كثيرة هي القضايا التي ينشغل بها اللبنانيون ويشتركون عبر مواقع التواصل الاجتماعي في الأخذ والردّ حولها. مرّ النفط ومعه التجنيس وغيرهما كثير سابقاً. هذه المرة دور الحشيشة واحتمالات تشريعها لأغراض طبية
المتغير في مسألة الحشيشة (القنب الهندي) في لبنان، هو تعاطي الدولة معها، ما بين ملاحقة وتلف واعتقال، أو تسامح وغض نظر، وصولاً إلى تواطؤ ورشاوى. والثابت هو استمرار هذه الزراعة، واستمرار أرباح المزارعين الصغيرة وأرباح التجار الأكبر. آخر "تغيرات" الدولة فكرة اقتراح قانون حول تشريع زراعة الحشيشة لأغراض طبية. هي فكرة تقفز كلّ عدة سنوات ويربطها البعض بغايات سياسية أكثر من أيّ شيء آخر.
الفكرة التي أعاد إحياءها رئيس مجلس النواب (البرلمان) نبيه بري، في لقائه مع السفيرة الأميركية في لبنان، إليزابيث ريتشارد، أكد خبراء أنّها إذا ما أقرّت كقانون ستؤمّن للخزينة اللبنانية مليار دولار أميركي سنوياً على أقلّ تقدير، بحسب شركة "ماكينزي" الأميركية. لكنّ الفكرة لم تصل بعد إلى مستوى الاقتراح البرلماني الرسمي الذي يقدمه نائب أو مجموعة من النواب. هي في طور البحث، إذ قيل إنّ بري كلف لجنة مختصة بصياغة الاقتراح. فهل من اعتراضات على مثل هذا القانون من جانب الطب، والقانون، والمجتمع المدني، والمزارعين أنفسهم؟
سيطرة الوزارة
يؤيد الطبيب الشرعي سامي القواس تشريع الحشيشة لأغراض طبية، ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ العلم والخبرة الطبية أثبتا أنّ العديد من الأمراض التي لا تُحلّ بالطريقة الطبية الكلاسيكية تصل إلى نتيجة مع الحشيشة، وهي الأمراض التي ترافقها أوجاع مزمنة تحديداً، من قبيل التليف في العضلات. يتابع أنّ في الإمكان تناول الدواء المستند إلى الحشيشة كبديل عن أدوية أخرى.
أما عن احتمالات الإدمان، فيشير إلى أنّ المطلوب هو تحكم الطبيب نفسه بالجرعات الطبية التي يعطيها للمريض، كما يجري الأمر حالياً بالنسبة للأدوية التي تحتوي على المورفين. ويؤكد أنّ المطلوب في حال تعاطي الحشيشة لأغراض طبية هو عدم الإفراط. يعطي مثالاً على ذلك من خلال المضادات الحيوية، التي يقول إنّها من أعظم الابتكارات، لكنّ انتشارها الفوضوي في السوق اللبناني وسهولة حصول المستهلك عليها من أيّ مكان من دون وصفة طبيب، تسمح للإفراط في تناولها بخلق مقاومة في الجسم تجعلها غير فعالة، ويتطلب ذلك من الطبيب وصف دواء جديد. يتابع: "إذا شرّعت الحشيشة لا نريد أن نذهب إلى هذا المستوى من الإفراط، إذ قد يؤدي ذلك إلى الإدمان، وإلى الانتقال باتجاه مخدر أقوى. يجب أن يبقى الأمر تحت سيطرة وزارة الصحة، كما هي الحال مع المورفين المسموح به لمرضى السرطان، ودائماً تحت إشراف الطبيب المختص".
البدل العادل
جاء في المادة 11 من قانون المخدرات المنشور في الجريدة الرسمية اللبنانية عام 1998، أنّه "في حال زرع هذه النباتات (خشخاش الأفيون، ونبتة الكوكا، ونبتة القنب، وجميع النباتات التي تنتج عنها مخدرات وذلك سواء أكانت بشكل بذور أو في سائر أطوار نموها) تقوم النيابة العامة دون انتظار صدور الحكم على المخالف بإتلاف المزروعات بالطرق الفنية المناسبة بعد أخذ العينات وضمها إلى محضر التحقيق، وتحصّل وزارة المالية نفقات الإتلاف من المخالف وفقاً لأصول تحصيل الأموال الأميرية أو تضاف إلى نفقات الدعوى في حال الملاحقة". أما العقوبة فتبينها المادة 125 من القانون نفسه، وفيها: "يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة وبغرامة من خمسة وعشرين مليونا إلى مائة مليون ليرة: كلّ من أقدم عن قصد على مخالفة الحظر المنصوص عنه في الفقرة الأولى من المادة 11 (زراعة النباتات الممنوعة والتي تنتج مواد شديدة الخطورة).
أبو علي (68 عاماً) يحمد الله أنّ الدولة لم تتلف مزروعاته يوماً أو تغرّمه وتوقفه. يقول لـ"العربي الجديد" إنّه يعمل مع أسرته في حقل الحشيشة الذي يملكه في منطقة الهرمل (شرق لبنان) ثمانية أشهر في العام، بين استصلاح الأرض والتحضيرات والبذر والمتابعة اليومية والري والحراسة ثم الحصاد، ويجني 14 مليون ليرة لبنانية (9333 دولاراً أميركياً) كمعدل، لكنّه يشير إلى أنّه في إحدى السنوات وصل دخل الموسم الصافي إلى 23 مليوناً (15.333 دولاراً). يعاونه في العمل أبناؤه الثلاثة وابنته وزوجته. أرضه خصبة والماء متوفر فلا يضطر لقطع المياه عن منزله أو منزل غيره كما يحصل في أراضٍ أخرى، بهدف ريّ الحشيشة.
