حزب الله ينقل "اتفاقات المصالحة" إلى الطفيل اللبنانية

11 مايو 2017
يُتوقع أن تتم عودة أهالي الطفيل اليوم الخميس(حسين بيضون)
+ الخط -
مرت ثلاث سنوات على مغادرة حوالي 3 الاف مواطن لبناني لبلدتهم، الطفيل، الواقعة عند الحدود اللبنانية السورية في محافظة بعلبك-الهرمل شرقي البلاد، نتيجة اتفاق سياسي بين الدولة اللبنانية الممثلة بوزير الداخلية نهاد المشنوق، وبين حزب الله مُمثلاً بمسؤول "وحدة التنسيق والارتباط" وفيق صفا. ظن اللبنانيون يومها (عام 2014) أن مشاركة صفا في اجتماع أمني رسمي في مقر وزارة الداخلية مخصص لبحث وضع سكان الطفيل هو أقصى درجات تخلي السلطة اللبنانية عن مسؤوليتها في حماية الحدود مع سورية أو عدم تعريض حياة مواطنيها للخطر. لكن الاتفاق الحالي على إعادة الأهالي إلى بلدتهم برعاية من حزب الله إلى جانب فعاليات سياسية ودينية محلية في البقاع، ومن دون أي دور رسمي يُشكل تراجعاً جديداً للدولة اللبنانية أمام الحزب المُنخرط في الأزمة السورية عسكرياً وسياسياً بصرف النظر عن الموقف الرسمي اللبناني.

مصالحة على الطريقة السورية
يستند مفتي بعلبك-الهرمل السابق، الشيخ بكر الرفاعي، إلى مبدأ الواقعية والحاجة الإنسانية لأهالي الطفيل، ليُعلن عن تحقيق "اتفاق إنساني" يسمح للأهالي بالعودة إلى بلدتهم التي غادروها مُرغمين قبل 3 سنوات. ويؤكد الرفاعي لـ"العربي الجديد" أن "التنسيق تم مع الطرف الأقوى على الأرض وهو حزب الله، ولكن مع كامل رغبتنا العميقة والصادقة بمشاركة الدولة اللبنانية ممثلة بوزارة الداخلية في تحقيق هذا الاتفاق"، وفق تعبيره. وساهم تحقيق اتفاقات "مصالحة" بين فصائل المعارضة والحزب في البلدات السورية المحاذية للطفيل، في تشجيع الأطراف اللبنانية على المبادرة وطلب عودة الأهالي برعاية الحزب.

وينص الاتفاق الذي أعلنه رئيس الهيئة الشرعية في حزب الله، الشيخ محمد يزبك، قبل يومين، على "عودة الأهالي إلى بلدتهم بعدما حررها الحزب من الإرهابيين وأصبحت آمنة". وتمنى يزبك خلال لقاء عُقد في قاعة أحد مساجد مدينة بعلبك بحضور بعض أهالي الطفيل والمفتي الرفاعي، أنْ "يعود أيضاً أهالي بلدة عرسال إلى بلدتهم والتخلص من الإرهابيين في جرود البلدة"، على حد قوله.
ويواصل الحزب التفاوض مع مرجعيات دينية تُمثل اللاجئين السوريين المُقيمين في عرسال بهدف إعادتهم إلى بلداتهم في منطقة القلمون السورية.


ويؤكد الرفاعي أن "الاتفاق يتضمن تعهداً من الحزب بمنع أي ملاحقة أمنية سورية لأي من شبان البلدة العائدين، وبمعالجة ذيول المشاكل الاجتماعية والثأرية بين الطفيل وبريتال بما يؤمن عودة كاملة للأهالي، وليس بالمعنى الأمني أو العسكري فقط". كما يأمل المفتي السابق أن يساهم تخصيص مبلغ مالي من قبل وزارة الأشغال العامة والنقل لتعبيد 10 كيلومترات من أصل 20 تفصل بلدة بريتال عن الطفيل، في تعزيز إقامة أهالي الطفيل وتسهيل حياتهم اليومية. ومن المتوقع أن يُسقط الاتفاق حق العودة لمئات المدنيين السوريين الذين كانوا يُقيمون في الطفيل حتى قبل انطلاق الثورة السورية.

ومع تسجيل كل هذه التطورات الميدانية، لم يبرز الوجود الرسمي اللبناني إلا من خلال تعليق وزير الداخلية نهاد المشنوق، على إعلان يزبك بـ"نفي أي تعاون مع أي حزب أو طرف أو جهة أمنية أو سياسية لعودة أهالي الطفيل إلى بلدتهم". ورفض المشنوق "تلقي أي تكليف من قبل أي جهة عبر المنابر"، متمنياً "عودة الأهالي إلى بلدتهم اليوم قبل الغد، شرط أن تتوافر لهم شروط العودة الآمنة".

