03 يناير 2018
حرية التعبير... أنصتوا لشعوبكم
حرية التعبير والحصول على المعلومة أمر تكفله وترعاه كافة القوانين واللوائح والمواثيق الدولية، التعبير بشتى الوسائل والطرق المتاحة سواء بالكلمة المنطوقة أو المكتوبة، اللتين تمثلان ضلعي الإعلام المرئي والمسموع والمقروء ويكتمل مثلثه بالمتلقي.
وينص قانون منظمة اليونسكو على الآتي: (حرية التعبير حق أساسي من حقوق الإنسان تقوم عليه جميع الحريات المدنية، وتمثل حرية التعبير حقاً أساسياً من حقوق الإنسان تنص عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وتماشياً مع الحريات الأخرى الملازمة لها من حرية المعلومات وحرية الصحافة، فإن حرية التعبير تسهم في الحصول على سائر الحقوق. وتسلم المنظمة بأن حقوق الإنسان تنطبق بالوسائل الشبكية وغير الشبكية على السواء.) وترعى المواثيق لكل مواطن حق الانتفاع بالمعلومة وتداولها بشتى الوسائل وهذا من أقل ما يجب أن يتمتع به الإنسان ومن صميم حقوقة التي رعتها الأمم المتحدة.
لقد كان إهمال هذا الحق والتعدي عليه هو الدافع الأساسي في تفجير ثورات الربيع العربي، وكأن الشعوب كانت تردد مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مقولته المشهورة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً؟"، لقد كانت أغلب شعوب هذه الدول في رغد من العيش وأمن وسلام لكن كانت الأنظمة الحاكمة تستلب حريتهم وتُكمم أفواههم، فعندما هدرت الجماهير لم تشفع لها السنين السِّمان وﻻ العجاف، فكانوا يتمنون أن يأتي بعد ذلك عام فيه يغاث الناس فقالوا للحُكام: حريتنا لا تُشترى بالذهب، نعم إن الحرية توازيها مسؤولية اجتماعية، فحريتك تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين كما تُحرِّم الأعراف والتقاليد الاجتماعية إثارة التباغض والكراهية والعنف والحقد أو الإساءة إلى أي انسان أو اضطهاده على أساس العِرق أو الدين والاعتقاد أو اللون أو الجنس والقبيلة فالناس لآدم وآدم من تراب.
ونجد في تعاليم ديننا ما يحثنا على قول الحق ولو كان صعباً على النفوس وأن لا نخشى في الحق لومة لائم، وحذر من خشية الناس على حساب الحقيقة، وترك المجاهرة بالحق الخالد، لقوله صلى الله عليه وسلم لمن سأله أو طلب منه: "لا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قَالَ: "يَرَى أَمْرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ، ثُمَّ لَا يَقُولُ فِيهِ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِي كَذَا كذا وَكَذَا، فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاسِ، فَيَقُولُ: فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى، فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى" (رواه ابن ماجة).
وكان هذا المبدأ شائعاً ومكفولاً للجميع في صدر الإسلام، فلما بُويع سيدنا أبو بكر بالخلافة تكلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، الصدق أمانة، والكذب خيانة، والضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه إن شاء الله، والقوي فيكم ضعيف حتى آخذ الحق منه إن شاء الله". (رواه الدارقطني)، بل وبلغ الأمر أن تعترض امرأة على سيدنا عمر بن الخطاب عندما أراد تحديد المهور فقال قولته المشهورة "أصابت امرأة وأخطأ عمر". (تفسير ابن كثير).
ومن كل هذا تتجلى لنا عظمة الإسلام واحترامه واهتمامه العظيم بحرية التعبير والحوار المتحضر حتى بين الحاكم والمحكوم، وكيف أن هذا كان شائعاً بين أفراد المجتمع المسلم حتى ولو كان المعترض امرأة في عصر كلنا يعلم كيف كانت تُعامل المرأة فيه.
إن الديمقراطية ليست مجرد شعارات وادعاءات بل هي تطبيق ينعكس على الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، ويتنزل حتى يتنسم عبيقه الراعي في البادية والمسافر في الصحراء، وحرية التعبير تفتح أمام الجميع آفاق المعرفة والثقافة والعلوم.
ولا ننسى انه يتوجب على وسائل الإعلام المختلفة احترام قدسية هذا الحق وأن تقوم بأعباء دورها المنوط بها انطلاقاً من مبدأ المسؤولية الاجتماعية، فما أحوجنا اليوم إلى إعلام رسالي واعي منفتح على العالم لا ينساق وراء الشائعات وتلفيق التُهم وفض النسيج الاجتماعي بين الشعوب، إعلام يبني اللُحمة الوطنية ويقود الجماهير ويحضهم للخير وينزع الغل من الصدور.
اننا نرى بأم أعيننا اهتمام الدول الغربية بمواطنيها وكيف أنها تفتح قنوات التواصل بينها وبينهم، وكيف أن المسؤولين يتواصلون مع شعوبهم ويُمَلكونهم المعلومات عبر قنوات التواصل الاجتماعي، ونجد كذلك مراكز قياسات الرأي العام ودراسات صوت الشارع السياسي والرأي الشعبي، لم يجيء كل ذلك سدى إنما هو واجب تحتمه الضرورة والمسؤولية تجاه الجمهور.
انطلاقاً من كل هذا وجب على حكوماتنا العربية احترام حق شعوبها في حرية التعبير والرأي العام والإعلام، حرية لا تقهرها سياسة القمع والرقابة الأمنية وإحكام القبضة وتسليط السيوف على الرقاب، فإذا رعوا هذا الحق فسيرون نتائجه في وجوه الشعوب رضاً ومناصرةً وتمكيناً لعروشهم وسينعكس ذلك على الحياة الاجتماعية والاقتصادية وينهض بالإنتاج والتعليم والبحث العلمي والحفاظ على الثراث والثروة وكافة مناحي الحياة، ولكن إن أهملوا ذلك وتصدوا له فلحيذروا من غضبة الشعوب فإنها الطوفان.