12 نوفمبر 2024
حسابات واشنطن في معركة الموصل
تمثل معركة استعادة مدينة الموصل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، التي أطلقتها الحكومة العراقية في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2016، تحديًا سياسيًا، ليس لقدرة رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، على تعزيز قيادته في ظل تحدياتٍ عديدة يواجهها فحسب، بل للرئيس الأميركي، باراك أوباما، أيضًا الذي يسعى إلى محو "آثار هزيمة" الموصل التي سقطت في يد التنظيم في أثناء رئاسته؛ ما يفسر الإعلان عن انطلاق العمليات العسكرية لاستعادة المدينة قبل ثلاثة أسابيع فقط من الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وقد بدأت الولايات المتحدة بتعزيز قواتها في العراق، استعدادًا لهذه المعركة منذ يوليو/ تموز الماضي، عبر إرسال مزيد من المعدات العسكرية والمستشارين العسكريين، وتجهيز القوات العراقية الحكومية وقوات البشمركة الكردية، غير أن استعادة المدينة، وطرد تنظيم الدولة منها، قد لا يكون الجزء الأصعب في العملية التي يشارك فيها عشرات الآلاف من الجنود؛ ذلك أن الأجندات المتعارضة لأعضاء التحالف في الحرب ضد التنظيم، وحساسية التركيبة الديموغرافية لمدينة الموصل، تنذر بحصول مشكلات كبرى، فالموصل مدينة ذات أغلبية عربية سنية مع وجود تاريخي للمسيحيين وأقليات شيعية وتركمانية ويزيدية فيها، وفي إقليم نينوى بشكل عام. وإضافة إلى القوات العراقية التي تشارك في المعركة، هناك قوى تعلن أن هويتها السياسية شيعية وكردية، وهو ما يثير مخاوف من إمكانية حدوث توتراتٍ طائفيةٍ وإثنيةٍ وتغييرات ديموغرافية في ثاني أكبر المدن العراقية في مرحلة ما بعد طرد التنظيم منها. ويربك هذا الأمر بشدة الخطط الأميركية لاستعادة المدينة، في ظل غياب أي ترتيباتٍ سياسيةٍ لمرحلة ما بعد استعادتها. أما القوى العربية السنية المشاركة في المعركة، فهي في أغلبيتها قوى محلية (الحشد الوطني) بدعم تركي.
لماذا الاندفاع نحو الموصل؟
يمكن إيجاز أهمية معركة الموصل بالنسبة إلى الولايات المتحدة في النقاط التالية:
• تعد الموصل آخر مدينة كبيرة تحت سيطرة "داعش" في العراق، وهي أكبر خمس مرات تقريبًا من حجم أي مدينة أخرى سيطر عليها التنظيم. ومن المتوقع أن تشهد واحدة من أكبر المعارك منذ الغزو الأميركي عام 2003. كما أن استعادة السيطرة على المدينة سيعني
حرمان التنظيم من أيٍّ من المدن الرئيسة في العراق. وثمّة قيمة رمزية لطرد تنظيم الدولة من الموصل، حسب المقاربة الأميركية، فمنها أعلن زعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، دولة "الخلافة"، ومنها سيطر على مساحاتٍ شاسعة في العراق وسورية، وسيكون سقوطها إيذانًا ببدء انحساره وهزيمته.
• تأمل الولايات المتحدة أن تكون هزيمة التنظيم في الموصل مقدمةً لهزيمته في سورية. وقد دعا وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، إلى هجومٍ متزامن على مدينة الرقة في سورية، عاصمة "خلافة" التنظيم.
• تأمل إدارة أوباما من تحقيق انتصار حاسم في الموصل تعزيز صدقية إستراتيجيتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، القائمة على الحد من التورّط العسكري الأميركي المباشر، والاعتماد بدلًا من ذلك على تدريب قوات محلية وتسليحها، وتقديم دعم جوي ولوجستي واستشاري لها. ومن المعلوم أن هذه الإستراتيجية كانت قد تعرّضت لانتكاسة كبيرة عندما فرَّ عشرات الآلاف من القوات العراقية المدربة والمسلحة أميركيًا من أمام "داعش" في الموصل في يونيو/ حزيران 2014. وبدأ بعدها التنظيم بالزحف نحو بغداد نفسها، لولا تدخل الطيران الحربي الأميركي في أغسطس/ آب من العام نفسه.
