حديقة 5/ 6... صمود قطر في وجه الحصار

30 يونيو 2020
لقطة من الحديقة (العربي الجديد)
+ الخط -

ثلاثة أعوام مرّت مذ فُرض الحصار على دولة قطر، غير أنّها ما زالت صامدة. ويُترجَم صمودها بأشكال مختلفة، من بينها "حديقة 5/ 6" التي تشير إلى تاريخ ذلك الحصار والتي تفتح أبوابها بنهاية عام 2020.

أنشأت قطر حديقة أطلقت عليها اسم "حديقة 5/ 6"، في ما يشبه تحيّة لصمود قطر في وجه الحصار الذي فرضته عليها كلّ من السعودية والإمارات والبحرين ومصر في الخامس من يونيو/ حزيران من عام 2017. وقد صرّح رئيس لجنة الإشراف على تجميل الطرقات والأماكن العامة، محمد عرقوب الخالدي بأنّ اللجنة انتهت من تنفيذ الأعمال الرئيسية في مشروع "حديقة 5/ 6" ووصلت نسبة الإنجاز إلى 80 في المائة، فيما تُستكمَل حالياً الأعمال المتبقية والتي من المقرّر الانتهاء منها بحلول نهاية العام الجاري. وأشار إلى أنّه من منطلق دعم اللجنة للمصنّعين المحليين، يُعتمد على المواد المحلية القطرية في تنفيذ الحديقة، وقد وصلت نسبة المواد المحلية بالمشروع إلى 65 في المائة.

وحديقة 5/ 6 صمّمت لتكون وجهة سياحية وترفيهية لجميع أهالي وزائري قطر، بحسب ما أوضحت مديرة تصميم المشروع في لجنة الإشراف التابعة لهيئة الأشغال العامة "أشغال"، حصة الكبيسي. وشرحت أنّها تتميّز بمتاهة كبيرة من النبات، تصميمها مستوحى من بصمة الإنسان للدلالة على دور جميع المواطنين والمقيمين في صناعة المجد والازدهار، وتقديراً لكلّ من ترك أثره وبصمته في الدولة. كذلك تمثّل تخليداً لذكرى الصمود والنجاح في تجاوز الحصار المفروض على البلاد. ولفتت الكبيسي إلى أنّ مساحة المتاهة تصل إلى نحو 6500 متر مربّع، وقد شُكّل الحاجز النباتي الخارجي بما يشبه خريطة قطر لتتمركز في قلب الحديقة وتكون محطّ أنظار كلّ من يرتادها، لا سيّما أنّ الشكل النهائي للخريطة يظهر بوضوح عند النظر إليها من أعلى التلة المجاورة لها، علماً أنّ إضاءة تجميلية خُصّصت لإنارتها ليلاً. أضافت أنّ التّلة المجاورة للمتاهة ستكون مرتفعة عن سطح الأرض بنحو خمسة أمتار وتقع في وسط الحديقة على مساحة ثلاثة آلاف متر مربع، فتكون أعلى من المناطق المجاورة لها وتقدّم رؤية شاملة للحديقة من الأعلى، وتكون بالتالي نقطة جذب رئيسية لمحبّي وهواة التصوير. وتابعت أنّ في إمكان الزائرين رؤية بعض المعالم انطلاقاً منها، مثل أقواس 5/ 6 و تلال "كتارا" المرتفعة وأبراج لوسيل واللؤلؤة.

وتضمّ الحديقة مساحات خضراء مفتوحة تمتدّ على نحو 107 آلاف متر مربّع، إلى جانب 12 ألف متر مربّع من الشجيرات والسور الشجري. وفيها مرافق ومظلات خاصة بالعائلات ومساحات للعب الأطفال وأخرى مخصصة للاحتفالات وعرض الأعمال الفنية المختلفة. كذلك تضمّ الحديقة مساحات لممارسة الرياضة، ومسارات مخصصة للمشاة والجري بطول 2.6 كيلومتر، ومسارات ومواقف للدراجات الهوائية، وممرّات مشاة داخلية للتنزّه. وتُستخدَم مواد ترابية تضفي شكلاً صحراوياً طبيعياً من البيئة المحلية.



