وهذه الخلطة السحرية، باتت طريقة المطرب الإماراتي حسين الجسمي في انتقاء أغانيه التي يقدمها كل فترة، فالجسمي الذي ظهر هاوياً هو وأخوته نهاية تسعينيات القرن الفائت تحت مسمى "فرقة الخليج"، أصر على التقدم لبرنامج الهواة الذي كان يقدمه مهرجان دبي للتسوق تحت رعاية تلفزيون دبي فنجح حينها، وصارت أغنيات الفنان الكويتي عبد الكريم عبد القادر، التي قدمها الجسمي في مستهل تجربته بأسلوبه الخاص وميزته عن غيره، غناءً من الماضي.
يُدرك الجسمي أن عوامل نجاح المطرب تتعدى الصوت والأغنية أيضاً، فالحضور الذي شكله منذ أن عرفه الجمهور العربي بألبوم "قاصد" وبأغنيتي "فقدتك" و"بودعك"، كان ميزة له، فهو يعرف متى يغني ومتى يصمت ومتى يظهر ومتى يختفي للوصول إلى ذائقة الجمهور الصعبة، ولم تكن عملية "ربط المعدة" التي قام بها لتخفيف وزنه لأسباب صحية، إلا ضمن ثقته الكبيرة بأن الجمهور الذي أحب إحساسه غناءً، لن يتخلى عن المطرب رشيق القوام تالياً.
المدهش في مسيرة الجسمي الغنائية (ألبومان فقط! ومئات الأغنيات المفردة)، قدرته على اختراق مسامع الجمهور العربي من المحيط إلى الخليج، مما جعله المطرب الخليجي الأكثر ذكاء بين أقرانه، والمغرد الوحيد خارج سرب المطربين الخليجيين، فالجسمي كسر احتكار الجمهور الخليجي وتعصبه لمطربه الخليجي، فلا المطرب السعودي محمد عبده ساعده لقب "فنان العرب" على الانتشار عربياً، ولم تجدِ فورة الكويتي عبد الله الرويشد الغنائية عربياً أوائل الألفية الجديدة في أن يخرج من عباءة الأغنية الخليجية، ولم ينفع أحلام تواجدها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، جراء ذيوع شهرتها عقب برنامج اكتشاف المواهب "أرب أيدول" من أن تنتشر عربياً، ولم يخدم ذكاء راشد الماجد وانتشاره العربي القديم وكذلك الحال مع السعودي رابح صقر، في أن يبقيا عالقين في ذهن الجمهور العربي، وحتى المطرب السعودي الجنسية عراقي الأصل ماجد المهندس، اختار أن "يتخلجن" غنائياً، مفضلاً ذلك على الانتشار العربي الذي حققه في بداياته.
ومن بين هؤلاء وغيرهم، كان الجسمي الأكثر حضوراً وذكاء واندماجاً مع الجمهور العربي، فالجسمي إلى جانب فنانين عرب قلة كالسوري/اللبناني جورج وسوف والعراقي كاظم الساهر والمصريين عمرو دياب وتامر حسني واللبنانيتين نانسي عجرم ونجوى كرم، ممن يستطيعون الحضور إلى منصة أي مهرجان عربي وفي أي دولة كانت للغناء بين جماهيرهم الغفيرة بثقة ومن دون خوف من سقوط الحفل أو قلة الإقبال على تذاكره.
المشكلة التي تتعرض لها الأغنية الخليجية اليوم، انحسارها وانغلاقها على نفسها، فحفلات نجوم الغناء الخليجي كاملة العدد والحضور في العواصم والمهرجانات الخليجية أو في مصر و"نادراً" في لبنان و"غالباً" في أوروبا، يتجه منتجوها ومطربوها للجمهور الخليجي الذي "يُصيف" في عاصمة و"يُشتي" في أخرى، فيستثمر مطربو الخليج العربي الإجازات الكثيرة لمواطنيهم، للغناء أمام جمهورهم ذاته من دون خوف، بعكس الجسمي ومن يسيرون على خطه الذين يبحثون فنياً عن مناطق جماهيرية جديدة بفنهم، ويصلون إليها بفكرة الأغنية وفرادتها، مشفوعة بحلاوة أصواتهم وحضورهم الآسر.
ذكاء الجسمي الفني، قاده إلى المهرجانات الفنية الكبيرة عربياً كقرطاج وجرش وموازين، لكن أغنياته التي قدمها بلهجات عربية متعددة، رسخت اسمه في أرشيف الغناء العربي، فالجسمي قدم باللهجة التونسية "واكدللي" وباللهجة الجزائرية "صايي عادات قلبي" وباللهجة المغربية "كنزعل عليه" و"ما تقيش بلادي"، وسحر الجمهور العربي عموماً واللبناني خصوصاً بأغنيات السيدة فيروز، وكانت شهرته العربية تحققت بفعل نجاحه الساحق في الغناء باللهجة المصرية، فقدم "بحبك وحشتيني" لمقدمة فيلم "الرهينة"، وأتبعها بأغنية "6 الصبح"، وختم انتشاره الكبيرة بالغناء المصري بأغنية "بشرة خير" التي أحدثت انقلاباً غنائياً عربياً، فحققت اليوم بعد عام من طرحها ما يزيد على 87 مليون مشاهدة على صفحة واحدة فقط.
اقرأ أيضا: عام على "بشرة خير": التقليد مستمر...