الدور الأميركي في المعركة
تنفي الولايات المتحدة أن قواتها على الأرض تقوم بأي دور قتالي مباشر، وتصرّ على أن دورها استشاري. ووفقًا لوزارة الدفاع الأميركية، يوجد في العراق 5262 جنديًا أميركيًا، ولا يشمل هذا العدد نحو 1500 جندي بعقود عمل مؤقتة أو قصيرة الأجل. وتتمركز أغلبية تلك القوات في قواعد عسكرية في مدن، مثل بغداد وأربيل والتاجي والحبانية، كما يتمركز بضع مئاتٍ من الجنود الأميركيين في قاعدة عسكرية في حقل القيارة، جنوب الموصل. وتقوم تلك القوات بالتدريب، وتقديم المشورة للقوات الحكومية العراقية وقوات البشمركة الكردية. أما في معركة الموصل الحالية، فيعمل أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية مع الوحدات العسكرية العراقية والكردية المقاتلة، ويصرّ المسؤولون العسكريون الأميركيون على أن تلك العناصر تعمل في الصفوف الخلفية، وليس الأمامية، وأن دورها يقتصر على تقديم المشورة، وتحديدًا في مجال دور "المراقبة الجوية".
وحسب خبراء عسكريين أميركيين، فإن وجود تلك العناصر في صفوف الوحدات العسكرية المقاتلة في الموصل ضروري جدًا، ذلك أنهم ينسّقون ويوجهون الضربات الجوية لطائرات التحالف الغربي، بشكلٍ يضمن ضربات جوية أكثر دقة للمواقع المستهدفة، بدل قصف منطقة معينة بشكل عام من دون تحديد. كما تقوم هذه القوات الأميركية المتقدّمة في مساعدة القوات العراقية والكردية على التخلص من الألغام التي زرعها التنظيم في الطرق والبلدات والقرى المحيطة في الموصل، لكن الأميركيين يقومون، مع ذلك، بدور مركزي في معركة استعادة الموصل، ويشمل ذلك:
1. الضربات الجوية: وجّهت الولايات المتحدة أكثر من 10,200 ضربة جوية ضد تنظيم الدولة في العراق منذ أغسطس/ آب 2014. وتستخدم الولايات المتحدة، في هذه المعركة، طائرات تشمل F-22، والقاذفات الإستراتيجية B-52. كما أنها تستخدم طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي وطائرات الاستطلاع، وطائرات من دون طيار مزودة بالصواريخ.
2. الإسناد بسلاح المدفعية: أرسلت الولايات المتحدة مدافع هاوتزر متنقلة، فضلًا عن أنظمة صاروخية، يقوم بتشغيلها عناصر أميركيون يستهدفون من خلالها مواقع التنظيم.
مخاوف صراعات طائفية وإثنية
يقرّ المسؤولون الأميركيون أن المعضلة الأساسية التي تواجه معركة استعادة الموصل هي غياب خطة لليوم التالي للمعركة، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حصل بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها حققوا انتصارًا سريعًا، حينها، فإنهم اصطدموا بالتعقيدات السياسية والطائفية التي لم يأخذوها بالجدّية المطلوبة قبل الغزو. كما أنه ترتب على قرار سلطات الاحتلال، في ذلك الوقت، حلّ الجيش العراقي، ومؤسسات الدولة الأخرى، ما أدى إلى دخول العراق في حالة فوضى عارمة. ولا يُخفي المسؤولون الأميركيون أن هذه المخاوف حاضرةٌ اليوم، ذلك أن الموصل مدينةٌ تتألف أغلبية سكانها من السنة العرب، مع وجود أقلياتٍ أخرى من مسيحيين وأكراد وتركمان وشيعة ويزيديين. ومع ذلك، يبرّر المسؤولون الأميركيون انطلاق معركة الموصل، من دون وجود خطة جاهزة لحكمها ما بعد استعادتها من تنظيم الدولة، بأن التجهيزات العسكرية والاستعدادات القتالية اكتملت، وبأن الجاهزية المعنوية لدى القوات العراقية والكردية والمليشيات الأخرى في أعلى درجاتها، ومن ثمّ، فإن تأخير المعركة قد يضرّ بهذا الزخم. ويضيف هؤلاء المسؤولون إنه يمكن ترك القضايا الكبرى، وأهمها كيفية حكم الموصل، إلى ما بعد المعركة.
