حرّ... فشللٌ في مصر

القاهرة

العربي الجديد

لوغو العربي الجديد
العربي الجديد
موقع وصحيفة "العربي الجديد"
17 مايو 2016
+ الخط -

لليوم الثالث على التوالي، سُجّل أمس في مصالح حكومية عديدة في مصر تغيّب عدد كبير من الموظفين، بسبب الارتفاع الكبير في درجات الحرارة التي تضرب البلاد والتي تجاوزت 45 درجة مئوية في بعض المحافظات. وتشير التقديرات إلى أنّ نسبة الحضور كانت دون 50 في المائة في بعض المصالح، خصوصاً في الوزارات والهيئات الخدمية. وهو الأمر الذي أصاب المواطنين بالضيق، متهمين الموظفين بعدم المبالاة.

وكان مجمّع التحرير في وسط القاهرة شاهداً خلال الأيام الأخيرة على اختفاء عدد من الموظفين. وهذا المجمّع يضمّ أكثر من 15 مصلحة حكومية تشمل خدماتها المحافظات كافة، خصوصاً ما يتعلق بالمعاملات الخاصة بجوازات السفر. وتسبّب تغيّب الموظفين في تحمّل آخرين تبعة ذلك، وفي أغلب الأحيان ترحيل خدمات قاصدي المجمّع إلى وقت لاحق. وقد توجّه كثيرون من الموظفين إلى المواطنين بعبارة "فوت علينا بكره يا سيّد"، وهي الجملة الشهيرة في البرنامج الإذاعي "همسة عتاب" الذي كان يُبثّ في سابقاً.

وكما عمد عدد كبير من الموظفين إلى تقديم "إجازة عارضة" أو "إجازة اعتيادي" لتغطية عدم توجههم إلى أعمالهم قانوناً، كذلك فعل مسؤولون كثر. وهو ما أدّى إلى توقف مصالح كثيرة عن العمل، فيما اتّهم عدد من الموظفين الحكومة بعدم توفير الإمكانات اللازمة للمحافظة على راحتهم خلال فترة العمل، المراوح على أقل تقدير. إلى ذلك، اشترت موظفات مراوح على حسابهنّ أو حملن بعضها من بيوتهنّ، معللات ذلك بعدم قدرتهنّ على تحمّل الحرّ في مقرات عملهنّ. أمّا عمال اليومية خصوصاً في المعمار، فقد اختفى كثيرون منهم.

في السياق ذاته، سُجّلت في المستشفيات الحكومية مناوبة عدد أقلّ من الأطباء والممرضين، وأيضاً من الإداريين. وقد رفض استقبال حالات عديدة، على الرغم من أنّ بعضها إصابات بضربة شمس، فضلاً عن حالات إسهال وتقيؤ مرتبطة بالحرّ الشديد. بالتالي، فضّل مواطنون كثر التوجّه إلى الصيدليات، لا سيّما أنّ فواتير المستشفيات الاستثمارية باهظة.

إلى ذلك، خلت شوارع في القاهرة من المارة وتراجعت الحركة التجارية وخفّت حدّة الاختناقات المرورية، فيما انقطع التيار الكهربائي مرّات عديدة في مدن وقرى في المحافظات، نتيجة زيادة الأحمال وتشغيل أجهزة التبريد. أمّا تجارة ألواح الثلج، فشهدت إقبالاً كبيراً، خصوصاً من التجار وبائعي السمك. من جهتهم، راح بائعو الخضار يرشّون بضاعتهم بالمياه الباردة لمنع تلفها.

لم يسلم من تبعات ارتفاع درجات الحرارة التلاميذ والطلاب لا سيّما تلاميذ الشهادة الإعدادية وعدد من طلاب الجامعات الذين يخضعون للامتحانات، على الرغم من تزويد اللجان بالمراوح ومبرّدات المياه. وهو الأمر الذي أثّر سلباً على أدائهم.

وهرباً من القيظ، توجّه كثيرون إلى الشواطئ، خصوصاً أبناء المحافظات التي تطلّ على البحر الأحمر أو البحر الأبيض المتوسط، وكذلك أبناء المحافظات التي تطلّ على النيل.

