فاجأ رئيس الحكومة التونسية، يوسف الشاهد، أغلب المتابعين في تونس بإعلانه الحرب على مدير حزب نداء تونس، حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الباجي قائد السبسي. ولئن كان الصراع بين الرجلين معلوماً منذ فترة، وظاهراً للعموم، خصوصاً من جانب السبسي الابن، فإن تصريح الشاهد بذلك، في كلمة رسمية للتونسيين على التلفزيون الوطني الرسمي، أثار الاستغراب، إذ خرج رئيس الحكومة عن تحفظه الذي يفرضه منصبه وفتح النار على خصمه، متهماً إياه بتدمير الحزب بمعيّة المحيطين به.
وبقطع النظر عن الشكل في هذا الموقف الجديد الصادم للشاهد، إذ نوَّه بالأب الباجي قائد السبسي واصفاً إياه بالحكيم وبالرئيس المؤسس، وهاجم الابن في المقابل، فإن اللافت في هذا الخطاب هو ما يحمله من رسائل سياسية، صريحة ومخفية، قد تؤشر إلى مستقبل الرجل بشكل واضح في المستقبل. واعتبر الشاهد أن السبسي الابن ومن معه دمروا حزب نداء تونس وقادوه إلى خيبات انتخابية متتالية، آخرها في البلديات، وتراجع الحزب إلى المرتبة الثانية، ثم فقدت كتلته النيابية أغلبيتها في البرلمان لصالح حركة النهضة وانسحبت منه قيادات عديدة وتفكك الحزب بسبب إدارة السبسي الابن. واللافت أن هذا الجزء المتعلق بالمستقبل شكّل نصف الخطاب تقريباً (من الدقيقة 6.45 إلى الدقيقة الأخيرة 11.30)، وذكّر فيه الشاهد بانتمائه للحزب، داعياً إلى مسيرة تصحيحية داخله وتغيير أوضاعه، أي بوضوح انقلاب على السبسي الابن وإعادة بناء الحزب، إذ لا ترضى أغلبية "الندائيين" في الجهات والمركز عن طريقة التسيير غير الديمقراطية، بحسب الشاهد. وشدد الشاهد على أنه من حق هذه الأغلبية أن تطمح لأن يكون لها حزب قوي يؤدي دوره في توحيد الصف الديمقراطي، لأن ضعف نداء تونس يضعف التوازن السياسي في البلاد ويهدد المسار الديمقراطي.
وقد يكون هذا الكلام إلى هنا معقولاً في سياق نقدي عام، لكن الشاهد لمّح بكثير من الوضوح إلى أنه شخصياً صاحب مشروع، لكنه أكد أنه ليس مشروعاً شخصياً وإنما هو مشروع وطني، داعياً، من سماهم بأصحاب العزائم الصادقة والنواب ومحاربي الفساد والمواطنين الذين التقاهم في الجهات، إلى توحيد الصفوف، مشيراً إلى أنه إذا كان هناك من له أجندة خاصة في العام 2019 فهو على العكس صاحب أجندة وطنية. وتشير كل هذه المعطيات إلى أن الشاهد بصدد التموضع جدياً للمرحلة المقبلة، غير أنه على عكس ما توقعه البعض سابقاً بأنه يفكر في تأسيس حزب جديد، يريد أن يستعيد زمام حزبه الأصلي نداء تونس، الذي لم يسقط برغم كل المآخذ التي ذكرها الشاهد وذكرها كثيرون قبله، وبقي منافساً لحركة النهضة، ويبقى منافساً جدياً لها، ووحيداً ربما، بحكم امتلاكه لماكينة انتخابية حقيقية، وعمق شعبي تراجع نسبياً لكنه لا يزال موجوداً. وإذا ما شهد الحزب حركة تصحيحية واستعاد الغاضبين منه والمنسلخين عنه، فقد تعود له عافيته ويستعيد موقعه.
لكن يبدو أن الشاهد يطمح لأكثر من ذلك، إذ أشار إلى توحيد العائلة الديمقراطية، وهو شعار عاد بقوة على ألسنة كثيرين بعد فوز "النهضة" بالانتخابات البلدية، واستعداداً لموقعة الانتخابات الرئاسية في العام 2019 ويبدو أن الشاهد يطمح لأن يلعب هذا الدور. ويتضح أن الشاهد قد أعلن عن نواياه الحقيقية، وتحول من مرحلة الرجل الصامت، الذي اتسع صدره لهجمات معارضيه، وأبرزهم السبسي الابن، إلى مرحلة الهجوم والإعلان عن أفكاره للمرحلة المقبلة. بقي أن أسئلة كثيرة بقيت معلقة وتنتظر أن تجيب عنها الأيام المقبلة، فهل ستنفع مثلاً سياسة شق الصفوف التي اعتمدها الشاهد بين الأب وابنه اولاً، وثانياً بين "الندائيين" من داعمي حافظ ومعارضيه؟ وأيضاً في المشهد السياسي عموماً والمنظمات والأحزاب التي تطالب برحيله؟ والأهم هل سيقبل السبسي الأب بإهانة ابنه بهذا الشكل العلني والقوي، وهل سمح، أو سيسمح، للشاهد بإخراجه من الباب الصغير؟ وأخيراً كيف سيكون رد حافظ قائد السبسي وأنصاره على هذه اللكمة السياسية القوية وهذا المنعرج الخطير في حرب الأجنحة داخل "النداء"؟ مسألة لافتة أخرى لا يمكن أن تسقط من كل هذه الحسابات، وتتعلق بحركة النهضة. فالشاهد عبّر عن طموحاته في الاستحقاقات المقبلة، وهو يرغب بتوحيد العائلة الديمقراطية وراء مشروع وصفه بالوطني، بينما كانت الحركة تتوقع أن يعلن عن عدم ترشحه للانتخابات المقبلة، كشرط واضح لمواصلة دعمه بينما تخلى عنه الجميع. فهل ستراجع موقفها منه وترفع يدها هي الأخرى عن الشاهد؟ ومن يدري فقد يقرب الشاهد مرة أخرى بين "النهضة" و"نداء" السبسي الابن، الذي تخلى الجميع عنه في هذه المرحلة.