وتحتوي الحديقة كذلك على مبانٍ عدّة وأكشاك خدمية تشمل مطاعم ومقاهي، فيما أعمدة الإنارة تمكّن مرتاديها من زيارتها ليلاً. وقد أضيف إلى الحديقة عملان فنيان من مجموعة "المتحف العربي للفن الحديث"، وهما "قصائد" و"قصيدة من ثلاث مقاطع" للفنانة التشكيلية اللبنانية سلوى روضة شقير (1917-2017). كذلك عُرض عمل فني من تصميم التشكيلي القطري فيصل الهاجري تحت عنوان "الصمود"، وهو كناية عن أعمدة دائرية تتوزّع في مساحة فارغة في المركز لتعكس تلاشي تأثير الحصار.

تجدر الإشارة إلى أنّ هيئتَي "متاحف قطر" و"أشغال" أطلقتا دعوة مفتوحة إلى المجتمع القطري لتقديم صور وتسجيلات فيديو بمناسبة الذكرى الثالثة للحصار. وليلة الخامس من يونيو/ حزيران الجاري، ازدانت واجهات معالم فنية ومعمارية بارزة في مواقع مختلفة، بعرض حيّ لصور وتسجيلات فيديو مختارة، في حين أُضيئت كلّ من واجهة متحف قطر الوطني وأقواس تقاطع 5/ 6 على طريق لوسيل السريع وعرضت تسجيلات فيديو وصور التقطتها عدسات الناس.

وأتت هذه المبادرة لتواصل ما بدأته "متاحف قطر" في الذكرى الأولى للحصار، عندما أطلقت أولى فعاليات مشروعها الفني الكبير "100 يوم على الحصار" في "مطافئ: مقر الفنانين"، مع مجموعة من الأعمال الفنية لخمسة فنانين قطريين ومقيمين هم مبارك المالك وعلي الكواري وديمنتريبو غرسكي وأصيل ذياب وثامر الدوسري. وترسم تلك الأعمال مجتمعة لوحة فنية باهرة تروي للجمهور فصول قصة الحصار على نحو إبداعي. وتعبّر الأعمال التي تُزيّن واجهات مبنى "مطافئ: مقر الفنانين" عن رؤية الفنانين للحصار من منظورهم الشخصي، متّخذين من الغرافيتي وسيلة إبداعية لتوثيق مشاعرهم وانفعالاتهم تجاه الأحداث الأخيرة التي عاشتها قطر. وجاء اختيار الغرافيتي الوسيلة الرئيسية للتعبير الفني في هذا المشروع، إذ إنّه من أبرز الفنون المستخدمة في أنحاء كثيرة من العالم لنقل رسائل سياسية واجتماعية، بالإضافة إلى أنّه فنّ شعبي من فنون الشارع قريب من الناس.



وفي الذكرى الثانية للحصار، أطلقت "متاحف قطر" عملَين للفنان البريطاني مارتن كريد والفنانة القطرية غادة الخاطر، علماً أنّ العملَين يحتفيان بلحظة فارقة في التاريخ القطري أظهر فيها الشعب تكاتفاً واصطفافاً وطنياً غير مسبوق. ويزيّن العمل الفني الأول من توقيع مارتن كريد الواجهة الأمامية لغاليري الرواق، وهو لافتة ضوئية تحمل عبارة "كلّ شيء سيكون على ما يرام"، وتسترعي اللافتة بأضوائها البرّاقة انتباه المارة وتدعوهم إلى التوقّف أمامها للحظات، باعثة برسالة طمأنينة للجميع. يُذكر أنّ الفنان كان قد أنجز عمله هذا في عام 1999، ويُعَدّ واحداً من أشهر أعمال الفن ما بعد المفاهيمي التي أُنجزت في أواخر القرن العشرين. أمّا العمل الفني الثاني، فيقدّم نظرة إبداعية أخرى للفنانة غادة الخاطر المعروفة برسوماتها السياسية الساخرة التي لاقت استحساناً كبيراً بين الجمهور، لا سيّما تلك التي تناولت الحصار. وعلى غرار عمل مارتن كريد الفني، ابتدعت الخاطر لافتة ضوئية مع عبارة "رُبّ ضارة نافعة" تُعرض على واجهة مبنى "مطافئ: مقر الفنانين".