بمناسبة حلول اليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي أقرته الأمم المتحدة واليونيسكو في الثالث من مايو/ أيار من كل عام، أصدرت منظمة فريدم هاوس الأميركية تقريرها السنوي حول حرية الصحافة في العالم، لتحتل تونس فيها المرتبة الأولى عربياً، والمركز الثالث والتسعين دولياً في حريّة الصحافة. وقد اعتبرت المنظمة بأن الصحافة في تونس حرّة جزئيّاً.
قد لا يعتبر هذا التقرير مهمّاً باعتباره صادراً عن منظمة أميركية، أو لأن الوطن العربي اليوم لا يحتاج لمثل هذه التقارير الوافدة من وراء البحار والتي تغفل في مجملها التقارير الوطنيّة لحريّة الصحافة، ولكن لم يكن هذا التقرير وغيره من التقارير إلاّ نتيجة طبيعيّة لنضالات شباب ومدوّنين وإعلاميين رفضوا التدجين ومحاولات القولبة التي تسعى لها لوبيات المال والنفوذ في تونس والتي نجحت إلى حدّ ما في لعب الدور التي كانت تلعبه أجهزة السلطة أيام دكتاتورية الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.
حريّة الصحافة في الدستور التونسي
ينص الفصل 31 من الدستور التونسي، الذي يكفل حرية التعبير، على "أن حرية الرأي والفكر والتعبير والإعلام والنشر مضمونة، ولا يمكن ممارسة رقابة مسبقة على هذه الحريات".
فصل في الدستور التونسي عملت عليه العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المعنيّة بالصحافة والإعلام إلى جانب منظمات حقوقية شاركت في جلسات استماع في المجلس الوطني التأسيسي الذي اطّلع على تجارب بلدان أخرى تعتبر سبّاقة في مجال حريّة الصحافة والإعلام.
كما سعى الدستور الجديد لإخراج تونس من بوتقة المفهوم القديم للإعلام الذي يتحول في ظل وجود وزارة الإعلام إلى نوع فج من الدعاية الرسمية التي تجاوزها الزمن، وذلك من خلال إنشاء الهيئة المستقلة للإعلام "وتمتيعها" بالاستقلالية المالية والإدارية واستقلالية أعضائها، وأوجب استشارتها في كافة النصوص القانونية التي تنظم الممارسة الإعلامية، وذلك بتخصيص الفصل 127 من الدستور لهيئة الاتصال السمعي البصري وهي تسهر على ضمان حرية التعبير والإعلام، وعلى ضمان إعلام تعددي نزيه. وقد قامت هذه الهيئة في شهر ابريل/ نيسان 2015 بإسناد رخص جديدة لمؤسسات إعلامية متنوّعة التوجّهات، ما أضاف عدداً هامّاً للرصيد الإعلامي التونسي والذي فاق 200 مؤسسة إعلامية بين إعلام مرئي ومسموع ومقروء.
لم تكن العلاقة بين الهيئة المستقلة للإعلام السمعي والبصري إلى وقت قريب جيّدة، باعتبار إخضاع الهيئة العديد من المؤسّسات الإعلامية لعقوبات مالية وتهديد بالغلق لأسباب إجرائية وقانونية، ما أثار حفيظة طيف واسع من نشطاء المجتمع المدني والمدوّنين الذين أطلقوا حملات مساندة لعدّة قنوات وإذاعات مهدّدة بالغلق أسندت لها رخص للبثّ بعد هذه التحركات، ومن بينها راديو حرية أف أم وراديو مساكن، فيما بقيت قناة الزيتونة الفضائية ضمن القنوات المهدّدة بالغلق.
هواجس وقلق على حريّة الصحافة في تونس
3مايو/ أيار من كل عام، هو يوم عيد حريّة الصحافة، تاريخ يأمل الصحافيون التونسيون أن يكون فعلاً محطة لتعزيز الحريات، وخاصة الشباب منهم، الذي يعاني أشكالاً أخرى من تقييد هذه الحريّة على أيدي أصحاب المؤسّسات الإعلامية التي تشتري أقلامهم الحرّة لتخوض بها معارك سياسيّة واقتصاديّة تحت عنوان حريّة الإعلام، في تجسيد جليّ لمقولة كلمة حق أريد بها باطل.
هواجس لا تنحصر في العلاقة بين الصحافي وصاحب المؤسسة فقط، وإنما تدعمها تقارير لمنظمات تونسية تُعنى بحرية الصحافة. فقد ندّدت نقابة الصحافيين التونسيين ومركز تونس لحرية الصحافة الذي رصد 24 اعتداءً على عاملين في المجال الإعلامي خلال أبريل 2015، لكن تبقى عزيمة الإعلاميين الشبان كبيرة من أجل تغيير نظرة السلطة والمجتمع لناقل الخبر وصاحب الرأي، وخاصّة من يدعم حقّهم في الحصول على المعلومة وفي إبلاغ أصواتهم وأصوات المحتجّين عليهم.
من جهة أخرى، يبحث الصحافي الشاب عن تحرّره من رقابة السلطة والمجتمع، ويجد نفسه خاضعاً لسلطة رئيس التحرير وصاحب المؤسّسة الإعلامية، ما يضطره للنضال مجدّداً من أجل حريّة رأي حقيقيّة تنبع من إدراكه لواقعه وإيمانه بقضايا مجتمعه بعيداً عن التوظيف.
(تونس)