بيان اعتذار، رثاء للطيور، هجاء للصيّادين، هذه تعابير يستخدمها الفنّان اللبناني حسّان الصمد لوصف معرضه الذي افتتح مؤخّراً في "غاليري صالح بركات"، ويتواصل حتى 25 تمّوز/ يوليو الجاري تحت عنوان "نصب تذكاري للحياة البرية".
تعلّم الصمد (1978)، أن يكون صياداً على يد والده. وبالرغم من أنه اعتزل هذه المهنة منذ عامين، لكنه أحب الصيد "حين كان يُمارَس بشكل نبيل، وكان فيه احترام للطبيعة، وحين كان الصيّاد يعرف متى وماذا. أمّا اليوم، فالأغلبية تفتقر لأخلاقيات الصيد، وأصبح الأمر عبثياً ويماثل في ذلك منظومة العنف المجّاني التي نعيش فيها"، كما يقول في حديثه إلى "العربي الجديد".
يضم المعرض تسعين لوحة زيت على قماش، تمثّل البيئة البرية المهدّدة في لبنان. رسم الصمد كل الأنواع التي يعرفها؛ الحيوانات والطيور المهاجرة ونصف المهاجرة والمقيمة، وكذلك "الطيور التي تعاني من خرافات الإنسان عنها، مثل البوم الذي يُقتل في القرى لأنهم يرون فيه طائراً يرمز إلى الموت، أو الضبع، ذلك الحيوان الخجول وغير المؤذي، الذي يُقتَل ويُسحل ويُلقى به بشكل مجّاني ومؤسف بسبب خرافات أخرى حوله، أو نقّار الخشب المهدّد بالانقراض وهو يُقتل رغم أنه لا يؤكل، ورغم أنه مفيد للبيئة، فهو وحده القادر على إنقاذ الأشجار المعمّرة من الأمراض في جذوعها. الآن هذه الأشجار التي صمدت مئات السنين تيبس فجأة وتموت، كذلك الوقواق والجوارح النادرة والتي لا يوجد أي مبرّر لقتلها".
اختار الفنان أن يرسم الطيور كأنها نائمة، إذ ليس ثمّة قطرة دم واحدة في اللوحات، ثمّة أنواع مختلفة من الحيوانات والطيور في هذه السجّادة كثيرة الألوان والتفاصيل، إنها بمثابة أرشفة لأجناسها المختلفة، واستند في رسمها إلى مخيلته أحياناً، وإلى مشاهداته هو نفسه كصياد في فترة ما، إلى جانب صور جمعها من الصيادين أحياناً، والذين يشكّلون مجتمعاً قائماً بحد ذاته، ولديه صفحات ومجموعات تواصل، يرسل أفرادها إلى بعضهم البعض صور غنائمهم اليومية.
يوضح الصمد، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أن "لبنان واحد من أهم ممرّات الطيور المهاجرة سنوياً، لذلك فهو يتمتّع بتنوّع بيئي كبير، لكنه مهدّد. ثمّة نية عند السلطة لحماية الطبيعة، لكنها لا تتحوّل إلى تنفيذ فعلي وحاسم"، مضيفاً: "كما أن ثمة حالة تحدٍ من الصيادين لسلطة غائبة أصلاً، وهذه حالة حاولتُ تمثيلها من خلال لوحات إشارات السير والتحذير المرورية، مثل "خطر الانزلاق" و"قف" و"تمهل" أو "بلدية قرية كذا"، وغيرها من الرموز السلطوية التي لا تمارس أي سلطة فعلياً".
يذهب الصمد في تفسيراته لعمليات الصيد العشوائية هذه إلى أنها امتداد لذاكرة الحرب الأهلية، فمن وجهة نظره هي "رواسب مليشيوية، كثيرون مارسوا وشاهدوا وعانوا من العنف المجاني خلال سنوات الحرب، وهذا ما يكرّره الصيادون تماماً؛ يقتلون بهدف القتل ويتركون جثث الحيوانات مرمية في العراء".
ليس هذا هو المعرض الأول للصمد، كما أنه ليس الأول له الذي يتعلّق مضمونه بالبيئة، فقد كانت باكورته معرضاً استشرافياً تخيّل فيه مكبّات نفايات ضخمة متفشية في كل مكان، وأنجزه قبل أزمة لبنان الكبيرة مع النفايات.