حروب تعز تختصر المشهد اليمني: معارك داخلية وحصار حوثي

09 ابريل 2020
تحتضن تعز أطرافاً متعددة (أمير ديمرسي/ الأناضول)
+ الخط -
أعاد الهجوم الذي استهدف قسم النساء في السجن المركزي في تعز اليمنية، قبل أيام، وأودى بحياة عدد من النساء والأطفال، المدينة المحاصرة منذ 5 سنوات إلى واجهة المشهد السياسي والعسكري، خصوصاً مع تزايد المخاوف من اجتياح محتمل لجماعة الحوثيين، قد تعبّد له الطريق الصراعات الداخلية الطاغية على المعسكر المناهض للانقلاب الحوثي، وخصوصاً إذا ما وضعت الجماعة يدها على مأرب وما تبقّى من الجوف. كانت تعز، الواقعة جنوبي غرب اليمن، ملهمة للانتفاضة الشعبية في 2011، وللمقاومة الشعبية العفوية ضد الاجتياح الحوثي في 2015، لكن تجمُّد القتال وتوسع الهوة بين رفقاء السلاح، أصاب طموحاتها في مقتل، وجعل بنادقها تستسلم للبقاء منذ 5 سنوات تحت رحمة قذائف الحوثيين وحصارهم الضارب على كل منافذ المدينة الرئيسية. واكتفت تعز بعمليات التحرير التي دارت في أغسطس/ آب 2015، عندما تم دحر الحوثيين من مرتفعات مهمة شرقاً وجنوباً، وفتح منفذ بري جديد يربط المدينة بالعاصمة المؤقتة عدن بعد إغلاق المنافذ الرئيسة الثلاثة. ومنذ ذلك التاريخ، دخلت في مسلسل صراعات داخلية لم تنته حلقاته حتى اليوم.

مشهد معقّد
في كل المحافظات اليمنية التي لا تخضع لسيطرة مطلقة، يتقاسم طرفا الصراع الرئيسيان بعض المدن، إلا أن تعز باتت تجسّد تعقيدات المشهد اليمني بالكامل باحتضانها لأطراف النزاع الرئيسية والثانوية ووكلاء اللاعبين الإقليميين، بالإضافة إلى جماعات منفلتة غير مؤدلجة تُحركها المصلحة فقط. على الورق، تتقاسم الحكومة الشرعية والحوثيون مديريات تعز الـ23، لكن المناطق المحسوبة على أنها تحت سيطرة الموالين للرئيس عبدربه منصور هادي، باتت مشرذمة بين فصائل وأطراف تناهض كلها الانقلاب الحوثي، إلا أنها تتربص ببعضها أكثر من الخصم الرئيسي المتمثل في جماعة الحوثي.

ويستحوذ حزب "التجمع اليمني للإصلاح" (الإخوان المسلمين) على الرقعة الجغرافية الأهم في عاصمة المحافظة، ولكن تحت لافتة الجيش الوطني، فيما تسيطر جماعة أبو العباس السلفية الموالية للإمارات على مناطق في مديرية الكدحة وبعض قرى المعافر، ثم اللواء 35 مدرع الذي يتبع الجيش الوطني، فضلاً عن تلقيه دعماً محدوداً من الإمارات خلال السنوات الأخيرة، فيما تبسط قوات طارق صالح، نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، والمدعومة بشكل كلي من الإمارات، سيطرتها على مدينة المخا وكافة مديريات تعز الغربية المطلة على البحر الأحمر.

وإضافة إلى أطراف الصراع الحاضرة على الأرض، يبرز القيادي في المقاومة الشيخ حمود سعيد المخلافي، كواحد من اللاعبين الذين نفاهم التحالف السعودي من تعز، ليدعو بعدها الجنود اليمنيين في الحد الجنوبي للمملكة إلى العودة إلى اليمن، وتأسيس معسكر "يفرس" في جبل حبشي، الذي قد يساهم في تأجيج الصراع مع قوات طارق صالح واللواء 35 مدرع. أما حزب "المؤتمر" الذي اندثر في كل المحافظات منذ مقتل زعيمه صالح، فلا يزال له حضور كطرف ولو ثانوياً في تعز، إذ يمتلك وكيل المحافظة عارف جامل جماعات مسلحة منضوية تحت لواء المقاومة، وهذا ما يزيد من توجس "الإصلاح" خشية تنسيق محتمل مع طارق صالح الذين يجمعهم نفس التيار السياسي والعداء المشترك للتيار الإسلامي.

