جاء اللقاء بالفنان التونسي، حسين عطا، في روما لينقُض تقريباً كلّ ما تراكم من أفكار عن سواد ملف المهاجرين في الجنوب الإيطالي. فهناك ناجحون ومتميّزون، لم يفلحوا فقط في خلقِ حياة خاصّة ناجحة، وإنما استطاعوا، أيضاً، أن يخترقوا المشهد الثقافي الإيطالي في تفاصيله المحلية، وخصوصيّاته الكلاسيكية المُقتصرة على الإيطاليين.
عندما توجهنا إلى ذلك المسرح الصغير في أحد نواحي روما، لم يكن يدور بخلدنا أنّنا سنكون شهوداً على ولادة لحظة موسيقيّة وثقافية عربية بتلك القيمة الفنية العالية. يقول الممثل التونسي القدير، أحمد الحفيان، وهو يشير إلى الحضور في الصالة: "هؤلاء نخبة من جمهور إيطاليا".
لم يكن حسين عطا يغني أغاني شعبية لجالية تونسية مهاجرة. كان يقدم عرضاً لأسطوانة جديدة أنتِجَت في الولايات المتحدة الأميركية، لتوزع على أهم العواصم الغربية، وربما العربية أيضاً، وكان يغني لجمهور إيطالي بالكامل، ومن فرقة مؤلّفة من عازفين إيطاليين.
لم يكن لدينا أية فكرة عن مضمون العرض وتفاصيله، فقد جاءت الدعوة بالصدفة، وانطلقت فرقة الجاز في "نمنمات" على البيانو والكنترباص. وفجأة، صدح صوت حسين عطا مذهلاً بالتعطيرة النبوية الشهيرة لطه الفشني. كانت المفاجأة مُربِكة تماماً، لأنه ليس من المتاح أوّلاً أن يستعيد أيُّ كان طه الفشني، فما بالك إذا كان على الجاز. والأهم، هو أنك لا تشعر بأن الصوت غريب عما حوله من مناخ موسيقي. كيف يستطيع الصوفي أن يمتزج بالجاز دون غرابةٍ أو تصادم؟
صحيح أن موسيقى العالم جربت ذلك كثيراً منذ الثمانينيات، وقد شهدت الساحة الثقافية العربيَّة ولادة تجارب متعددة في هذا المجال في أكثر من بقعة عربية، حاول خلالها موسيقيون من الغرب والشرق بناء جسور ما بين العالمين. ونجحت في ذلك تجارب كثيرة، وفشلت أخرى كثيرة أيضاً، بسبب ما يتبيّن بأنه إقحام بالقوة للقاء غير ممكن بسبب التباعد الروحي أو الفني، أو بسبب عدم بلوغ نقطة الالتقاء الوهمية التي توحد المناخات الموسيقية المختلفة، وكأنها مزيج متجانس لا غرابة فيه مطلقاً.
و يكرِّر حسين عطا في قطعة أخرى ذات التجربة. وكأنه يحاول الإثبات أن النجاح الماضي ليس عابراً، ثم يعرج بِنَا فجأة إلى أغنية شعبية ساخرة باللهجة التونسية، كتبها ولحّنها ووزّعها بنفسه. كلُّ شيءٍ كان مفاجئاً، ولكن، عازفة البيانو المشاركة مع حسين في الفرقة كانت مسألة مُختلفةً تماماً، كانت تنشد مع حسين كل كلماته، تبتهِلُ هي أيضاً وتمدح الرسول الكريم.
اقــرأ أيضاً
ويقول حسين، بأنه يخوضُ الآن هذه التجربة الرباعيّة الهامّة التي ستقدّمه من خلال موسيقاه التي يرغب بإبرازها للناس. وبأنه كان مصراً على أن يكون حاضراً بذاته العربية الإسلامية في هذا المشهد الإيطالي الذي فرض هيمنته على الموسيقى العالمية منذ عصور. تجربة حسين هي إثبات جديد على أن البحر المتوسط كان دائماً فرصة للقاء لا للتجافي. وبأن الحضارة المتوسّطية هي واحدة، ولا يمكن للفكر المتطرف العربي أو الغربي أن يجزئها.
