تجمع المدينة العتيقة في تونس العاصمة بين الماضي العريق والحاضر المتجدّد، ففيها المشهد الشعبي والشّرقي العتيق بما تعرضه دكاكينها من منتوجات وصناعات شعبية تقليدية. وفيها إلى جانب ذلك الطابع الغربي، خاصة في أحيائها التي أنشئت خلال أوائل القرن العشرين على غرار بعض المدن الداخلية الفرنسية، الأمر الذي جعل لوسط العاصمة التونسية بريقا خاصا، لاسيما خلال الفترة الحالية، نظرا للطقس المعتدل الربيعي الذي تتميز به المدينة في هذه الأيام مقارنة بالعديد من مدن البحر المتوسط الأخرى.
حين تتنقل بين محلات الحرفيين تلحظ ذلك الرونق وتلك المسحة الفنية التي تتميز بها مختلف صناعاتهم، فتشم رائحة الجلد في أحد الدكاكين التي تعرض حقائب نسائية جمعت بين أصالة المدينة وحداثة العصر بزخرفات بربرية.
التّاجر معز الكوكي جلس أمام محلهّ يجيل بصره بين صفحات الجريدة ليطالع الأخبار اليومية، حين تقترب منه يقف مستبشرا، يدعوك للدخول إلى محله الذي إن دخلته تشعر وكأنّك قد عدت إلى القرن التاسع عشر، بما يزخر به من صناعات تقليدية ذات طابع مغاربي، فجلّ منتوجاته المعروضة ذات زخرفات تحمل معالم أثرية لتونس والمغرب والجزائر، تلك المعالم التي ميزت شمال إفريقيا. يسألك عن حاجتك، حين تخبره أنك صحافي يقدم لك كرسيا للجلوس ليفرغ ما في جعبته من حديث وتوصيات لأطراف قد تخرج العشرات من الحرفيين هناك من مأزق الركود الذي شهدته حرفهم بعد الثورة. يخبرك أنّ التاجر بات اليوم يعمل دون أن يربح سوى دخل بسيط من بعض المشترين التونسيين بعد أن غاب السائح. يواصل حديثه لقد فقدنا الأمل في نجاح الموسم السياحي، فقد كان دخلي في الأسبوع قبل الثورة يتراوح بين 300 و400 دينار تونسي (الدولار يساوي 1.6 دينار تقريبا) إلا أنه بات اليوم لا يتجاوز الـ 20 دينارا.
ويقدر عدد المشتغلين في الصناعات التقليدية حسب إحصاءات وزارة السياحة التونسية حوالى 350 ألف حرفي، أي ما يعادل 11 في المئة من اليد العاملة. ويساهم بنسبة 4 بالمئة من الناتج الداخلي الخام.
هذه النسب وإن دلت فهي تدل على المساهمة الهامّة لهؤلاء الحرفيين في قطاع السياحة، باعتباره ركيزة أساسية للاقتصاد التونسي، لاسيما أنه المصدر الأول للعملة الصعبة. وهم اختاروا العمل في قطاع حسّاس شديد التأثر بالاعتصامات والاحتجاجات والأزمات السياسية التي أثرت على الوجهة التونسية لدى السياح الأجانب، الأمر الذي أدى إلى غلق محلات بعض الصناعات.
وبدأت الأوضاع الاجتماعية للعائلات التي تقتات من هذه الحرف تتفاقم، وبدأ صبرها ينفد من قلة الحلول وتواصل الأزمة التي باتت تؤثر على دخلها المعيشي، وأصبحت متاجر الحرفيين شبه خالية من السيّاح بعد الثورة التونسية، ولا يتوقع العاملون في القطاع تحسنا أو انتعاشا في الأشهر القليلة المقبلة، رغم أن غالبيتهم توقعوا أن تمثّل الثّورة عامل نجاح وازدهار للسياحة، لكن عكس ذلك هو ما حصل، حسب قول إبراهيم الونزرفي، الذي لم يكن أكثر تفاؤلا من غيره.
مشيرا إلى أنّ موسم السياحة خلال الصيف الماضي، شهد فشلا تاما، لأن غياب الاستقرار حول وجهة السياح إلى المغرب وتركيا، لكن في المقابل لم يخفِ إبراهيم تفاؤله بنجاح الموسم السياحي هذه السنة.
ننتقل إلى أحد الدكاكين في ذلك الرواق، فتسمع نقر مسمار على طبق نحاسي يخط عليه فتحي
الحجام بعض الخطوط العربية والزخرفات وصور لأعرق المدن التونسية، كسيدي بوسعيد وميناء حلق الواد أو بعض الواحات الجنوبية بتونس، يحدثنا فتحي عكس الذين قابلناهم بكل تفاؤل عن نجاح الموسم السياحي في تونس رغم كل المحاولات، فهو يؤكد ثقته في الجهاز الأمني في تونس الذي نجح في التصدي للإرهاب، بدليل أنّ تونس أُنقذت في أكثر من مرة من عمليات تفجيرية، إلى جانب تفاؤله بقرارات وزيرة السياحة آمال كربول التي وعدت بترويج السياحة التونسية في أغلب الأسواق الأوروبية، وقالت إن من المنتظر أن تستقبل تونس خلال 2014 حوالى سبعة ملايين سائح من مختلف الجنسيات.
وزارة السّياحة أعلنت من جهتها تكثيف عمليات مراقبة الاستيراد، للتصدي للمنتوجات المقلّدة والحد من انعكاساتها على النهوض بالمنتوجات التقليدية التونسية، إضافة إلى تعدد المعارض والتظاهرات الداخلية، لاسيما التي ينظمها الديوان الوطني للصناعات التقليدية، وانتهاج خطة ترويجية خاصة في السوق الجزائرية، لإعادة استقطاب السيّاح الجزائريين إلى تونس، الذين كانت تبلغ أعدادهم حوالى مليون سائح سنويا، يرفدون الخزينة بما يقارب 400 إلى 600 مليون دينار.
على صعيد آخر، بيّنت وزيرة السّياحة أنّ نسبة توافد السيّاح الألمان إلى تونس قد ارتفعت خلال الأشهر الأولى لسنة 2014 بنسبة 20 في المئة.
في المقابل مازالت نسبة السّياح الفرنسيين دون المأمول، خاصّة أنّه مازال يتملّكهم الخوف من الأوضاع الأمنية، فضلا عن مرور الدّولة الفرنسية بوضع اقتصادي صعب.
وقد دعت وزيرة السياحة آمال كربول، ورئيسة الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية وداد بوشماوي، إلى ضرورة إدراج الصناعات التقليدية في بلادنا ضمن القطاعات التي تتبع وزارة السياحة.
أملا في دعم القيمة المضافة لأنشطة الصناعات التقليدية، التي كثيرا ما تجد رواجا تجاريا إذا ما اقترنت بالأنشطة السياحية.