "سولو" عود من أجمل ما يمكن أن يُسمع خلال رمضان الحالي.
أفضل ديكور وأزياء
(جراند أوتيل)
هناك شيء ما مفقود في مسلسل "جراند أوتيل" منعه من أن يصبح "الأفضل في رمضان"، ربما افتقاده لروح مصرية، ألا تشعر بأغلب الممثلين وكأنهم مدبلجون عن لهجة أخرى. ولكنه مع ذلك احتفظ لنفسه بتفوق فني في الصورة لا ينافسه أو يضاهيه أي مسلسل آخر. مهندس الديكور محمد شاكر خضير (شقيق مخرج العمل) ومصممة الملابس ياسمين القاضي قدما شيئاً مذهلاً فعلاً، يتفوق على أي مسلسل مصري آخر، ليس فقط في محاكاته للزمن وقدرته على التقاطه في الأزياء والديكورات، ولكن أيضاً لأن تلك التفاصيل في الصورة لا تعد فائضاً، بل تتحول لجزء من الدراما، ملابس كل شخصية لها علاقة بطبيعتها وهيئتها ودورها في العمل، وديكور الفندق نفسه بأجزائه المختلفة يعكس، من دون فجاجة، هذا الشيء القاتم والسري الذي يحاول المسلسل كله أن يتحرك به. أضف إلى كل ذلك موسيقى أمين أبو حافة، ليكون "جراند أوتيل" أفضل مسلسل من الناحية التقنية والبصرية لهذا العام.