للوقاية من آثار الارتفاع الكبير في درجات الحرارة، نصحت الهيئة العامة للأرصاد الجوية في البلاد السكان بتجنّب التعرّض لأشعة الشمس لفترات طويلة، وتجنّب الخروج في أوقات الذروة. وفي حال الخروج، لا بدّ من الحرص على المشي في الظلّ واعتمار القبعات. كذلك شدّدت على ضرورة شرب الماء والعصائر الطبيعية وتفادي المشروبات المنبهة أو تلك المحلاة، بالإضافة إلى تناول الوجبات كما المعتاد حفاظاً على الأملاح المعدنية في الجسم. أما بالنسبة إلى المسنين، فنصحتهم بالحرص على البقاء في الغرف الأكثر برودة في المنازل، مع إغلاق الستائر نهاراً وفتح النوافذ ليلاً، مؤكّدة على ضرورة التوجّه إلى الطبيب عند الشعور بأي أعراض غير طبيعية.




الزراعة تعاني أيضاً

من جهة أخرى، تسبّبت درجات الحرارة المرتفعة في تلف محاصيل زراعية كثيرة، الأمر الذي خلّف خسارة كبيرة لدى المزارعين، خصوصاً مزارعي الخضار والفاكهة. وهو ما أدّى إلى اختفاء أنواع كثيرة من الأسواق وارتفاع أسعار المتوفّر. ومن الخضار التي تأثرت بارتفاع درجة الحرارة، الطماطم والبطاطس والباذنجان والخس والفلفل والبقدونس والكوسا والخيار، فضلاً عن البطيخ والخوخ والتفاح والعنب والفراولة والموز والمانجو وغيرها من المحاصيل.

وعزت الحكومة المصرية ممثلة في وزارات التموين والزراعة والحكم المحلي أسباب ارتفاع أسعار الخضار التي أصبحت "نارية" في عدد من الأسواق، إلى تلف بعض المحاصيل نتيجة درجات الحرارة، فيما شكا المواطنون من ارتفاع الأسعار. وسادت حالة من السخط بين الفلاحين على مستوى الجمهورية، بعد فساد محاصيلهم الزراعية إما بتراجع الإنتاجية أو بالتلف.

يقول نائب نقيب الفلاحين في محافظة القليوبية وهي المحافظة التي تعدّ "سلة غذاء للقاهرة الكبرى"، جلال عزت، إنّ "بيوت الفلاحين اتخربت خلال الساعات الماضية، بسبب الحرّ الذي لم نر له مثيلاً. الشمس حرقت الزرع ولسعت الثمار، والعمال يرفضون النزول إلى الحقول خوفاً على صحتهم من أيّ ضربة شمس. بالتالي، انخفضت كميات المحاصيل وفسدت الخضار لأنّ الحرارة المرتفعة والشمس الحارقة لسعتاها. وفسادها أدّى بالتالي إلى ارتفاع أسعار المحاصيل".

ويلفت عزت إلى أنّ "المزارعين يرزحون تحت ديون، سواء لبنك التنمية الزراعي أو سلف من الأهالي والأقارب على حساب المحصول. ودمار المحصول سوف يكلّفهم خسائر كثيرة، نتيجة ما أنفقوه من مبيدات وبذور". ويطالب الدولة بـ "ضرورة الوقوف مع المزارع في أزمته، إذ هو أساس أي نهضة في البلاد وتعثّره سيكون وبالاً كبيراً على الدولة".

في سياق متصل، يقول أستاذ الاقتصاد الزراعي في جامعة عين شمس، الدكتور مدحت سيّد، إنّ "نسبة خسائر الخضار والفاكهة بسبب سوء التخزين في الموانئ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة، تجاوزت 60% وهي خسارة كبيرة على الجميع". ويشير إلى أنّ "ضعف البنية التحتية التسويقية هي السبب الرئيسي في تلف الخضار والفاكهة، إذ لا تتوفّر ثلاجات للتبريد والحفظ ولا وسائل نقل سريعة ولا معدات فرز وتعبئة جيدة". يضيف أنّ "ثمّة أزمة كبيرة أيضاً في معاملات ما بعد الحصاد"، محذّراً من "وجود سلع غذائية ضارة بالإنسان انتهت صلاحيتها بسبب ارتفاع الحرارة المتوقع استمرارها خلال الشهرَين المقبلَين". ويطالب سيّد الحكومةَ بـ "تكثيف مراقبتها للأسواق والمحلات التجارية والمطاعم، بهدف كشف مثل هذه الأغذية الفاسدة قبل وصولها إلى المواطن، إذ إنّ أمراضاً عديدة من تلك التي تظهر في الصيف تعود إلى أغذية غير مطابقة للمواصفات القياسية، خصوصاً منتجات اللحوم على أنواعها".

دلالات