عندما توجهنا إلى ذلك المسرح الصغير في أحد نواحي روما، لم يكن يدور بخلدنا أنّنا سنكون شهوداً على ولادة لحظة موسيقيّة وثقافية عربية بتلك القيمة الفنية العالية. يقول الممثل التونسي القدير، أحمد الحفيان، وهو يشير إلى الحضور في الصالة: "هؤلاء نخبة من جمهور إيطاليا".
لم يكن حسين عطا يغني أغاني شعبية لجالية تونسية مهاجرة. كان يقدم عرضاً لأسطوانة جديدة أنتِجَت في الولايات المتحدة الأميركية، لتوزع على أهم العواصم الغربية، وربما العربية أيضاً، وكان يغني لجمهور إيطالي بالكامل، ومن فرقة مؤلّفة من عازفين إيطاليين.
لم يكن لدينا أية فكرة عن مضمون العرض وتفاصيله، فقد جاءت الدعوة بالصدفة، وانطلقت فرقة الجاز في "نمنمات" على البيانو والكنترباص. وفجأة، صدح صوت حسين عطا مذهلاً بالتعطيرة النبوية الشهيرة لطه الفشني. كانت المفاجأة مُربِكة تماماً، لأنه ليس من المتاح أوّلاً أن يستعيد أيُّ كان طه الفشني، فما بالك إذا كان على الجاز. والأهم، هو أنك لا تشعر بأن الصوت غريب عما حوله من مناخ موسيقي. كيف يستطيع الصوفي أن يمتزج بالجاز دون غرابةٍ أو تصادم؟
صحيح أن موسيقى العالم جربت ذلك كثيراً منذ الثمانينيات، وقد شهدت الساحة الثقافية العربيَّة ولادة تجارب متعددة في هذا المجال في أكثر من بقعة عربية، حاول خلالها موسيقيون من الغرب والشرق بناء جسور ما بين العالمين. ونجحت في ذلك تجارب كثيرة، وفشلت أخرى كثيرة أيضاً، بسبب ما يتبيّن بأنه إقحام بالقوة للقاء غير ممكن بسبب التباعد الروحي أو الفني، أو بسبب عدم بلوغ نقطة الالتقاء الوهمية التي توحد المناخات الموسيقية المختلفة، وكأنها مزيج متجانس لا غرابة فيه مطلقاً.
و يكرِّر حسين عطا في قطعة أخرى ذات التجربة. وكأنه يحاول الإثبات أن النجاح الماضي ليس عابراً، ثم يعرج بِنَا فجأة إلى أغنية شعبية ساخرة باللهجة التونسية، كتبها ولحّنها ووزّعها بنفسه. كلُّ شيءٍ كان مفاجئاً، ولكن، عازفة البيانو المشاركة مع حسين في الفرقة كانت مسألة مُختلفةً تماماً، كانت تنشد مع حسين كل كلماته، تبتهِلُ هي أيضاً وتمدح الرسول الكريم.
ويقول حسين، بأنه يخوضُ الآن هذه التجربة الرباعيّة الهامّة التي ستقدّمه من خلال موسيقاه التي يرغب بإبرازها للناس. وبأنه كان مصراً على أن يكون حاضراً بذاته العربية الإسلامية في هذا المشهد الإيطالي الذي فرض هيمنته على الموسيقى العالمية منذ عصور. تجربة حسين هي إثبات جديد على أن البحر المتوسط كان دائماً فرصة للقاء لا للتجافي. وبأن الحضارة المتوسّطية هي واحدة، ولا يمكن للفكر المتطرف العربي أو الغربي أن يجزئها.