01 نوفمبر 2024
حرب نقاط
لا بد أن حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، وخصوصاً السعودية والإمارات وإسرائيل، ينظرون بقلق بالغ إلى المستجد على ساحة مواجهة إيران، والتراجع الأميركي عن توجيه ضربة عسكرية إلى الجمهورية الإسلامية رداً على إسقاط الطائرة من دون طيار قبل أيام. المشكلة لم تعد فقط في إلغاء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الضربة قبل عشر دقائق من حدوثها، بل في ما أتبعه ترامب في مقابلته مع شبكة إن بي سي عن استعداده للحوار مع إيران "من دون أي شروط مسبقة"، والجلوس شخصياً مع المرشد الإيراني علي خامنئي أو الرئيس حسن روحاني. ويمثل هذا الموقف تحولاً كبيراً في الموقف الأميركي من طهران، والذي كان يضع مجموعة من الشروط قبل الموافقة على الجلوس إلى طاولة الحوار، وهو ما كانت ترفضه إيران بشكل دائم، وهو أيضاً ما جدّدت رفضه بعد تصريحات ترامب الأخيرة.
باتت إيران ترى نفسها الآن في موقفٍ قوي جداً، سياسياً وعسكرياً، إذ تمكنت من تسجيل نقطة في شباك الخصم، ولم تتلق أي رد فعل بعدها، بل على العكس، ها هي تستقبل المبعوثين الدوليين الذين يحاولون تنفيس الاحتقان القائم في منطقة الخليج، وتفادي تدحرج الأمور إلى مواجهةٍ عسكريةٍ شاملة، هذا إضافة إلى رسائل الانفتاح الأميركي الجديدة. ولا شك أن إيران ستسعى إلى استغلال المعطيات الجديدة لمحاولة المساومة على كسر طوق العقوبات الخانق، والذي بدأ يُنذر بانفجار شعبي في الداخل، كانت محاولة احتوائه واحداً من أهداف إسقاط الطائرة الأميركية. إذ كانت طهران تتوقع رداً أميركياً محدوداً في داخل البلاد، واستهداف مواقع للحرس الثوري، الأمر الذي من شأنه تجديد الالتفاف الشعبي حول النظام، غير أن هذا لم يحصل، ليس لأن ترامب قرأ الغاية الإيرانية، ولا لأنه خشي سقوط 150 قتيلاً، على حد قوله، بل لأنه ليس مستعدّاً لمغامرةٍ من شأنها إشعال المنطقة بأسرها، واستنزاف أميركا اقتصادياً، خصوصاً أنه على أبواب انتخابات رئاسية جديدة، سيكون الاقتصاد أهم ركائزها.
إضافة إلى ذلك، فإن حساب تداعيات أي ضربة مباشرة لإيران، وليس لمواقع لها في سورية على سبيل المثال، وهو ما يحدث بشكل دائم، من شأنه أن يوسع رقعة المواجهة بشكل كبير، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمّله وحدها، عسكرياً وسياسياً، لذا فإن أي تحرك مثل هذا يستدعي تحالفاً واسعاً من الدول الغربية، وليس فقط إسرائيل وبعض الدول التي حضرت مؤتمر وارسو قبل أشهر. وهو أمرٌ غير متاح في الوقت الحالي، ولا يبدو أنه سيكون متاحاً أبداً، خصوصاً أن الدول الأوروبية لا تشارك ترامب النظرة نفسها إلى إيران، ولم تكن موافقة في الأساس على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، والذي تراه الدول الأوروبية خير وسيلةٍ لمحاولة احتواء إيران، وإعادة إدماجها في المجتمع الدولي، على الرغم من أن الأشهر اللاحقة لإبرام الاتفاق لم تثبت ذلك.
خيار الولايات المتحدة البديل، وهو ما لجأ إليه ترامب مباشرة بعد إلغاء الضربة العسكرية، هو تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، وتضييق الخناق أكثر على الداخل الإيراني والدول المتعاملة مع طهران، ورفع الاستثناءات التي كانت تمنح لهذه الدولة أو تلك لاعتبارات خاصة. عقوبات يريد منها ترامب تسجيل نقطة لصالحه، وحفظ ماء الوجه الأميركي بعد خسارة طائرة التجسس، والذي مثّل ضربة للتفوق العسكري الأميركي، وتأكيداً لقدرة الردع الإيرانية.