ومع اتهام جماعة أبو العباس واللواء 35 مدرع وقوات طارق صالح، لحزب "الإصلاح"، بالاستحواذ على القرار العسكري والسياسي داخل مدينة تعز والتحكّم في هرم المؤسسة الأمنية، وتوسع الهوة التي وصلت إلى اشتباك مسلح داخل المدينة وأريافها الجنوبية في العامين الماضيين، شعر الحوثيون بالاسترخاء الكامل طيلة السنوات الماضية، وباستثناء قذائف يمطرون بها أحياء المدينة، كما حصل في السجن المركزي عصر الأحد الماضي، ظلت تعز جبهة ثانوية بالنسبة للجماعة منذ صيف 2015.


وخلافاً للهجوم الدامي على السجن المركزي الذي اعتبره مراقبون يحمل أهدافاً سياسية أكثر منها عسكرية للحوثيين الذين نفوا أن يكونوا استهدفوه، شهدت تعز في الأيام الأخيرة، فتح جبهة جديدة للصراع الداخلي، بعد اتهامات أطلقها محافظ تعز الأسبق علي المعمري، لقوات طارق صالح بالقيام بعملية تغيير ديمغرافي في الحجرية والمخا، والسعي لخلق صراع مع حزب "الإصلاح" داخل المدينة، وذلك بدعم إماراتي، وهو الصراع الجانبي الذي يستفيد منه الحوثيون، وفقاً لمراقبين.

واعتبرت السياسية اليمنية، عضو لجنة صياغة الدستور، ألفت الدبعي، أن الحوثي يبرع في اللعب على وتر صراعات المكوّنات المناهضة لمشروعه، والتي باتت أحد أسباب استمراره في حصار تعز، لافتة إلى أن الجماعة ومن خلال استثمارها في أخطاء الشرعية وفي صراعات مكوّناتها، تجد مادة للإعلام والتسريبات لتبرير مواقفها المتصلبة تجاه حصار تعز.
وقالت الدبعي، وهي أستاذة علم اجتماع في جامعة تعز، لـ"العربي الجديد": "كان الصراع الأخير الذي تمت إثارته حول طارق صالح، وما يمارسه في المخا من محاولة لتغيير الخارطة السكانية، فرصة للحوثيين ليشعلوا مزيداً من الصراع، خصوصاً أنهم نفوا تسبّبهم بقصف السجن الذي هو بالأساس هدف دائم لقذائفهم بسبب قربه من مقر عسكري للقوات الحكومية، ليطلقوا بعدها تسريبات تقول إن عناصر أمنية تعمل مع نجل شقيق صالح، تسللت إلى مواقعهم وقامت بالهجوم على السجينات، بهدف تأجيج الصراعات بشكل أكبر".

وأضافت: "صحيح أن طارق صالح يعمل في المخا ضمن استراتيجية إماراتية كانت تهدف لفصل الساحل كمحافظة أو إقليم مستقل، ولكن إضعاف مثل هذه التوجّهات يأتي عن طريق مزيد من التقارب بين جميع المكوّنات السياسية، وتقوية موقف السلطة المحلية وتمكينها من إدارة محافظة تعز بما فيها مديريات الساحل، وإذا تمت إعاقة السلطة المحلية من ممارسة مهامها من قبل طارق صالح أو غيره ينبغي أن يكون التصعيد هنا وليس الذهاب إلى مجال آخر".

ويبرز محور تعز العسكري كطرف مؤجج للصراعات الداخلية بين صفوف القوى المناهضة للحوثيين والانجرار إلى معارك هامشية، ويُتهم حزب "الإصلاح" باختطاف القرار العسكري في المحافظة، عبر رجله القوي، العميد عبده فرحان المخلافي، المعيّن مستشاراً لقائد المحور اللواء خالد فاضل. وقالت مصادر لـ"العربي الجديد" إن القيادات العسكرية التابعة لحزب "الإصلاح" لم تعد تخشى الحوثي، بقدر ما يؤرقها تقدّم قوات طارق صالح إلى الحجرية والالتحام مع كتائب أبو العباس السلفية، وساعتها سيتكرر سيناريو ما حصل من انقلاب مدعوم إماراتياً في عدن في أغسطس/ آب الماضي.