ويأتي القلق، بشكل رئيس، من سلوك مليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، والتي سبق لها ارتكاب جرائم طائفية، شملت القتل والتدمير والتهجير، بهدف تغيير المعادلات الديموغرافية على الأرض، كما جرى في كل من ديالى وتكريت عام 2015. وعلى الرغم من إصرار الولايات المتحدة أنها لن تدعم إلا قوات البشمركة الكردية وقوات الجيش العراقي التي تأتمر بأوامر رئيس الوزراء، العبادي، فإن التجارب السابقة أثبتت أن القرار الحقيقي بيد المليشيات التي تأتمر بأمر طهران. وقد أعلنت مليشيات الحشد الشعبي أنها لن تدخل الموصل، ولكن لا يمكن الرهان على ذلك.
وثمّة دافع آخر للقلق، يتمثل في الأطماع الجغرافية للسلطات في إقليم كردستان، والخوف من أن يؤدي انفلات الأوضاع في الموصل جرّاء الأجندات المتعارضة للقوات المشاركة في معركتها، إلى صراع إقليمي أوسع على أرض العراق، وتحديدًا بين تركيا، التي أعلنت أنها لن تقبل بأي تغيير ديموغرافي في الموصل، وإيران التي تسعى إلى بسط نفوذها على كامل العراق. ومن بين المناطق المتنازع عليها مدينة كركوك المقسمة بين العرب والأكراد. وقد تعهدت قوات البشمركة أيضًا عدم دخول الموصل. ولكن، لا توجد أي ضمانات في هذا الشأن.
وفي محاولةٍ لتحييد أي تصعيد طائفي محتمل، بعد استعادة الموصل، ضغطت الولايات المتحدة على العبادي للدفع بجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، المدرب أميركيًا، إلى الصفوف الأمامية في المعركة. وترى الولايات المتحدة أن جهاز مكافحة الإرهاب أكثر مهنيةً وأقلّ طائفيةً من
الوحدات الأمنية والعسكرية العراقية الأخرى، على أساس أنه يضم شيعة وسنة وأكرادًا في صفوفه، غير أن الطائفية ليست بعيدةً عن هذا الجهاز أيضًا، فكثير من عربات الهمفي العسكرية السوداء لهذا الجهاز دخلت مدينة برطلة، بعد معارك مع "داعش"، رافعةً لافتات طائفية، بدلًا من العلم العراقي.
ويعكف الأميركيون على دراسة مقترحاتٍ لحكم الموصل بعد استعادتها، ومن تلك المقترحات، إعادة حاكم محافظة نينوى السابق، نوفل العاكوب، إلى منصبه، على أن يحكمها جنبًا إلى جنب مع ممثلين عن العاصمة العراقية، بغداد، والعاصمة الفعلية للأكراد، أربيل. كما تدعو تلك المقترحات إلى تقسيم مدينة الموصل التي تقع ضمن نطاق محافظة نينوى إلى مقاطعاتٍ فرعيةٍ، يديرها رؤساء بلديات محلية. وثمة مقترحات أخرى تدعو إلى توفير قوة مكوّنة من 45000 رجل أمن وعناصر قبلية أخرى لتأمين المدينة، غير أن أيًا من هذه الخطط لما يقر بعد.
خاتمة
مع أن تحرير الموصل من سيطرة "داعش" يبدو محسومًا، على الرغم من تكاليفه الكبيرة والوقت الذي قد يستغرقه، بسبب الحشد الكبير والقوة النارية الهائلة التي وفرتها واشنطن للمعركة، فإن استعادة المدينة لن تعني نهاية المأساة؛ فالعراق يعاني تسلطًا طائفيًا، تمارسه قوى سياسية مدعومة من إيران، قد يمتد إلى مدينة الموصل، في حين يمضي إقليم كردستان في توسيع حدوده قبل جعل انفصاله عن العراق واقعًا. وأمام ذلك، يشعر العرب السنة، بمن فيهم الأكثرية التي لم تراهن على "داعش"، وكانت أول ضحية له، بمزيد من الغبن والتهميش في "العراق الجديد" الذي هشّمت الولايات المتحدة بناه الوطنية، ومزقت نسيجه الاجتماعي بعد الغزو. واللافت أن إدارة أوباما التي اعتبرت تسلط أحزاب الحكم الشيعي السبب الرئيس لصعود "داعش"، وأصرّت في أغسطس/ آب 2014 على استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، شرطاً لتقديم دعم عسكري لبغداد، على أساس أنه كان عنوان السياسات الطائفية في البلاد، تعود اليوم لتكرّر الأخطاء نفسها، بل أسوأ من ذلك، فهي تكرّر أخطاء إدارة الرئيس السابق، جورج بوش الابن، في العراق، حين غزت البلاد من دون وجود خطة لمرحلة ما بعد الغزو.
