على الرغم من بساطة شخصية المثقف السوري حسين العودات، ووضوحها الشديد، أرى أنها شخصية إشكالية، تحتاج الكثير من البحث والدراسة. الشيء الطبيعي هو أن يوجد أناس يحبونه، وأناس يكرهونه، وأناس لا يبالون به أصلاً، مثله مثل بقية الناس، ولكننا فوجئنا، في الساعات الأولى لظهور نبأ وفاته (عن تسعة وسبعين عاماً)، بأن الجميع يحبونه، ويمتدحونه، ويرثونه بكلمات طيبة.. وههنا تكمن الإشكالية التي قصدتُها.
لقد تعلمنا، خلال سنوات الثورة السورية، أن ينقضَّ الكتاب والفيسبوكيون الموالون للنظام على أي كاتب معارض، ويشبعونه تسخيفاً، وتشكيكاً، وتخويناً، والكتاب والفيسبوكيون الثوريون يتناولون أيَّ كاتب سوري يقيم في دمشق ولا يغادرها، ويسخرون منه، حتى ولو كان معارضاً، قائلين إنه يستشعر دفء الجلوس في حضن الوطن! وبعضهم يذهبون إلى أبعد من ذلك فيتساءلون: "يعني كيف قاعد في الشام، ومعارض، والنظام ساكت عنه"؟
أما في حالة حسين العودات فلا يجرؤ أحد على طرح مثل هذه التساؤلات. وللعلم فقد اتجه الكثيرون من الطرفين، لإعادة النظر في مسألة البقاء في سورية. ولربما تحسر معارضون كثير من المعارضين على قرار مغادرتهم الوطن في يوم من الأيام تحت ضغط الظروف القاسية، واحتمالات الملاحقة والاعتقال والتنكيل.
اقــرأ أيضاً
لا يستطيع أحدٌ "المزاودة" على حسين العودات في مجال المعارضة فهو واحد من الشخصيات الـ 99 الذين وقعوا في 27 سبتمبر/ أيلول 2000 على البيان الأكثر خطورة في تاريخ سورية المعاصر، باعتباره أولَ صوت ضمير سوري يطالب بوقف العمل بقوانين الطوارئ ومحاكم أمن الدولة، والعفو عن السجناء السياسيين، والسماح بعودة المنفيين والمبعدين، والسماح بحرية التعبير والتجمع.. وكذلك وقع على كافة البيانات اللاحقة المناوئة للاستبداد، كلجان إحياء المجتمع المدني "بيان الألف"، وإعلان دمشق للتغيير الديمقراطي.
مع بداية الثورة السورية ازداد الخطر على المعارضين، لأن النظام تحول من وحش رابض، مربوط، إلى وحش طليق، فالت، لا يحاسَبُ مجرموه ولا يُؤَاخَذُون على أية حقارة أو فظاعة يرتكبونها. ولدى تأسيس رابطة الكتاب السوريين خاف الكثير من الكتاب على أنفسهم من الانتساب إليها، بوصفها مؤسسة محسوبة على الثورة، وأما أبو خلدون حسين العودات فقد كان من مؤسسيها، وعضواً منتخباً في أمانتها العامة، وقد سافر من مطار دمشق الدولي إلى القاهرة، حضر المؤتمر، وانتُخب عضواً في المكتب التنفيذي، وعاد إلى منزله في دمشق! وحينما اتفقنا في المكتب التنفيذي للرابطة، فيما بعد، أن يكون هو نائباً لرئيس الرابطة الدكتور صادق جلال العظم، اعتذر بسبب ضعف الإنترنت في دمشق، وليس لأي سبب آخر، مع أن كتاباً سوريين آخرين، حينما سئلوا، أمنياً، عن علاقتهم بالرابطة نفوا ذلك وقالوا لقد وضعوا أسماءنا دون علمنا!