يوماً بعد يوم، ستتراجع درجة التوتر في الخليج، وتعود إلى سقف التصعيد المضبوط غير المؤدي إلى حرب، غير أن معطياته ستكون متغيرة، سيما في ما يخص حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والذين لا شك باتوا مقتنعين أن رهانهم على ترامب لمواجهة إيران كان خاسراً.
باتت إيران ترى نفسها الآن في موقفٍ قوي جداً، سياسياً وعسكرياً، إذ تمكنت من تسجيل نقطة في شباك الخصم، ولم تتلق أي رد فعل بعدها، بل على العكس، ها هي تستقبل المبعوثين الدوليين الذين يحاولون تنفيس الاحتقان القائم في منطقة الخليج، وتفادي تدحرج الأمور إلى مواجهةٍ عسكريةٍ شاملة، هذا إضافة إلى رسائل الانفتاح الأميركي الجديدة. ولا شك أن إيران ستسعى إلى استغلال المعطيات الجديدة لمحاولة المساومة على كسر طوق العقوبات الخانق، والذي بدأ يُنذر بانفجار شعبي في الداخل، كانت محاولة احتوائه واحداً من أهداف إسقاط الطائرة الأميركية. إذ كانت طهران تتوقع رداً أميركياً محدوداً في داخل البلاد، واستهداف مواقع للحرس الثوري، الأمر الذي من شأنه تجديد الالتفاف الشعبي حول النظام، غير أن هذا لم يحصل، ليس لأن ترامب قرأ الغاية الإيرانية، ولا لأنه خشي سقوط 150 قتيلاً، على حد قوله، بل لأنه ليس مستعدّاً لمغامرةٍ من شأنها إشعال المنطقة بأسرها، واستنزاف أميركا اقتصادياً، خصوصاً أنه على أبواب انتخابات رئاسية جديدة، سيكون الاقتصاد أهم ركائزها.
إضافة إلى ذلك، فإن حساب تداعيات أي ضربة مباشرة لإيران، وليس لمواقع لها في سورية على سبيل المثال، وهو ما يحدث بشكل دائم، من شأنه أن يوسع رقعة المواجهة بشكل كبير، وهو ما لا تستطيع الولايات المتحدة أن تتحمّله وحدها، عسكرياً وسياسياً، لذا فإن أي تحرك مثل هذا يستدعي تحالفاً واسعاً من الدول الغربية، وليس فقط إسرائيل وبعض الدول التي حضرت مؤتمر وارسو قبل أشهر. وهو أمرٌ غير متاح في الوقت الحالي، ولا يبدو أنه سيكون متاحاً أبداً، خصوصاً أن الدول الأوروبية لا تشارك ترامب النظرة نفسها إلى إيران، ولم تكن موافقة في الأساس على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، والذي تراه الدول الأوروبية خير وسيلةٍ لمحاولة احتواء إيران، وإعادة إدماجها في المجتمع الدولي، على الرغم من أن الأشهر اللاحقة لإبرام الاتفاق لم تثبت ذلك.
خيار الولايات المتحدة البديل، وهو ما لجأ إليه ترامب مباشرة بعد إلغاء الضربة العسكرية، هو تشديد العقوبات الاقتصادية على إيران، وتضييق الخناق أكثر على الداخل الإيراني والدول المتعاملة مع طهران، ورفع الاستثناءات التي كانت تمنح لهذه الدولة أو تلك لاعتبارات خاصة. عقوبات يريد منها ترامب تسجيل نقطة لصالحه، وحفظ ماء الوجه الأميركي بعد خسارة طائرة التجسس، والذي مثّل ضربة للتفوق العسكري الأميركي، وتأكيداً لقدرة الردع الإيرانية.
يوماً بعد يوم، ستتراجع درجة التوتر في الخليج، وتعود إلى سقف التصعيد المضبوط غير المؤدي إلى حرب، غير أن معطياته ستكون متغيرة، سيما في ما يخص حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة، والذين لا شك باتوا مقتنعين أن رهانهم على ترامب لمواجهة إيران كان خاسراً.