ووفقاً للسياسية اليمنية ألفت الدبعي، فإنه من المهم "أن يكون هناك في تعز قائد محور مهني مستقل، يأتي للعمل على هيكلة الجيش وربط قوات طارق صالح مباشرة بمحور تعز"، لافتة إلى أن هذا لا يمكن أن يتم إلا بتعيين نائب جديد لرئيس الجمهورية متوافق عليه بين جميع المكوّنات المناهضة لمشروع الحوثي، بدلاً من الفريق علي محسن الأحمر. وأشارت إلى أنه "من المهم أن تظل الاستراتيجية المعتمدة بين جميع المكوّنات المناهضة لمشروع الحوثي، هي الذهاب إلى مزيد من عوامل بناء الثقة وفتح حوارات محلية لإنتاج حلول لكل المشكلات، لا مزيداً من إنتاج الصراعات التي تخدم الحوثيين فقط".

أزمة تراكمية
ورأى الكاتب والمحلل السياسي، مصطفى ناجي، أن الأزمة الحالية في تعز هي أزمة تراكمية تنشط أكثر كلما توقّف مشروع استعادة المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، لافتاً إلى أن الطاقة التي جُيّش لها أفراد وحدثت تعبئة للموارد لم تُوظف بالشكل الذي حشدت لأجله، ولا بد من إفراغ هذه الطاقة التي تتحوّل إلى صراعات داخلية.

وقال ناجي في تصريحات لـ"العربي الجديد": "كان بالإمكان التخفيف من عبء هذا الصراع لو كان هناك ارتباط مباشر بالقيادات العليا للدولة، وكان بإمكانها حل المشاكل، إما باستبدال القادة أو إصلاح الخلل، لكنها تركت تعز تعالج أمورها بنفسها، وبالتالي المنتصر هو من سيحكّم، بدلاً من توجيه الطاقات نحو الخطر الوجودي والأكبر المتمثل بالحوثي". وأضاف: "الانقسام الداخلي هو الخطر الأكبر، لأن الوضع مرشح للانفجار في أي لحظة، هناك تراشق بالتهم بشكل فاجر واتهام بالعمالة بشكل مبتذل، وتحشيد إعلامي كبير جداً... تعز معمل نشط للصراعات الإقليمية وخصوصاً الخليجية ـ الخليجية والذي ينعكس عليها بشكل سلبي، لأن لديها قابلية لتقبّل الدعاية وإعادة توظيفها".

وفي ما يخص الاتهامات لطارق صالح بالتغيير الديمغرافي في تعز، رأى ناجي أن "هذا الحديث في غير محله، وعبارة عن سفه سياسي ولا مبرر له، خصوصاً أن أبناء تعز ينتشرون في كل اليمن"، لافتاً إلى أنه "يمكن الحديث عن الرجل على أنه خصم تاريخي لتعز ودعم الحوثيين في مرحلة مبكرة، أو جنوده ربما لديهم حضور غير قانوني في الاستيلاء على أراضي المخا".

ويتخوّف مراقبون من أن يكون اغتيال قائد اللواء 35 مدرع، عدنان الحمادي، قبل فترة، هو أحد محفزات طارق صالح في دخول الحجرية أو تعز بشكل عام، باعتباره "قد أصبح الوحيد القادر على التصدي لحماقات الآخرين". ويزداد تخوف حزب "الإصلاح" من تسهيل بعض الأطراف، وخصوصاً "التنظيم الناصري"، تلك المهمة لقوات طارق صالح، خصوصاً أن تراشقاً إعلامياً واسعاً اندلع بين الحزبين خلال الأشهر الماضية، وساهم في تسميم الجو العام في تعز، وحرف مسار الصراع عن هدفه الرئيسي مع الحوثيين إلى قضايا ثانوية.