وقد بدأت الولايات المتحدة بتعزيز قواتها في العراق، استعدادًا لهذه المعركة منذ يوليو/ تموز الماضي، عبر إرسال مزيد من المعدات العسكرية والمستشارين العسكريين، وتجهيز القوات العراقية الحكومية وقوات البشمركة الكردية، غير أن استعادة المدينة، وطرد تنظيم الدولة منها، قد لا يكون الجزء الأصعب في العملية التي يشارك فيها عشرات الآلاف من الجنود؛ ذلك أن الأجندات المتعارضة لأعضاء التحالف في الحرب ضد التنظيم، وحساسية التركيبة الديموغرافية لمدينة الموصل، تنذر بحصول مشكلات كبرى، فالموصل مدينة ذات أغلبية عربية سنية مع وجود تاريخي للمسيحيين وأقليات شيعية وتركمانية ويزيدية فيها، وفي إقليم نينوى بشكل عام. وإضافة إلى القوات العراقية التي تشارك في المعركة، هناك قوى تعلن أن هويتها السياسية شيعية وكردية، وهو ما يثير مخاوف من إمكانية حدوث توتراتٍ طائفيةٍ وإثنيةٍ وتغييرات ديموغرافية في ثاني أكبر المدن العراقية في مرحلة ما بعد طرد التنظيم منها. ويربك هذا الأمر بشدة الخطط الأميركية لاستعادة المدينة، في ظل غياب أي ترتيباتٍ سياسيةٍ لمرحلة ما بعد استعادتها. أما القوى العربية السنية المشاركة في المعركة، فهي في أغلبيتها قوى محلية (الحشد الوطني) بدعم تركي.
لماذا الاندفاع نحو الموصل؟
يمكن إيجاز أهمية معركة الموصل بالنسبة إلى الولايات المتحدة في النقاط التالية:
• تعد الموصل آخر مدينة كبيرة تحت سيطرة "داعش" في العراق، وهي أكبر خمس مرات تقريبًا من حجم أي مدينة أخرى سيطر عليها التنظيم. ومن المتوقع أن تشهد واحدة من أكبر المعارك منذ الغزو الأميركي عام 2003. كما أن استعادة السيطرة على المدينة سيعني
• تأمل الولايات المتحدة أن تكون هزيمة التنظيم في الموصل مقدمةً لهزيمته في سورية. وقد دعا وزير الدفاع الأميركي، أشتون كارتر، إلى هجومٍ متزامن على مدينة الرقة في سورية، عاصمة "خلافة" التنظيم.
• تأمل إدارة أوباما من تحقيق انتصار حاسم في الموصل تعزيز صدقية إستراتيجيتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، القائمة على الحد من التورّط العسكري الأميركي المباشر، والاعتماد بدلًا من ذلك على تدريب قوات محلية وتسليحها، وتقديم دعم جوي ولوجستي واستشاري لها. ومن المعلوم أن هذه الإستراتيجية كانت قد تعرّضت لانتكاسة كبيرة عندما فرَّ عشرات الآلاف من القوات العراقية المدربة والمسلحة أميركيًا من أمام "داعش" في الموصل في يونيو/ حزيران 2014. وبدأ بعدها التنظيم بالزحف نحو بغداد نفسها، لولا تدخل الطيران الحربي الأميركي في أغسطس/ آب من العام نفسه.