اقــرأ أيضاً
ربما كان حسين العودات واحداً من المعارضين السوريين النادرين الذين جعلوا مرجعياتهم الفكرية والسياسية والآيديولوجية هي ؛ سورية. سورية ولا شيء آخر. وبسبب هذه المزية كان بإمكانه أن يصف، في مقالة له بجريدة السفير 23/1/2016، ما جرى لسورية وصفاً بالغ الدقة والإصابة والتأثير. قال بألم: "تمزقت البلاد، وانتُهكت وحدتها، واستُبيحت أرضها، وتعدد حكامها من خلال سيطرة كل منهم على قطعة من أرضها وتحويلها إلى محمية، وغدت البلاد ساحة حرب للتيارات السياسية الإقليمية والعالمية وللدول ذات النفوذ، ومحط تجارب للأسلحة الجديدة من قبل صانعيها. ووصل الأمر بروسيا، مثلاً، أن استخدمت قاذفات تقصف أربعين هدفاً في آن واحد، وهو استخدام يجري للمرة الأولى، وتقوم في كل منطقة نفوذ دولةُ مليشيا تفرض قوانينها وتقاليدها، وقيمَها، بل ونظامَها السياسي والاقتصادي, وصار على المواطن السوري إذا أراد أن يسافر مئة كيلومتر أن يحيط بأيديولوجيات عدة. بعض هذه الحواجز يصادر ما يحمل، وبعضها الآخر يطلب رشوة ثمناً للسماح له بالمرور، وثالثها يجري له امتحاناً يتعلق بعدد الركعات في كل صلاة، وماذا يقرأ بها من آيات القرآن، وقد يتعرض للقتل إذا أخطأ. ومن النادر وجود حاجز يترك الناس يمرون بسلام، سواء كان من حواجز المجموعات المسلحة أم من حواجز السلطة".
قبل رحيله بأقل من شهر، تحدث أبو خلدون، على صفحته الفيسبوكية، عن الموقف الوضيع لاتحاد الكتاب العرب الذي تقصد حرمانه من حقوقه التقاعدية. (ملاحظة: من حسن الحظ أن اتحاد الكتاب لا يمتلك أسلحة انتقامية أقوى من هذا).
كاتب كبير، حسين العودات، أم مثقف كبير؟ أم: مواطن سوري كبير؟
الرحمة لروحك والمجد لذكراك.
لقد تعلمنا، خلال سنوات الثورة السورية، أن ينقضَّ الكتاب والفيسبوكيون الموالون للنظام على أي كاتب معارض، ويشبعونه تسخيفاً، وتشكيكاً، وتخويناً، والكتاب والفيسبوكيون الثوريون يتناولون أيَّ كاتب سوري يقيم في دمشق ولا يغادرها، ويسخرون منه، حتى ولو كان معارضاً، قائلين إنه يستشعر دفء الجلوس في حضن الوطن! وبعضهم يذهبون إلى أبعد من ذلك فيتساءلون: "يعني كيف قاعد في الشام، ومعارض، والنظام ساكت عنه"؟
أما في حالة حسين العودات فلا يجرؤ أحد على طرح مثل هذه التساؤلات. وللعلم فقد اتجه الكثيرون من الطرفين، لإعادة النظر في مسألة البقاء في سورية. ولربما تحسر معارضون كثير من المعارضين على قرار مغادرتهم الوطن في يوم من الأيام تحت ضغط الظروف القاسية، واحتمالات الملاحقة والاعتقال والتنكيل.
لا يستطيع أحدٌ "المزاودة" على حسين العودات في مجال المعارضة فهو واحد من الشخصيات الـ 99 الذين وقعوا في 27 سبتمبر/ أيلول 2000 على البيان الأكثر خطورة في تاريخ سورية المعاصر، باعتباره أولَ صوت ضمير سوري يطالب بوقف العمل بقوانين الطوارئ ومحاكم أمن الدولة، والعفو عن السجناء السياسيين، والسماح بعودة المنفيين والمبعدين، والسماح بحرية التعبير والتجمع.. وكذلك وقع على كافة البيانات اللاحقة المناوئة للاستبداد، كلجان إحياء المجتمع المدني "بيان الألف"، وإعلان دمشق للتغيير الديمقراطي.
