بعيداً عن عشوائية استخدام الأعشاب في علاجات بدائية، في الإمكان الاستفادة من نباتات كثيرة، شريطة أن يكون الأمر بطريقة علمية وبإشراف متخصص.
في كلية الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية التابعة لجامعة فلسطين بغزة، أوّل حديقة متخصصة بالنباتات الطبية تضمّ 300 نوع من تلك النباتات في سبيل تطوير علم الأعشاب الطبية والطب البديل بقطاع غزة. وقد أصدرت الكلية في السياق دليلاً للنباتات الطبية بأسمائها اللاتينية والعلمية، بالتعاون مع دائرة البروفسور نورمان خلف لأبحاث البيئة والإعلام البيئي في المركز القومي للبحوث العلمية.
على مدى أربعة أعوام، استطاع القائمون على الحديقة بحسب ما يشرح مسؤول قسم الزراعة في جامعة فلسطين بغزة، محسن خطاب، "جمع 300 نبتة طبية من مناطق نموّها البرية ومن مشاتل زراعية بغزة وكذلك من خارج قطاع غزة". ويلفت لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "المناخ المعتدل في فلسطين يساعد في نموّ نباتات كثيرة"، مؤكداً أنّ "النباتات بمعظمها بريّة، وقد جُمعت من مناطق غير مأهولة بالسكان". يضيف خطاب: "حياتي كلها تتمحور حول الزراعة والأدوية والخلطات العلاجية المصنوعة من النباتات. وهنا، أضع خبرة طويلة في متناول طلاب الجامعة بهدف التطوير والاعتماد على النباتات في العلاج". وأبرز النباتات التي حصلوا عليها من البراري القليلة في قطاع غزة، نبتة القطف البحري التي تنمو بالقرب من وادي غزة، وأصابع الجارية والشيح والمرمرية وإكليل الجبل وكذلك الزعتر التي تشتهر بها فلسطين.
رئيس قسم البحث العلمي في سلطة جودة البيئة بغزة، أيمن دردونة، هو المشرف على الحديقة وهو كذلك محاضر في علم النبات في جامعة فلسطين، يعمل منذ أربعة أعوام على جمع نباتات مهددة بالانقراض بغزة من المناطق المحاذية لوادي غزة ومن قرية المغراقة وقرية حجر الديك الواقعتَين شرقيّ مدينة غزة. وفي خلال أبحاثه، وجد دردونة بحسب ما يشرح لـ"العربي الجديد" أنّ "التنوع الحيوي والنباتي ضعيف في غزة، في حين أنّ الجامعات في القطاع بمعظمها لا تهتم بالبحث العلمي نظراً إلى ضعف الإمكانيات والتمويل. ومع اشتداد ظروف الحصار والعدوان الإسرائيلي المتكرر وعدم توفّر فرص عمل، تزداد احتمالية انقراض نباتات كثيرة تنمو في مناطق مختلفة بغزة".
هذه هي... (محمد الحجار) |
ويشدد دردونة لـ"العربي الجديد" على أنّه "لا بدّ من توفّر حديقة طبية في كليات الطب والصيدلة في جامعات قطاع غزة، للتعرّف على النباتات ذات الصلة ولتكون صيدلية خضراء تابعة للجامعة. ونحن هنا، زرعنا في الحديقة 300 نوع من النباتات الطبية، تتراوح ما بين أشجار وشجيرات وأعشاب. ثمّة أنواع كانت متوّفرة في غزة، وثمّة أخرى أحضرناها من موطنها الأصلي عبر المعابر". وأبرز الأنواع التي تنتج مواد طبية فعالة بحسب ما يقول دردونة، هي "المرمرية وإكليل الجبل والزعتر من بين الأنواع المحلية، بالإضافة إلى السيكاس التي تعدّ من النباتات المقوية والمنشطة لخلايا الجسد، والمورينغا التي يعدّها العلماء معجزة إذ إنّها تحتوي على كميات هائلة من الفيتامينات تتفوّق على الجزر واللوز ولها تأثيرات علاجية وطبية عدّة". ويتابع دردونة أنّ "الحديقة تعود بفائدة كبيرة إلى مواد دراسية عدّة في جامعات غزة من قبيل علم النبات، وكيمياء النبات، وكيمياء العقاقير، والتكنولوجيا النباتية، والنباتات الطبية للتغذية، والنباتات الطبية في فلسطين، بالإضافة إلى دروس صيدلة بصورة عامة.
الدليل الأوّل (محمد الحجار) |
وتعود فكرة تلك الحديقة إلى عميد كلية الصيدلة والتكنولوجيا الحيوية في جامعة فلسطين بغزة، الدكتور أكرم عطا الله، بعدما أمضى 23 عاماً من حياته عاملاً في مجال الصيدلة وتصنيع العقاقير والتدريس في ألمانيا، قبل أن يعود إل غزة في عام 2014. يخبر عطا الله "العربي الجديد" أنّه "في خلال عملي بألمانيا، وجدت أنّ كليات الصيدلة هناك تعتمد على حدائق توليها عناية واهتماماً خاصَين. من هنا، عرضت على رئيس الجامعة فكرة إنشاء حديقة مماثلة لصقل معرفة الطلاب. وتمّت الموافقة على ذلك. وفي بداية أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، افتتحت الحديقة وصدر أوّل دليل مرجعيّ للطلاب ولعامة الناس. ويشير عطا الله إلى "محاولات عدّة لجلب نباتات طبية من الضفة الغربية نظراً إلى البيئة الجبلية هناك وإلى نباتات تختلف عن تلك التي نجدها في بيئة غزة الساحلية، لكنّنا لم نحصل إلا على القليل منها. أنواع عدّة لم تدخل بسبب إغلاق معابر البضائع في اتجاه غزة".
ويتابع عطا الله أنّه "نتيجة الزحف العمراني وعدم توفّر مشاريع لتطوير القطاع الزراعي والنباتي إلى جانب الحصار الإسرائيلي والاحتلال الإسرائيلي وعدوانه المستمر، بدأنا نجمع النباتات المهددة بالانقراض وكذلك غير المهددة بالانقراض للحفاظ عليها والعناية بها. هكذا تكون مرجعاً للطلاب سواء في سياق مواد النباتات أو طلاب تخصصات الصحة والتغذية". ويوضح أنّ "طلاب كلية الصيدلة في الجامعة سوف يستخرجون المواد الفاعلة ليقوموا بتجارب خاصة بإنتاج عقاقير من النباتات"، في حين يعبّر عن طموحه إلى "تأسيس مركز أبحاث حول علوم النبات أو معهد للنباتات والأعشاب الطبية، على أن يستفيد من ذلك كل قطاع غزة ويُصار إلى تطوير الطب البديل".