على نحو غير مألوف، شنّ الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي (السوداني)، علي الحاج محمد، هجوماً عنيفاً على حزب المؤتمر الوطني الحاكم، واتهمه بـ"التخريب"، واعتبره "أكبر مهدد للبلاد"، إضافة لكونه "حزباً فقير الكوادر والأفكار والأراء والمواقف". حدث ذلك على الرغم من أن حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه الأب الروحي للحركة الإسلامية حسن الترابي، ما زال مشاركاً في الحكومة، بثلاثة وزراء وله ممثلوه في المجلس الوطني (البرلمان)، إضافة لتمثيله في مؤسسة الرئاسة من خلال منصب مساعد رئيس الجمهورية، القيادي في الحزب، إبراهيم السنوسي.
ولم يكتفِ علي الحاج الذي انتُخب أميناً عاماً للحزب خلفاً للترابي في عام 2016، باتهام الحزب الحاكم بالتخريب وبتهديد البلاد، بل مضى أبعد من ذلك، ووضع حزب الرئيس عمر البشير، في مرتبة "العائق الأكبر" أمام السلام ووقف الحرب. وأضاف الحاج خلال مخاطبته أنصار حزبه، يوم الأربعاء الماضي، أن "الخطر على البلاد يأتي من المؤتمر الوطني وليس من المعارضة أو الحركات المتمردة والتي تحمل السلاح"، قبل الاسترسال واتهام جهاز الأمن والمؤتمر الوطني بـ"إنفاق أموال طائلة من أجل شقّ صفوف الحركات المتمردة". وهو إنفاق رآه أكبر مما يُنفق على جهود تحقيق السلام في البلاد.
وأكد الأمين العام للمؤتمر الشعبي المعلومات التي راجت في الأيام الماضية، عن شروط قدمتها دول خليجية للخرطوم مقابل تقديم منح مالية ونفطية لإنقاذ الاقتصاد السوداني من الإنهيار. وقال إن "قيادة البلاد تعرضت للتهديد من دول خليجية"، مشيراً إلى أن "تلك الدول المعنية اشترطت التخلي عن الإسلام السياسي حتى تقدم المساعدات المالية والبترول، غير أنه أين هو الإسلام الآن حتى يتم التخلي عنه"؟
ربما كان علي الحاج يدرك أن الكثيرين سيرفعون حواجب الدهشة من هجومه هذا، لأنه صادر عن حزب شريك في الحكومة وأحد عرّابي عملية الحوار الوطني التي انبثقت حكومة الوفاق الوطني من رحمها. حاول الرجل بقدر الإمكان تقديم مبرراته باكراً لهذا الموقف الجديد حينما قال: "لقد صمتنا في الفترة الماضية ليس خوفاً من القبضة الأمنية ولكن رغبة في الإصلاح ولكن لكل شيء حدود". ودلّت هذه العبارة على أن شهر العسل بين الحزبين بات مهدداً.
في عام 2014، طرح البشير مبادرة حوار وطني شامل لكل الأحزاب السياسية الحاكمة والمعارضة والجماعات المسلحة، فكان المؤتمر الشعبي أول المرحّبين بالفكرة والداعمين لها بل صُنّف الترابي بأنه "عرّابها". وأحدثت المبادرة تقارباً كبيراً، تصاعدت معه آمال الإسلاميين السودانيين في الوحدة والاتحاد في جسم واحد. وهو ما كان يخطط له الشيخ حسن الترابي، اعتقاداً منه بأن الجميع سيكون مستهدفاً في المستقبل، مستشهداً بما تعرض له الإخوان المسلمون في مصر بعد انقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013، وما تعرضت له حركات الإسلام السياسي في تونس وليبيا وغيرها، فتعذر السماح لها بالوصول للسلطة ولو عبر صناديق الاقتراع.
غير أن تدبير الترابي توقف في محطته بعد وفاته في مارس /آذار 2016 فخلفه الحاج الذي عمل في السابق وزيراً في حكومة البشير، ولم يحظَ بالإجماع الكافي داخل الحزب وبرزت أصوات عدة معارضة له، لا سيما بما يتعلق بالتقارب مع المؤتمر الوطني وافتقاده للكاريزما التي كان الترابي متمتعاً بها.
وأوضح الظافر أن "اجتماعاً حصل في الأيام الماضية بين البشير والأمين العام للمؤتمر الشعبي، يبدو أن نتائجه لم تكن إيجابية، لذا جاءت تصريحات علي الحاج الأخيرة في منتهى الحدة". واستبعد الظافر انسحاب المؤتمر الشعبي من الحكومة على الأقل في الوقت الراهن، واعتبر أن "الحاج أراد فقط إيصال رسالته للحزب الحاكم، فضلاً عن رغبته في السير على طريق سياسي بعيد عن الخط الحكومي سيما في ظل الأزمات الاقتصادية التي تواجه الحكومة والتي أدت إلى تدني شعبيتها في الآونة الأخيرة".
وحول توقعات رد فعل الحزب الحاكم تجاه هجوم الأمين العام للمؤتمر الشعبي، توقع الظافر "قيام المؤتمر الوطني بحملة اختراق للشعبي وشق صفوفه، خصوصاً أن الأخير له قابلية لذلك، في ظروف التباين الكبير في وجهات النظر داخله".
واستبعد عثمان، خروج المؤتمر الشعبي من الحكومة أو وقوفه ضد ترشيح البشير لأن "الحزب يتعامل مع مشاركته الحالية مثل تعامل الحركة الإسلامية أثناء مصالحتها مع الرئيس الأسبق جعفر نميري، ولم يكن لها دخل بخلافات رجال نميري داخل الاتحاد الاشتراكي (التنظيم السياسي في عهد نميري)".
في الوقت ذاته، انتقد ربيع عبد العاطي، الوجه الإعلامي داخل المؤتمر الوطني الحاكم، ما صدر عن الأمين العام للمؤتمر الشعبي، ذلك لأن "حزب علي الحاج جزء من الحكومة التي يقودها المؤتمر الوطني ويتحمّل أوزارها بمثل ما يتحمل كسبها"، مشيراً إلى أن "تلك السهام ترتد لعلي الحاج نفسه". وأضاف في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أن "مواقف المؤتمر الشعبي الأخيرة تفرض ضرورة إعادة النظر في الائتلاف الحكومي القائم المكون من أحزاب شتات".