يخشى مستثمرون تونسيون من توسّع رقعة الحرائق المفتعلة التي امتدت، في الفترة الأخيرة، إلى مشروعات اقتصادية عامة وأخرى خاصة، فيما تسعى الحكومة إلى توسعة الإحاطة الأمنية بممتلكات الدولة ومزارع الحبوب التي تواجه خطر النيران مع اقتراب موسم الحصاد.
وتمثل الحرائق المفتعلة صنفا جديدا من المخاطر التي تهدد المشاريع الاقتصادية والمستثمرين في وقت تستعد فيه الحكومة إلى إطلاق خطة إنعاش اقتصادي من أجل تجاوز تداعيات فيروس كورونا على مختلف الأنشطة.
وامتدت الحرائق في المدة الأخيرة إلى قطاعات اقتصادية مهمة في البلاد، ومنها الفوسفات، الذي خسر معدات كلفتها كبيرة بعد نشوب حريق مفتعل في قاطرات لجر الفوسفات الخام من المغاسل واشتعال النار في مخازن للفيول المعد لتشغيل الآلات.
وكذلك أتت النيران أخيرا على أحد أكبر مصانع الورق في محافظة سوسة، الذي تعود ملكيته لمستثمر خاص، تسببت في إتلاف أكثر من 85 بالمائة من الوحدة الصناعية بشكل كامل وكل مخزون الورق.
وقال الناطق الرسمي باسم الحماية المدنية (الدفاع المدني)، العميد معز تريعة، إن الحرائق التي تم تسجيلها أخيرا تسببت في خسائر مادية كبيرة في نشاطات اقتصادية متعددة.
وأضاف في تصريحات صحافية أخيرا، أنه تم تسجيل 723 حريقا منذ بداية شهر مايو/ أيار إلى غاية 20 من الشهر ذاته، ومنها حرائق مهمة وأخرى تم تسجيلها في مناطق صغيرة ولم تخلف أضرارا كبيرة.
وأكد تريعة فتح تحقيق عدلي وأمني حول أغلب الحرائق لتحديد أسبابها، متابعا: "وضعنا المعطيات التي نملكها على ذمة السلط الأمنية، والأيام القادمة ستكشف أسباب الحرائق.. بعض المعطيات الأولية تفيد بوجود شبهات بأن تكون مفتعلة، خاصة بالنسبة لحرائق الفوسفات ومصنع الورق والسوق التجارية بمنطقة الحفصية بالعاصمة تونس".
وأول من أمس، قالت مصادر أمنية إن الفرقة المركزية للبحث في القضايا الإجرامية ألقت القبض على شاب في العقد الرابع من عمره مشتبه في تورّطه في حرق القاطرة المخصصة لجر عربات الفوسفات بالمغسلة بإقليم المظيلة.
وفي هذا السياق، قال الخبير الاقتصادي معز الجودي إن الثقة والأمن عاملان أساسيان في مناخ الاستثمار، وأن تونس باتت تفتقد إليهما بسبب تكرر الاعتداءات على الأملاك العامة والخاصة، ما قد يزيد في إحجام مستثمرين محليين وأجانب عن بعث مشاريع جديدة في البلاد.
وأضاف الجودي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن الدولة مطالبة ببعث رسائل إيجابية للمستثمرين عبر توفير الحماية اللازمة للمشاريع والمنشآت ومعاقبة المتسببين في الحرائق، سواء المفتعلة أو التي تحصل بسبب التهاون في الصيانة، مشيرا إلى أن العامل النفسي والطمأنة يلعبان دورا مهما في دفع الاستثمار وخلق الثروة، حسب قوله.
ويطالب مزارعو الحبوب في تونس بحماية المحاصيل بعد ارتفاع وتيرة الحرائق التي طاولت أنشطة اقتصادية مهمة في البلاد، ومن بينها المصانع ومعدات الفوسفات، وتسببت بخسائر كبيرة للقطاع الخاص والمؤسسات الحكومية.
ودعا منتجو الحبوب إلى فرض طوق أمني على مناطق الإنتاج ومراكز الخزن والتجميع خوفا من نشوب الحرائق المفتعلة في غياب التأمينات الكافية لتعويض الخسائر في حال نشوب الحرائق وتعثر صناديق التعويض الحكومية.
وقال مزارعون لـ"العربي الجديد"، إنهم في حاجة إلى عين يقظة على محاصيلهم، مؤكدين أنهم لا يملكون وسائل حماية خاصة بهم، وأن نشوب النيران في المزارع بات العدو الأول للفلاحين الذين واجهوا عاما صعبا بسبب جائحة كورونا وقلة الأمطار.
وتنتظر تونس هذا العام محصولا متواضعا من الحبوب لن يتجاوز 15.7 مليون قنطار، مقابل 24 مليون قنطار العام الماضي، وفق تقديرات رسمية لوزارة الفلاحة.
وتزيد مخاوف المزارعين من أن تعبث أيد مخربة بمحاصيل القمح هذا العام بعد تسجيل حرائق متفرقة في ضيعات ذات ملكيات خاصة وأخرى ملك للدولة، حسب عضو منظمة المزارعين محمد رجايبية، الذي أكد عدم قدرة الفلاحين على حماية المحاصيل.
وأضاف رجايبية في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن جزءا من الحرائق المسجلة في المواسم الماضية حصلت بفعل فاعل، مؤكدا تربّص مخربين بضيعات الحبوب هذا العام.
وأفاد في هذا السياق بأن مراكز التخزين والتجميع ليست في مأمن من العبث والحرائق، مطالبا الحكومة بتوجيه جزء من دعمها نحو حراسة المحاصيل على امتداد سلسلة الإنتاج.
وأكد أن تونس بحاجة إلى كل حبة قمح هذا العام نتيجة تقلب أسعار الغذاء في السوق العالمية وكلفتها المرتقبة على ميزانية الدعم.
واعتبر عضو منظمة المزارعين أن كلفة حماية المحاصيل ستكون أقل بكثير من توريد القمح مستقبلا في حال أتلفت الحرائق المحاصيل، مؤكدا أن جائحة كورونا أثبتت صلابة القطاع الفلاحي رغم تهميشه لعقود طويلة.