حرب صهيونية على يهود أميركا؟
لا يعني تراجع احتلال موضوع مخطط بنيامين نتنياهو، ضم مناطق من الضفة الغربية المحتلة إلى "السيادة الإسرائيلية" صدارة عناوين وسائل الإعلام، أن المخطط سيمسي جزءًا من الأرشيف، بقدر ما يشير هذا إلى تواضع التداول بشأن مراد نتنياهو، ريثما يتم تذليل العقبات التي تقف في طريق تنفيذه، عاجلًا أم آجلًا، وهي بالأساس عقبات داخلية إسرائيلية وأميركية.
ولدى متابعة ما يرد في ثنايا تحليلات يكتبها ناطقون بلسان اليمين الإسرائيلي، لا يبقى أدنى مجال للشك في أن مقاربة الضم لا تنفكّ هي الطاغية على أجندة هذا اليمين، إلى درجة تصعيد الهجوم الحادّ الذي شنته على كل من يعارضها أو حتى يتحفظ منها، وإنْ لأسبابٍ لا تتعلق بتحقيق العدالة في فلسطين، بمن في ذلك مرشح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأميركية، جو بايدن، واليهود في الولايات المتحدة، سيما المؤيدين للحزب الديمقراطي والمنضوين تحت تيار اليهودية الإصلاحية.
أحد هذه التحليلات عنونه الكاتب بـ"جو بايدن خطر على دولة إسرائيل"، وأشير فيه إلى أنه في حال انتخاب هذا الأخير، الذي حذّر الحكومة الإسرائيلية من مغبة ضم أراض محتلة منذ 1967، رئيسًا للولايات المتحدة في انتخابات نوفمبر/ تشرين الأول المقبل، سيكون معاديًا لإسرائيل أكثر مما كان الرئيس السابق، باراك أوباما، وسيعني ذلك برأيه نهاية العلاقات الحميمة مع الولايات المتحدة، إلى أن يعود الجمهوريون إلى سدّة الرئاسة في المستقبل.
غير أن الهجوم الأشد قسوةً، من طرف اليمين الإسرائيلي، هو الذي يتم شنّه على يهود الولايات المتحدة، سواء من مؤيدي الحزب الديمقراطي، أو من أتباع التيار الإصلاحي المتضاد مع التيار الأرثوذكسي. ولا يكتفي بعض المهاجمين بوقائع من الحاضر ارتباطًا بالتجربة التي مرّت في أثناء فترة ولاية أوباما، وما تلاها خلال ولاية دونالد ترامب، بل يعود إلى جذور مواقف اليهود، أنصار الحزب الديمقراطي، حيال دولة الاحتلال، كما عبّر عنها مثلًا العالم اليهودي، ألبرت أينشتاين، الذي، على الرغم من كونه صهيونيًا، ناهض نزعات العسكرة، ورفض اقتراحًا عرضه عليه رئيس الحكومة الإسرائيلية، ديفيد بن غوريون، عام 1952 بأن يتولى منصب رئيس الدولة الثاني، بعد وفاة الرئيس الأول حاييم وايزمان. ومع أن أينشتاين سوّغ رفضه هذا بحجة أنه يريد أن يخصّص كل وقته وجهده للبحث العلميّ، فإن هؤلاء المهاجمين أعادوا سبب رفضه إلى تحفظّه من استخدام القوة العسكرية. ووفقًا لهم، كان أينشتاين مدركًا أن إسرائيل أنشأت جيشًا قويًا ومن المتوقع أن تخوض حروبًا كثيرة، ولم يكن مستعدًا للوقوف على رأس دولةٍ كهذه تقدّس القوة وتسجد لها.
وبخصوص تيار اليهودية الإصلاحية يُحاجّ اليمين الإسرائيلي بأن هناك عودة آخذة بالاتساع داخل صفوفه إلى العقيدة الرئيسة التي وقفت في صلبه، وأعلنها إبّان مؤتمره التأسيسي الذي عُقد في ألمانيا في أواسط القرن التاسع عشر، ومؤدّاها أن اليهود لم يعودوا شعبًا ذا صلة بـ"وطنه التاريخيّ" في "أرض إسرائيل" (فلسطين).
في هذا الشأن تذكر عدة تحليلات، في هذا الشأن، أن تنصّل عدد من زعماء هذا التيّار، الذي يعتبر نافذًا في صفوف الجاليات اليهودية في الولايات المتحدة، من أن اليهود شعبًا، لم يضعف بعد وقوع الهولوكوست وبعد إقامة إسرائيل، وانعكس ببريق كبير في عام 1960 عندما أعلن بن غوريون يوم 23 مايو/ أيار القبض على أدولف أيخمان، المتهم بارتكاب جرائم نازية، وجلبه إلى إسرائيل لمحاكمته بشبهة "قتل الشعب اليهودي"؛ إذ سارع زعماء تيار اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة إلى شجب هذه الفعلة. وقال أحدهم، جوزيف بروسكاور، عضو اللجنة اليهودية الأميركية، إن إسرائيل لم تكن تمتلك الحق للعمل باسم الشعب اليهودي. ووصف الحاخام ألمر بيرغر، من المجلس اليهودي - الأميركي المناهض للصهيونية، عملية اختطاف أيخمان بأنها "إعلان حرب صهيونية على يهود الولايات المتحدة".
قصدت من هذا العرض تقديم نموذج عن كيف يتم إسقاط رغبات مؤيدي الضم بدولة الاحتلال على معارضيهم، لمجرّد تحفظهم من الضم، لا على أساس مناهضة الصهيونية أغلب الأحيان.