فبشكل مفاجئ وإثر وصول رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج إلى طرابلس قادما من القاهرة، أعلن الأمين العام لحلف شمال الأطلسي يانس ستولتبرغ أنه تلقى أمس الأربعاء طلبا رسميا من حكومة الوفاق الوطني في ليبيا لتقديم دعم أمني، مضيفاً أن حلفه ما زال بصدد دراسة الطلب الليبي، معلناً في الوقت ذاته عن إنشاء مركز خاص للمراقبة، في مدينة نابولي الإيطالية لـ"منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتحديداً في ليبيا والعراق، ومراقبة المستجدات الناشئة فيها على وجد التحديد".
وعلى الصعيد الإقليمي والداخلي أعلنت الخارجية الجزائرية اليوم الخميس عن استقبال وزير الشؤون المغاربية، عبد القادر مساهل لوفد عسكري يترأسه العقيد سالم حجا المنحدر من مصراته، بصفته آمراً لتنسيقية قوات الغرب والجنوب الليبي، فيما أعلنت الزنتان أقصى غرب البلاد عن إطلاقها لاستعراض عسكري حاشد في المدينة.
وتأتي هذه التطورات في المشهد الليبي المرتبك مع إعلان نائب رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق أثناء زيارته لبلدات غربي ليبيا يوم أمس، عن عدم اعتراف المجلس الرئاسي بأي قوة عسكرية خارج شرعيته، وقال "لا يوجد جيش في ليبيا، إلا الجيش التابع لحكومة الوفاق" مؤكداً أن حفتر أضاع فرصة كبيرة للتشاور والتفاهم برفضه لقاء السراج في القاهرة.
يشار إلى أن الزيارة المفاجئة للعقيد سالم حجا حاملا معه صفته الجديدة كقائد لـ"تنسيقية قوات الغرب والجنوب الليبي" تعتبر خطوة مفاجئة ولافتة بعد سنوات من غيابه عن المشهد، فقد برز عام 2011 قائداً لكتائب ثوار مصراته، التي شاركت بقوة كبيرة في الإطاحة بحكم القذافي، ليعقبها تداول أنباء بشكل واسع عام 2014 تشير إلى إمكانية تقاربه مع مشروع حفتر العسكري، ولا سيما أن حجا كان من أبرز ضباط مصراته المعارضين لعملية فجر ليبيا، كما أن الزيارة التي جاءت بالتوازي مع استعراض المجلس العسكري لمدينة الزنتان لقواته اليوم الخميس، قد تشير إلى إمكانية توافق قوات مجلس الزنتان مع زيارة حجا في أهدافها.
وكان رئيس مجلس الزنتان العسكري أسامة الجويلي قد زار الجزائر، مطلع الأسبوع الجاري، ضمن وفد يمثل الطيف المعارض لحفتر بالمدينة، للقاء مسؤولي الجزائر ضمن جهودها للتواصل مع كل الأطراف الليبية.
وفي الأثناء سارعت قيادة قوات حفتر بدعوة قادة التشكيلات المسلحة الموالية لها في غرب ليبيا لزيارتها بشكل عاجل، فقد أعلنت وكالة الأنباء التابعة لحكومة طبرق عن وصول قيادات عسكرية بارزة من غرب البلاد من بينها "العقيد إدريس مادي" قائد غرفة عمليات قوات حفتر بغرب البلاد، ظهر اليوم الخميس لمطار بنينا في بنغازي، دون أن تفصح عن أسباب هذه الزيارة العاجلة.
وبحسب مصادر مطلعة لــ"العربي الجديد" فإن نتائج مشاورات القاهرة الأخيرة انعكست سلبا وبشكل كبير على الوضع الداخلي في البلاد؛ وذكر أحد المصادر أن "موجة استياء كبيرة تجتاح قادة وضباطاً في غرب وجنوب بل وربما في شرق البلاد، إزاء موقف حفتر الرافض لأي تفاهم أو توافق" موضحاً أن "عدداً من ضباط الجيش كانوا قد عرضوا على حفتر مبادرة لتطوير مؤسسة الجيش وتوسيعها لتشمل كل ضباط الجيش وقادته، مقابل احتفاظه بمنصب القائد" مشيرا إلى أن المبادرة التي "استمع لها حفتر خلال لقاء الشهر قبل الماضي في القاهرة مع عدد من الضباط من المنطقة الغربية والجنوبية تضمنت شرحا مسهبا لإعاة هكيلة مؤسسة الجيش، وطلبوا موافقته مقابل أن يحتفظ بمنصب قائد الجيش" معتبرا أن المقترح سيمكن مؤسسة الجيش من استيعاب أكبر عدد من الضباط والإدارات والمؤسسات في أنحاء البلاد، مما يكفل توحيده.
وعن تفاصيل المقترح قال "تضمن إنشاء مجلس عسكري منفصل عن قيادة الجيش تحت مسمى "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" يترأسه رئيس الأركان العامة وبعضوية 17 ضابطا يمثلون المناطق والجهات والأطياف الليبية، منهم قادة أركان القوات البرية والبحرية والجوية والمناطق العسكرية بالبلاد، ورؤساء هيئات الإمداد والهندسة والتموين والتسليح والقضاء العسكري.
وبين المصدر أن المبادرة أو المقترح المقدم "وضع من قبل مختصين في الجيش الليبي بما يتوافق مع تركيبات الجيوش في العالم، مضافا إليه خططا دقيقة لاحتواء المجموعات المسلحة والمليشيات على مراحل، بواقع زمني لا يتعدى ست سنوات، وخططا أخرى وضعت الحلول لاستيعاب وجمع السلاح المنتشر بشكل كبير في البلاد، وتابع "المقترح تضمن أيضا تشكيل قوات الجيش من فيالق وفرق وألوية، وأوضح الفوارق والتفاصيل في صلاته بالأجهزة الأمنية الأخرى التابعة لوزارة الداخلية، كالشرطة والحرس الرئاسي، بالإضافة لجهاز المخابرات وغيرها".
وكشف المصدر أن"حفتر الذي لم يتعاط مع محدثيه من الضباط أثناء اللقاء، بل طلب منهم قطع الجلسة بحجة انشغاله، مبديا عدم مبالاته بالحديث وضيوفه"، مضيفا أن "حفتر رفض تبعيته كقائد للجيش لوزير الدفاع، كما أنه طالب بضرورة أن تضاف لصلاحيته صلاحيات رسم السياسات والبرامج الخاصة بجهاز المخابرات، والعمليات العسكرية والتنظيم والتدريب، والتفاوض مع الدول بشأن عقد اتفاقيات التسليح".
ونقل المصدر عن أحد الضباط قوله "حفتر يتكتم بشكل كبير على مستندات وأوراق اتفاقيات بشأن صفقة خاصة بالتسليح مع أوكرانيا كان قد وقعها بالنيابة عنه رئيس أركانه عبدالرزاق الناظوري، ودفعت فيها ملايين الدولارات التي يبدو أنها ذهبت للجيوب الخاصة، دون أن يصل السلاح"، لافتا إلى أن "حفتر يرفض الاعتراف بوجود اتفاقية، رغم تسرب بعض وثائقها الخاصة".
وتتفق المصادر على أن "أغلب ضباط الجيش يرون في حفتر شخصية عسكرية أشبه بالديكتاتور؛ فهو يحاول إقصاء كل مخالفيه، ويحتفظ بأسرار كل مؤسسته العسكرية التي يحاول ألا يكون في قيادتها غيره، ويضع شروطا تعجيزية أمام أي مبادرة أو اقتراح من شأنه إنهاء معاناة البلاد".