في الأشهر المتبقية من السنة يزرع بعض الخضر في جزء من الأرض، لكنّه يؤكد أنّه ليس بالإمكان الاتكال على الخضر وحدها للعيش، وهذه النقطة يربطها أيضاً بتقديم إنتاجه من الحشيشة للدولة في حال أقرّ القانون الجديد: "أنا مع تنظيم زراعة الحشيشة ومع القانون بالتأكيد... والدولة على رأسنا. لكن، ليس لديّ مع عائلتي مصدر دخل آخر. لذلك، إذا أرادت الدولة أن تضع يدها على الأرض لنقدم لها إنتاجنا عليها أن تنصفنا وتمنحنا الدخل الذي نجنيه حالياً، أو أقل بقليل، لكن أن تقدم لنا مليوني ليرة كما تعطي مزارعي التبغ في الجنوب فهذا ما نعترض عليه".
أين اللجنة؟
وبينما لا يهتم أبو علي بالجهة التي ستتولى تصريف إنتاجه أكانت الدولة لأغراضها الطبية، أم تاجراً لأغراضه غير الطبية كما هي الحال الآن، فإنّ رئيس جمعية "جاد- شبيبة ضد المخدرات" جوزيف حواط ينفي لـ"العربي الجديد" أساساً الإمكانات الطبية للحشيشة. يستند حواط إلى بحث أجرته نقابة الصيادلة يشير إلى أن لا دواء رسمياً في العالم يرتكز على الحشيشة، بل مجرد مكملات عشبية.
يؤكد حواط أنّه مع جمعيته ضد هذا التشريع "لأنّ الدولة أرتنا عجزاً كاملاً في قوانين أخرى كمنع التدخين في الأماكن العامة، وقانون السير، فكيف ستنفذ هذا القانون"؟ كذلك، يشير إلى أنّه حتى لو كان هناك فوائد طبية لمرضى السرطان، فلا دليل أنّ إحدى الشركات الأجنبية ستشتري إنتاجنا، وهي التي تأخذ من تركيا والمغرب وغيرهما حالياً. ويستغرب الأرقام المهولة التي ترتفع يومياً حول ما سيقدمه اعتماد الحشيشة طبياً من مدخول للبنان، والتي قفزت من مليار دولار سنوياً إلى 20 مليار دولار في الأحاديث الصحافية: "إذا كانوا يريدون المال فليستغلوا النفط، أو يزيدوا سعر الخمور المستوردة". كذلك، يشير إلى خطورة الحشيشة نفسها كمخدر، ويقول إنّ آثارها تبقى في الجسم أربعين يوماً بعد التوقف عن تعاطيها. ويلفت إلى أنّ طرق معالجة الحشيشة الحالية تعزز نسبة رباعي هيدرو كانابينول (THC)، وهو العنصر الفعال في النبتة، إلى 8 في المائة حالياً، بعدما كان لا يتجاوز قبل سنوات 0.4 في المائة، وذلك من خلال تجهيز البذرة نفسها بحرقها في ضوء قوي ورشها بالكحول مراراً وتكراراً. ويؤكد أنّ من بين كلّ 100 متعاطٍ للهيرويين هناك 90 واحداً منهم كانت بداية تعاطيهم للمخدرات من الحشيشة بالذات.
يضيف حواط أنّ جمعيته طلبت من الرئيس بري وضعها في اللجنة المختصة بصياغة اقتراح القانون، فتبين أنّها لم تشكل بعد، كما يشير إلى أنّ جمعيته أرسلت دراسة وافية عن القضية إلى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري.
لا ثقة
من المعروف في لبنان أنّ اقتراح القوانين وإقرارها والسير فيها بعد إقرارها مزاجي. يمكن التذكير في هذا الإطار بالقانون 220/ 2000 الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة الذي لم ينفذ بعد بالرغم من مرور 18 عاماً على إقراره. لكن في حال أقرّ تشريع الحشيشة لأغراض طبية، فالمطلوب بحسب المحامي لؤي غندور "أجهزة رقابية في وزارة الصحة تسهر على القانون وتنفيذه. فالمطلوب قبل التشريع تفعيل إشراف الوزارة ابتداء من البذرة نفسها وصولاً إلى الإنتاج، ومنع تهريبه، وجعل المزارع موظفاً تابعاً للوزارة إذ لا يمكن تكليف القطاع الخاص بمثل هذا التطبيق". يضيف غندور، الناشط في المجتمع المدني، لـ"العربي الجديد" أنّ هناك مسائل عالقة: "ما الذي ستفعله الدولة بعشرات آلاف مذكرات التوقيف الصادرة بحق مزارعين وتجار؟ هل هناك مفعول رجعي لإسقاط الاتهامات ضدهم بعد تشريع الحشيشة لغايات طبية، خصوصاً أنّها مجرّمة في قانون العقوبات؟".
يؤكد غندور استحالة تطبيق القانون في حال أقرّ، بسبب غياب الأجهزة الرقابية: "أعتقد أنّ المسألة بدأت بغايات انتخابية لا أكثر، واستمرت بعد الانتخابات". ويخلص إلى فكرة أساسية حول تشريع الحشيشة لأغراض طبية أو غيره من القوانين: "لا ثقة لدينا في العمليات التي تديرها الدولة".