في الوقت الذي يؤكد فيه مراقبون مغاربة استبعاد نشوب حرب في الصحراء بين القوات المسلحة للمملكة وعناصر جبهة البوليساريو، بعد سنوات من تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في العام 1991، فإن المؤشرات على الأرض توحي بغير ذلك. وتشير العديد من المعطيات إلى استنفار في الجيش المغربي، خصوصاً جنود الاحتياط والعساكر الذين سبق لهم أن شاركوا في حرب الصحراء، والضباط المتقاعدين، إذ تم تسجيل أسمائهم ومعطيات وبيانات سكنهم استعداداً لأي طارئ. وفي الجهة المقابلة، ما زالت جبهة البوليساريو تتواجد في منطقة الكركرات الصحراوية في الحدود المتاخمة لموريتانيا، رغم انسحاب القوات المغربية من المنطقة، بعد طلب الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، من المغرب والبوليساريو الانسحاب من المنطقة العازلة، لضمان استمرار وقف إطلاق النار.
وأظهرت أشرطة فيديو تواجد عناصر البوليساريو، التي تطالب بانفصال الصحراء عن سيادة المملكة، في منطقة الكركرات بعد انسحاب الطرف المغربي، مما يثير مخاوف البعض من نشوب احتكاك عسكري قد يفضي إلى "حرب" بين الطرفين، يخرق اتفاق وقف إطلاق النار. وفي سياق التوتر القائم بين المغرب وجبهة البوليساريو، منذ أغسطس/آب الماضي، طفت العديد من التحليلات حول الحالة التي ستؤول إليها المنطقة. وذهب البعض إلى أن المنطقة على حافة الحرب، وأن المغرب يستعد لاستعمال القوة ضد البوليساريو. وزادت هذه التحليلات بعد الاتصال الهاتفي الذي أجراه الملك المغربي، محمد السادس مع غوتيريس. واستنتج كثر أن هذا الاتصال كان بمناسبة تحذير من المغرب بأنه يستعد للدخول في مواجهة عسكرية ضد الجبهة، وأن المغرب استعمل هذا الاتصال لتبرئة ذمته في حال وجد نفسه مضطراً لاستعمال القوة.
شبح الحرب بعيد
لكن المستشار الدبلوماسي والخبير في ملف الصحراء، الدكتور سمير بنيس، له رأي آخر، إذ يقول إن المعطيات الموضوعية للملف تفيد بأن المغرب لن يستعمل القوة ضد البوليساريو، وأن حل هذه القضية لن يكون إلا من خلال التفاوض. ويشرح بنيس، في حديث مع "العربي الجديد"، أنه بخلاف البوليساريو، التي ليس لديها أي شيء تخسره إذا خاضت الحرب، فإن سيناريو نشوب حرب قد تكون له نتائج وخيمة على المغرب، وتعصف بكل الجهود التي قام بها للحفاظ على وحدة أراضيه، كما ستعصف بكل الجهود التي قام بها خلال السنوات القليلة الماضية لتقوية موقفه وإضعاف موقف البوليساريو. ويتحدث بنيس عن عدد من العوامل التي تجعل خيار الحرب غير وارد، منها أن المغرب ملتزم بالقرارات الأممية، وبقرار وقف إطلاق النار لعام 1991، وكل خطوة باتجاه استعمال القوة ضد البوليساريو ستكون لها نتائج لا تحمد عقباها بالنسبة له.