الدور الأميركي في المعركة
تنفي الولايات المتحدة أن قواتها على الأرض تقوم بأي دور قتالي مباشر، وتصرّ على أن دورها استشاري. ووفقًا لوزارة الدفاع الأميركية، يوجد في العراق 5262 جنديًا أميركيًا، ولا يشمل هذا العدد نحو 1500 جندي بعقود عمل مؤقتة أو قصيرة الأجل. وتتمركز أغلبية تلك القوات في قواعد عسكرية في مدن، مثل بغداد وأربيل والتاجي والحبانية، كما يتمركز بضع مئاتٍ من الجنود الأميركيين في قاعدة عسكرية في حقل القيارة، جنوب الموصل. وتقوم تلك القوات بالتدريب، وتقديم المشورة للقوات الحكومية العراقية وقوات البشمركة الكردية. أما في معركة الموصل الحالية، فيعمل أكثر من 100 عنصر من قوات العمليات الخاصة الأميركية مع الوحدات العسكرية العراقية والكردية المقاتلة، ويصرّ المسؤولون العسكريون الأميركيون على أن تلك العناصر تعمل في الصفوف الخلفية، وليس الأمامية، وأن دورها يقتصر على تقديم المشورة، وتحديدًا في مجال دور "المراقبة الجوية".
وحسب خبراء عسكريين أميركيين، فإن وجود تلك العناصر في صفوف الوحدات العسكرية المقاتلة في الموصل ضروري جدًا، ذلك أنهم ينسّقون ويوجهون الضربات الجوية لطائرات التحالف الغربي، بشكلٍ يضمن ضربات جوية أكثر دقة للمواقع المستهدفة، بدل قصف منطقة معينة بشكل عام من دون تحديد. كما تقوم هذه القوات الأميركية المتقدّمة في مساعدة القوات العراقية والكردية على التخلص من الألغام التي زرعها التنظيم في الطرق والبلدات والقرى المحيطة في الموصل، لكن الأميركيين يقومون، مع ذلك، بدور مركزي في معركة استعادة الموصل، ويشمل ذلك:
1. الضربات الجوية: وجّهت الولايات المتحدة أكثر من 10,200 ضربة جوية ضد تنظيم الدولة في العراق منذ أغسطس/ آب 2014. وتستخدم الولايات المتحدة، في هذه المعركة، طائرات تشمل F-22، والقاذفات الإستراتيجية B-52. كما أنها تستخدم طائرات هليكوبتر من طراز أباتشي وطائرات الاستطلاع، وطائرات من دون طيار مزودة بالصواريخ.
2. الإسناد بسلاح المدفعية: أرسلت الولايات المتحدة مدافع هاوتزر متنقلة، فضلًا عن أنظمة صاروخية، يقوم بتشغيلها عناصر أميركيون يستهدفون من خلالها مواقع التنظيم.
مخاوف صراعات طائفية وإثنية
يقرّ المسؤولون الأميركيون أن المعضلة الأساسية التي تواجه معركة استعادة الموصل هي غياب خطة لليوم التالي للمعركة، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما حصل بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003. فعلى الرغم من أن الولايات المتحدة وحلفاءها حققوا انتصارًا سريعًا، حينها، فإنهم اصطدموا بالتعقيدات السياسية والطائفية التي لم يأخذوها بالجدّية المطلوبة قبل الغزو. كما أنه ترتب على قرار سلطات الاحتلال، في ذلك الوقت، حلّ الجيش العراقي، ومؤسسات الدولة الأخرى، ما أدى إلى دخول العراق في حالة فوضى عارمة. ولا يُخفي المسؤولون الأميركيون أن هذه المخاوف حاضرةٌ اليوم، ذلك أن الموصل مدينةٌ تتألف أغلبية سكانها من السنة العرب، مع وجود أقلياتٍ أخرى من مسيحيين وأكراد وتركمان وشيعة ويزيديين. ومع ذلك، يبرّر المسؤولون الأميركيون انطلاق معركة الموصل، من دون وجود خطة جاهزة لحكمها ما بعد استعادتها من تنظيم الدولة، بأن التجهيزات العسكرية والاستعدادات القتالية اكتملت، وبأن الجاهزية المعنوية لدى القوات العراقية والكردية والمليشيات الأخرى في أعلى درجاتها، ومن ثمّ، فإن تأخير المعركة قد يضرّ بهذا الزخم. ويضيف هؤلاء المسؤولون إنه يمكن ترك القضايا الكبرى، وأهمها كيفية حكم الموصل، إلى ما بعد المعركة.