مع بداية الثورة السورية ازداد الخطر على المعارضين، لأن النظام تحول من وحش رابض، مربوط، إلى وحش طليق، فالت، لا يحاسَبُ مجرموه ولا يُؤَاخَذُون على أية حقارة أو فظاعة يرتكبونها. ولدى تأسيس رابطة الكتاب السوريين خاف الكثير من الكتاب على أنفسهم من الانتساب إليها، بوصفها مؤسسة محسوبة على الثورة، وأما أبو خلدون حسين العودات فقد كان من مؤسسيها، وعضواً منتخباً في أمانتها العامة، وقد سافر من مطار دمشق الدولي إلى القاهرة، حضر المؤتمر، وانتُخب عضواً في المكتب التنفيذي، وعاد إلى منزله في دمشق! وحينما اتفقنا في المكتب التنفيذي للرابطة، فيما بعد، أن يكون هو نائباً لرئيس الرابطة الدكتور صادق جلال العظم، اعتذر بسبب ضعف الإنترنت في دمشق، وليس لأي سبب آخر، مع أن كتاباً سوريين آخرين، حينما سئلوا، أمنياً، عن علاقتهم بالرابطة نفوا ذلك وقالوا لقد وضعوا أسماءنا دون علمنا!
ربما كان حسين العودات واحداً من المعارضين السوريين النادرين الذين جعلوا مرجعياتهم الفكرية والسياسية والآيديولوجية هي ؛ سورية. سورية ولا شيء آخر. وبسبب هذه المزية كان بإمكانه أن يصف، في مقالة له بجريدة السفير 23/1/2016، ما جرى لسورية وصفاً بالغ الدقة والإصابة والتأثير. قال بألم: "تمزقت البلاد، وانتُهكت وحدتها، واستُبيحت أرضها، وتعدد حكامها من خلال سيطرة كل منهم على قطعة من أرضها وتحويلها إلى محمية، وغدت البلاد ساحة حرب للتيارات السياسية الإقليمية والعالمية وللدول ذات النفوذ، ومحط تجارب للأسلحة الجديدة من قبل صانعيها. ووصل الأمر بروسيا، مثلاً، أن استخدمت قاذفات تقصف أربعين هدفاً في آن واحد، وهو استخدام يجري للمرة الأولى، وتقوم في كل منطقة نفوذ دولةُ مليشيا تفرض قوانينها وتقاليدها، وقيمَها، بل ونظامَها السياسي والاقتصادي, وصار على المواطن السوري إذا أراد أن يسافر مئة كيلومتر أن يحيط بأيديولوجيات عدة. بعض هذه الحواجز يصادر ما يحمل، وبعضها الآخر يطلب رشوة ثمناً للسماح له بالمرور، وثالثها يجري له امتحاناً يتعلق بعدد الركعات في كل صلاة، وماذا يقرأ بها من آيات القرآن، وقد يتعرض للقتل إذا أخطأ. ومن النادر وجود حاجز يترك الناس يمرون بسلام، سواء كان من حواجز المجموعات المسلحة أم من حواجز السلطة".
قبل رحيله بأقل من شهر، تحدث أبو خلدون، على صفحته الفيسبوكية، عن الموقف الوضيع لاتحاد الكتاب العرب الذي تقصد حرمانه من حقوقه التقاعدية. (ملاحظة: من حسن الحظ أن اتحاد الكتاب لا يمتلك أسلحة انتقامية أقوى من هذا).
كاتب كبير، حسين العودات، أم مثقف كبير؟ أم: مواطن سوري كبير؟
الرحمة لروحك والمجد لذكراك.