حزب "العدالة والتنمية" والجماعات الدينيّة: تبادل مصالح سياسيّة واقتصادية

06 يناير 2015
المتدينون هم المستفيد الأبرز من إصلاحات الحزب الحاكم(فرانس برس)
+ الخط -

لم يكن لنتائج الحرب التي شنّتها حكومة "العدالة والتنمية"، على "حركة الخدمة" بقيادة الداعية فتح الله غولن، أثرها فقط على مفاصل القوة ضمن هيكل الدولة التركيّة فحسب، بل أيضاً على المجموعات الإسلامية التي انقسمت بين الطرفين. 
وبدا الانقسام واضحاً عندما اجتمع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأكثر من 150 منظمة غير حكوميّة، تنتمي بغالبيتها إلى مجموعات دينيّة صوفيّة، لتعلن هذه المنظمات بعد الاجتماع، عبر الصحف الموالية للحكومة، دعمها الكامل لأردوغان في الحرب ضدّ حركة الخدمة

وكانت هذه المنظمات قد دعمت "العدالة والتنمية" في الانتخابات البلدية الأخيرة في شهر مارس/آذار الماضي، والانتخابات الرئاسية في شهر أغسطس/آب الماضي، وهي ذاتها التي يرجح أنّها ستدعم "العدالة والتنمية"، في الانتخابات البرلمانيّة المقرّرة في شهر يونيو/ حزيران المقبل، الامر الذي يعيد فتح تاريخ الجماعات الدينيّة في تركيا ودورها في الحياة السياسيّة مرّة أخرى.


وليست "حركة الخدمة"، الجماعة الإسلاميّة الوحيدة في تركيا، بل هناك العشرات من الجماعات التي تنتسب إلى مختلف الطرق الصوفيّة، وأكثرها انتشاراً أتباع الطريقة النقشبنديّة والقادريّة والتي كان لها دور كبير في دعم الطبقة الحاكمة، منذ نشأة الدولة السلجوقيّة ومن ثم السلطنة العثمانية.

وبعد إعلان الجمهورية عام 1923، عانت هذه الجماعات من حظر شامل فرضته "القوانين الثوريّة" أو "الإصلاحات" التي قام بها مؤسّس الجمهورية، مصطفى كمال أتاتورك، في إطار تحديث وعلمنة البلاد، والتي على الرغم من شدّتها، فشلت في القضاء على جذور هذه الجماعات بشكل نهائي. حتّى إن أكثر الجماعات الدينيّة شعبيةً الآن، مثل النوريين والسليمانيين، تأسّست خلال فترة حكم حزب الشعب الجمهوري العلماني، أما المجموعات الأقدم فقد استعادت الكثير من شعبيّتها ونفوذها، كجماعة المنزلجية وإسكندر باشا وإرينكوي وإسماعيل أغا، وذلك على الرغم من كل العراقيل التي وضعت في طريقها.

ويختلف موقف هذه الجماعات من السياسة، وعلى الرغم من إعلانها الرسمي بأنّها لا تتدخّل في السياسة، لكنّها كانت تساند بشكل واضح الأحزاب اليمينيّة المحافظة، متأمّلة أن تقدم هذه الأحزاب على توسعة الحريات الدينيّة وتسهيل انتشارها، مبتعدة بشكل واضح عن الحركات اليساريّة والاجتماعيّة الديمقراطيّة.
وبعد الانتقال إلى النظام التعدّدي في الأربعينيات، ساندت الحركات الدينيّة الحزب الديمقراطي، بزعامة رئيس الوزراء السابق عدنان مندريس. وفي السبعينيات، ظهر الإسلام السياسي في تركيا، من خلال مجموعة من الأحزاب السياسيّة، التي قادها رئيس الوزراء التركي الأسبق نجم الدين أربكان، والذي كان هو نفسه أحد أتباع الطرق الصوفيّة. وشهدت الثمانينيات، بعد الانقلاب العسكري "العصر الذهبي" للجماعات الدينيّة والطرق الصوفيّة في عهد رئيس الوزراء التركي توركت أوزال، المتعاطف مع الطريقة النقشبندية. وشنّ الأخير حملة كبيرة تحت شعار "حريّة التديّن وروح المبادرة"، منحت مساحات واسعة للجماعات الدينيّة، كوسيلة في إطار الحرب على التيّار اليساري، ممثلاً بحزب العمال الكردستاني.

وبما أنّ أردوغان ومعظم قيادات "العدالة والتنمية"، هم من المنشقين عن حركة "ميللي غروش"، أيّ الرؤية القوميّة، التي كان يقودها أربكان، فلهم بطبيعة الحال علاقات قوية مع الجماعات الدينيّة والصوفيّة، بل ويتمتعون بثقل كبير بين قيادات الرأي العام الإسلامي في تركيا، كالداعية أمين ساراج وخير الدين كارامان وعثمان نوري توبباش، حتى إنّ العديد من نواب "العدالة والتنمية" معروفون بانتمائهم إلى هذه الجماعات.

وتُعتبر الجماعات الدينية التي تعارض "العدالة والتنمية" قليلة جداً. وبالإضافة إلى جماعة الخدمة، هناك مجموعة أسيا الجديدة، إحدى الانشقاقات عن جماعة النورين التابعة لسعيد نورسي، والسليمانيون ومؤسّسة الفرقان، أما حيدر باش، وهو من مشايخ إحدى الطرق الصوفية، فله حزبه الخاص وهو حزب تركيا المستقلة، كما أنّ للإسلاميين الأكراد حزبهم، وهو حزب الدعوة الحرة.
وعلى الرغم من الإصلاحات الواسعة التي قادها حزب "العدالة والتنمية"، والتي كان المتدينون المستفيد الأول منها، مثل توسعة ثانويات "الإمام الخطيب" الدينيّة، ورفع الحظر عن ارتداء الحجاب في الجامعات والمؤسّسات الحكوميّة، ورفع سقف الحريّات الدينيّة، فإن ذلك ليس وحده السبب وراء مساندة هذه الجماعات لحكومة "العدالة والتنمية". ولا تشكّل هذه الجماعات طرقاً صوفية روحانية تعتمد على تبرعات أفرادها فحسب، بل لها ثقل اقتصادي كبير. ولكل جماعة تكتلاتها الاقتصادية المكوّنة من رجال الأعمال المنتسبين إليها، ولها أوقافها وشركاتها، حتّى إنّ بعضها يمتلك مؤسّسات كبيرة تدير نشاطات تجارية في مختلف القطاعات، كالبنوك ومساكن الطلبة الجامعيين ودور النشر ومراكز التسوّق.

ويشير بعض المحللين إلى أن عائدات النشاطات الاقتصاديّة لمنتسبي هذه الجماعات تُقدّر بعدة مليارات من الدولارات سنوياً، كما استثمرت هذه الجماعات ولسنوات طويلة، الكثير من الأموال في تعليم أبنائها الذين تحولوا إلى ثروة في الموارد البشريّة، يسعى حزب "العدالة والتنمية"، إلى جذبها للعمل في مؤسّسات الدولة. ويجعل كلّ ذلك الرابط بين الطرفين اقتصادياً ــ سياسياً، أكثر منه أيديولوجياً ــ دينياً، ولا علاقة له بنسبة أصوات تلك الجماعات، التي لا تشكل بحسب أكثر الإحصاءات تفاؤلاً، أكثر من 5 أو6 في المائة من الأصوات في عموم تركيا.