ويأتي القلق، بشكل رئيس، من سلوك مليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، والتي سبق لها ارتكاب جرائم طائفية، شملت القتل والتدمير والتهجير، بهدف تغيير المعادلات الديموغرافية على الأرض، كما جرى في كل من ديالى وتكريت عام 2015. وعلى الرغم من إصرار الولايات المتحدة أنها لن تدعم إلا قوات البشمركة الكردية وقوات الجيش العراقي التي تأتمر بأوامر رئيس الوزراء، العبادي، فإن التجارب السابقة أثبتت أن القرار الحقيقي بيد المليشيات التي تأتمر بأمر طهران. وقد أعلنت مليشيات الحشد الشعبي أنها لن تدخل الموصل، ولكن لا يمكن الرهان على ذلك.
وثمّة دافع آخر للقلق، يتمثل في الأطماع الجغرافية للسلطات في إقليم كردستان، والخوف من أن يؤدي انفلات الأوضاع في الموصل جرّاء الأجندات المتعارضة للقوات المشاركة في معركتها، إلى صراع إقليمي أوسع على أرض العراق، وتحديدًا بين تركيا، التي أعلنت أنها لن تقبل بأي تغيير ديموغرافي في الموصل، وإيران التي تسعى إلى بسط نفوذها على كامل العراق. ومن بين المناطق المتنازع عليها مدينة كركوك المقسمة بين العرب والأكراد. وقد تعهدت قوات البشمركة أيضًا عدم دخول الموصل. ولكن، لا توجد أي ضمانات في هذا الشأن.
وفي محاولةٍ لتحييد أي تصعيد طائفي محتمل، بعد استعادة الموصل، ضغطت الولايات المتحدة على العبادي للدفع بجهاز مكافحة الإرهاب العراقي، المدرب أميركيًا، إلى الصفوف الأمامية في المعركة. وترى الولايات المتحدة أن جهاز مكافحة الإرهاب أكثر مهنيةً وأقلّ طائفيةً من
ويعكف الأميركيون على دراسة مقترحاتٍ لحكم الموصل بعد استعادتها، ومن تلك المقترحات، إعادة حاكم محافظة نينوى السابق، نوفل العاكوب، إلى منصبه، على أن يحكمها جنبًا إلى جنب مع ممثلين عن العاصمة العراقية، بغداد، والعاصمة الفعلية للأكراد، أربيل. كما تدعو تلك المقترحات إلى تقسيم مدينة الموصل التي تقع ضمن نطاق محافظة نينوى إلى مقاطعاتٍ فرعيةٍ، يديرها رؤساء بلديات محلية. وثمة مقترحات أخرى تدعو إلى توفير قوة مكوّنة من 45000 رجل أمن وعناصر قبلية أخرى لتأمين المدينة، غير أن أيًا من هذه الخطط لما يقر بعد.
خاتمة
مع أن تحرير الموصل من سيطرة "داعش" يبدو محسومًا، على الرغم من تكاليفه الكبيرة والوقت الذي قد يستغرقه، بسبب الحشد الكبير والقوة النارية الهائلة التي وفرتها واشنطن للمعركة، فإن استعادة المدينة لن تعني نهاية المأساة؛ فالعراق يعاني تسلطًا طائفيًا، تمارسه قوى سياسية مدعومة من إيران، قد يمتد إلى مدينة الموصل، في حين يمضي إقليم كردستان في توسيع حدوده قبل جعل انفصاله عن العراق واقعًا. وأمام ذلك، يشعر العرب السنة، بمن فيهم الأكثرية التي لم تراهن على "داعش"، وكانت أول ضحية له، بمزيد من الغبن والتهميش في "العراق الجديد" الذي هشّمت الولايات المتحدة بناه الوطنية، ومزقت نسيجه الاجتماعي بعد الغزو. واللافت أن إدارة أوباما التي اعتبرت تسلط أحزاب الحكم الشيعي السبب الرئيس لصعود "داعش"، وأصرّت في أغسطس/ آب 2014 على استقالة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، شرطاً لتقديم دعم عسكري لبغداد، على أساس أنه كان عنوان السياسات الطائفية في البلاد، تعود اليوم لتكرّر الأخطاء نفسها، بل أسوأ من ذلك، فهي تكرّر أخطاء إدارة الرئيس السابق، جورج بوش الابن، في العراق، حين غزت البلاد من دون وجود خطة لمرحلة ما بعد الغزو.