ويعتبر الخبير أن النزاع سيأخذ بعداً عالمياً، ويحظى بتغطية إعلامية واسعة ليست في مصلحة المملكة. كما أن المغرب سيظهر بصفة المعتدي على البوليساريو، وهو ما قد يجعله عرضة لعقوبات من طرف مجلس الأمن، بالإضافة إلى الإدانة الدولية الواسعة التي قد يتعرض لها. عامل آخر، بحسب بنيس، يتمثل في أن سيناريو الحرب سيهدي البوليساريو وحلفائها فرصة ذهبية للضغط على الأمم المتحدة لإجبار المغرب على تبني مقاربة جديدة، قد تصب في مصلحة الجبهة وتقوي حظوظها بتحقيق هدفها، وهو تنظيم استفتاء لتقرير المصير. ولفت إلى أن "البوليساريو والجزائر تمنيان النفس بأن يرتكب المغرب حماقة من قبيل استعمال القوة ضدها لإخراج بعض أعضائها من منطقة الكركرات"، مضيفاً "من شبه المستحيل أن يقوم المغرب بضرب كل المكتسبات الدبلوماسية التي حققها أخيراً، والاختراق الدبلوماسي الذي حققه في أفريقيا، عرض الحائط". عامل ثالث لا يقوي فرضية نشوب حرب بين المغرب والبوليساريو، وفق بنيس، هو أن التوتر القائم بين الطرفين يدور حول المنطقة العازلة، وليس على الأقاليم الصحراوية التي توجد تحت سيادة المغرب، وبالتالي، يتعين وضع الأمور في سياقها وعدم تضخيمها. وخلص المستشار الدبلوماسي إلى أن الأهم بالنسبة إلى المغرب هو الحفاظ على سلامة أراضيه، وسيكون من السذاجة القول إنه سيستعمل القوة ضد البوليساريو بسبب التوتر القائم حول منطقة عازلة لا ينوي الاستيلاء عليها، بل يسعى فقط للحفاظ على وضعها القائم قبل أغسطس/آب الماضي، والقضاء على كل مظاهر التهريب في تلك المنطقة.
تفسيرات تصعيد البوليساريو
ومن جهته، يورد الدكتور في جامعة مراكش، محمد الزهراوي، في حديث مع "العربي الجديد"، اعتبارات أخرى تبعد شبح الحرب في الوقت الراهن، أهمها التعقيدات الإقليمية والدولية التي لا تسمح بقيام حرب في المنطقة، لا سيما مع استحضار الوضع في ليبيا وجنوب الساحل والصحراء، وما نتج عنهما من مخاطر باتت تهدد أمن ومصالح القوى الكبرى، بفعل انتشار الحركات الجهادية المتطرفة. ويشير الزهراوي إلى ثلاث خلفيات ومحددات رئيسية تفسر تبني جبهة البوليساريو هذه "اللغة التصعيدية والتهديدية"، وسعيها الدائم إلى جر المغرب إلى مواجهة عسكرية ليست في مصلحتها، بفعل التباين الواضح بين الطرفين، على مستوى العتاد العسكري والجاهزية القتالية. التفسير الأول، يتمثل في الدعاية الداخلية و"امتصاص الغضب الشعبي"، فتهديد جبهة البوليساريو، من وقت إلى آخر، بحمل السلاح ضد المغرب، يعتبر مجرد محاولة للتنفيس وامتصاص الاحتقان الموجود داخل المخيمات، وصرف الأنظار عن المشاكل الداخلية التي باتت الجبهة تعيشها، وقمع المعارضين وكل الأصوات المتمردة على السياسة المتبعة من طرف القيادة الحالية.
أما التفسير الثاني، يضيف الزهراوي، فيتجلى في الهروب إلى الأمام، ومحاولة المناورة والضغط، إذ تلجأ جبهة البوليساريو، عندما تشعر بالحصار، ويشتد الخناق عليها دولياً وإقليمياً، إلى التهديد بالحرب كخيار تكتيكي للضغط على المغرب والمجتمع الدولي. هذه المناورة، وفق تعبير الخبير السياسي، تعتبر بمثابة "بالون اختبار" تطلقها جبهة البوليساريو لجس النبض، ومعرفة ردة فعل المغرب والقوى الغربية المؤثرة في صناعة القرارات الاستراتيجية والمصيرية في العالم. وثالث التفسيرات، يضيف الزهراوي، محاولة استدراج المغرب للمواجهة مع الجزائر، إذ إنه رغم عدم قدرة البوليساريو على خوض حرب مباشرة مع المغرب، بالإضافة إلى عدم استقلالية قراراتها عن الجزائر، فإن الاستفزازات المتكررة غايتها استدراج المغرب وجره إلى مواجهة مباشرة مع الجزائر، سواء بهدف تصدير الأزمة الداخلية في الجزائر، أو بهدف ضرب الصورة والتشويش على المغرب دولياً وإقليمياً، والنيل من استقراره ومساره التنموي.