ومع تحديد الشروط و"اتفاق المصالحة"، يُتوقع أن تتم عودة الأهالي اليوم الخميس بعد أن كانت قيادة الجيش اللبناني قد طلبت إلى الجهات المعنية بالاتفاق تأجيل التنفيذ لمدة يومين لحين استكمال التحضيرات اللوجستية اللازمة لتأمين عملية انتقال الأهالي من بلدات البقاع إلى الطفيل عبر الطريق غير المُعبدة التي توصل إلى البلدة. ويشير الرفاعي إلى أن التوقعات تشير إلى عودة حوالي 150 عائلة بشكل فوري إلى البلدة لاستئناف نشاطاتها الاجتماعية والاقتصادية وتفقد الممتلكات والمزروعات وقطعان الماشية، على أن تتبعها لاحقاً العائلات التي ارتبطت بمواعيد مدارس أبنائها أو أي التزامات أخرى.
صحيح أن هذه العودة تشكل نهاية لمأساة الأهالي التي استجدت قبل 3 سنوات، بيد أن كافة المعنيين غير مُتفائلين بتحقيق أي من المشاريع الإنمائية للبلدة المعزولة عن محيطها، وأهمها تعبيد الطريق الوحيد، وإنشاء شبكة اتصالات خلوية لبنانية في البلدة، وتعزيز الحضور الرسمي للدولة من خلال المرافق الصحية والاجتماعية والتربوية. كما ينتظر الأهالي حل أزمة المواليد مكتومي القيد الذين لم يتم تسجيلهم في دوائر النفوس خلال الأعوام الثلاثة الماضية نتيجة تبعثر الأهالي في بلدات البقاع. ويُقدر عدد المواليد بالمئات.

وتعود أزمة الطفيل إلى عام 2013 عندما أصبح الأهالي ضحية الموقع الجغرافي لبلدتهم الملاصقة لبلدات منطقة القلمون السورية، وهو ما أدى إلى تردد المسلحين السوريين من مُختلف الفصائل إليها في ظل غياب كامل لأجهزة الدولة الأمنية والعسكرية عنها وتعرضها لمُختلف أنواع القصف من قبل قوات النظام السوري. وتحولت البلدة في قراءة "حزب الله" العسكرية إلى شوكة في خاصرة خزانه الشعبي والعسكري في بلدات بعلبك المجاورة. وشكّل عزل البلدة عن المُسلحين السوريين أحد الأهداف العسكرية للحزب في منطقة القلمون، إلى جانب كون الطفيل معزولة إنمائياً واجتماعياً وحتى سياسياً عن كامل التراب اللبناني. ويقتصر الحضور الرسمي فيها على مدرسة للتعليم المتوسط ومختار واحد. وقد استقر الأمر بعد الاجتماع الشهير الذي حضره وفيق صفا في وزارة الداخلية، على نقل أهالي البلدة إلى خارجها بسبب "الوضع الأمني". وهكذا تم نقل حوالي 3000 مواطن لبناني من بلدتهم المعزولة أمنياً وسياسياً وطائفياً (بلدة سُنية ضمن محيطها ذات الأكثرية الشيعية) وإنمائياً، إلى خارجها. واستقرت بعض العائلات لدى أقاربها في مُختلف بلدات البقاع. وتحول أصحاب الأراضي الزراعية وقطعان الماشية إلى نازحين، لكنهم لم يتلقوا مساعدات مادية أو عينية من السلطات اللبنانية. وزاد من تعقيد الأزمة وجود خلافات شخصية متجذرة بين أهالي الطفيل وأهالي أقرب البلدات اللبنانية إليهم، بريتال. وفُقِد شاب من بريتال في الطفيل وقُتل آخر قبل 3 أعوام وبقيت أجواء الثأر والانتقام حاضرة في النفوس حتى اليوم.

ومع أهمية تحقيق عودة الأهالي إلى البلدة، فإن العملية تُعزز مبدأ تنازل الدولة عن سيادتها على الحدود مع سورية لصالح "حزب الله"، ليس عسكرياً وأمنيا وحسب، وإنما سياسياً واجتماعياً أيضاً. ومع نجاح الحزب في تحقيق هذا الاتفاق في بلدة الطفيل الصغيرة نسبياً، تتجه الأنظار باتجاه بلدة عرسال والاتفاق الذي يحاول الحزب رعايته لإعادة عشرات آلاف اللاجئين السوريين إلى بلداتهم في محاولة لفرض مفهومه الخاص لـ"المناطق الآمنة" بما يخدم مصالحه العسكرية على الحدود بين سورية ولبنان.



المساهمون