حرب شوارع في مصر

09 اغسطس 2017
هدوء بعد العاصفة (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -
لا يمرّ يوم من دون أن يتداول المصريون على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية المختلفة، أنباء حول شجارات عنيفة بين مواطنين قد يُصنّف بعضها بحرب الشوارع. وتسيطر على الشارع المصري حالة من العنف في التعامل اليومي بين المواطنين، باتت تهرق الدماء وسط غياب أيّ دور واضح لأجهزة الدولة.

وتنتشر حوادث العنف والشجارات العنيفة في المناطق الشعبية، في حين ينفّذ المواطنون أحكاماً استباقية. ولعلّ آخر تلك الوقائع ما شهدته قرية ميت أبو علي التابعة إلى مركز الزقازيق في محافظة الشرقية، عندما اشتعل شجار بين عائلتَين أسفر عن إصابة تسعة أشخاص، من بينهم أفراد أصيبوا بجروح خطيرة. فقد استخدم الرجال والنساء على حدّ سواء العصي والأسلحة البيضاء والحجارة في "المعركة" التي نشبت إثر بناء أحدهم سلالم في منزله متجاهلاً رغبة جاره. فاستدعى كلّ واحد من الطرفَين أقاربه لحسم النزاع بالقوة.

محافظة الجيزة كانت شاهدة كذلك على واحدة من تلك الوقائع، بعدما نشب شجار بين عائلتَين في منطقة أرض اللواء شارك فيه العشرات من كلا الجانبين، فاستُخدِمت الأسلحة البيضاء وزجاجات المولوتوف الحارقة. وقد بدأ ذلك بين مجموعة من الشباب بسبب خلاف حول ثمن كلب، في حين كانت قوات الأمن وأجهزة الدولة المعنية غائبة كلياً.

نوع آخر من العنف الشعبي سجّلته محافظة الشرقية عبر تنفيذ الأهالي أحكاماً فورية. ففي قرية أرض علوان التابعة لمركز بلبيس في محافظة الشرقية، عمد مواطنون إلى ربط امرأة وتعليقها على أحد أعمدة الكهرباء، بعد اتهامها بمحاولة اختطاف أحد الأطفال من أمام منزله، بحسب رواية هؤلاء. وراحوا يضربونها بعنف ويصوّرونها ويبثّون ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي.

إلى ذلك، في يوليو/تموز من العام الماضي، شهدت محافظة الفيوم واقعة مؤسفة عندما جرّد عدد من الأهالي زوج ابنتهم من ملابسه، وأجبروه على ارتداء ملابس داخلية نسائية وزفّوه في شوارع قرية الخواجات التابعة لمركز يوسف الصديق، بدعوى نشره صوراً لابنتهم بملابسها الداخلية على مواقع التواصل الاجتماعي. فأحدث ذلك ضجّة كبيرة قبل أن تردّ عائلة الزوج باختطاف أحد كبار عائلة الزوجة وتكرار الأمر نفسه معه. وكادت الأمور تتطوّر إلى حوادث عنف واسعة لولا تدخّل مجموعة من المحكّمين العرفيين وكبار العائلات في المحافظة.

يقول أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الأميركية في القاهرة، الدكتور سعيد صادق، لـ "العربي الجديد" إنّ "المواطنين في مصر باتوا يلجأون إلى تطبيق القانون بأيديهم بعيداً عن مؤسسات الدولة". ويعيد "السبب الأساسي لتلك الظاهرة، إلى تراخي أجهزة الأمن وغياب الدولة وعدم ثقة المواطنين في إجراءات التقاضي وبطئها". يضيف صادق أنّ "طغيان فكرة الأمن السياسي وتركيز الدولة على تأمين النظام ساهما في تراجع الأمن الجنائي بصورة كبيرة"، مشدداً على ضرورة أن "يستفيق المسؤولون في الدولة". ويتابع أنّ "وضع الأمن في مصر في حاجة إلى ثورة تتعلّق بمفاهيم الأمن المجتمعي، وإلى تطبيق القوانين بطريقة عادلة ومن دون تحيّز لفئة اجتماعية دون أخرى".

في السياق، يقول أستاذ في الإعلام في جامعة القاهرة لـ"العربي الجديد" إنّ "للأمر علاقة مباشرة بنوعية المواد الإعلامية التي تُبَثّ للمجتمع المصري، من مسلسلات وأفلام تحمل مشاهد دموية وتكرّس صورة الخارج عن القانون باعتباره بطلاً شعبياً". ويشدّد، وقد فضّل عدم الكشف عن هويّته، على أنّ "الانفلات الإعلامي وانتشار مشاهد العنف والدماء والمخدّرات والأسلحة البيضاء في كل الأعمال الفنية، يهددان المجتمع المصري بصورة كبيرة ويضربانه في أساسه". كما يحمّل "الدولة ممثلة بوزارة الثقافة ومجالس الإعلام الجديدة، دوراً كبيراً، لا سيّما التركيز أكثر على آفات المجتمع الحقيقية بدلاً من منع أعمال ذات أبعاد سياسية لا ترضى عنها السلطة، واقتطاع مشاهد تحمل إشارات معارضة سياسية".

بطء في إجراءات التقاضي
يرى الخبير القانوني والعميد السابق لكلية الحقوق التابعة لجامعة القاهرة، الدكتور محمود كبيش، أنّ "البطء الذي يُسجَّل في إجراءات التقاضي يُعَدّ واحداً من الأسباب الرئيسية لانتشار ظاهرة الشجارات العنيفة في الشوارع المصرية". ويوضح كبيش أنّ من شأن ذلك أن "يدفع بالناس إلى الإحباط وكذلك إلى التسرّع في إصدار الأحكام وتنفيذها بصورة فورية وعاجلة".


المساهمون