تستعدّ بلدية مدينة طنجة لإنشاء مرأب للسيارات في حديقة المندوبية التاريخية، في إطار إعادة تهيئة سوق "ادّبّرا" الشهير. إذ بدأت شركة سوماجيك المشرفة على تنفيذ المشروع إحاطة جزء من الحديقة بسور من الزينكو، والاستعانة بحرّاس للحفاظ على أدواتها اللوجستية.
الحديقة خضراء وتكثر فيها أشجار الأوكالبتوس الضخمة التي توحي بالقدم. ويرتاح تحتها سكّان المدينة القديمة وحيّ الخصافات والقادمون إلى سوق يومي الأحد والخميس، كما توفّر المبيت للمشردين ومهاجري جنوب الصحراء وكبار السنّ الذين يحتاجون إلى أماكن اجتماعية للالتقاء، كما أنها مساحة للصغار.
يمكن للزائر أن يستريح في ظل شجرة أو على مقعد ويطلّ على المدينة القديمة. وسيُصادف في الحديقة شواهد قبور نادرة تعود لألمان عاشوا في طنجة وأطباء أجانب خدموا المدينة. لكنّ الذاكرة التي يحملها أهالي طنجة حول حديقة المندوبية أنّ شهداء 30 مارس/ آذار في عام 1952، والذين فاق عددهم 20 شهيداً، قد دفنوا في مقبرة الحديقة.
والمنطقة حيث الحديقة تنبض بالحياة. شهدت أحداثاً وطنية وعالمية مثل زيارة إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني مبنى البلدية سنة 1905، كما يذكر المهتم بذاكرة طنجة يونس الشيخ علي لـ"العربي الجديد"، إضافة إلى وجود مقابر لدبلوماسيين ألمان وقبر للدكتور سنيرو الإسباني، أول مشرف على الحجر الصحي في طنجة والذي تأسس في عهد الحسن الأول.
أمام مبنى المندوبية، تقع ساحة 9 إبريل، وقد زارها العاهل الراحل محمد الخامس في زيارة سُميّت بـ "زيارة الوحدة"، وألقى منها خطاباً تاريخياً في عام 1947، مؤكداً على وحدة التراب المغربي واعتبار طنجة جزءاً لا ينفصل عنه.
وفي الساحة ذاتها، تقع أبواب المدينة العتيقة مثل باب الفحص، إضافة إلى سينما الريف الشهيرة ومعالم أخرى. وكانت الحديقة عبارة عن مقبرة مسيحية وإسلامية يفصلهما سور. لكن لاحقاً، وسّع المكان لخلق متنفس للمدينة. ويقول يونس الشيخ علي: "نتخوف من عدم الوفاء بإعادة المكان كما كان سابقاً، على غرار ما حدث في أماكن مثل ساحة الأمم التي تحولت إلى حديقة إسمنتية".
أهمية المرأب
يأتي مشروع مرأب السيارات الأرضي في إطار مشروع طنجة الكبرى الذي دشّنه العاهل المغربي محمد السادس، سابقاً لحلّ مشكلة السير في طنجة، بحسب نائب عمدة طنجة إدريس التمسماني.
ويقول لـ "العربي الجديد": "إضافة إلى القناطر وتوسعة الشوارع، سيكون هناك مواقف للسيارات نتيجة الكثافة السكانية. وتشهد ساحة 9 إبريل التي تقع بقربها حديقة المندوبية ازدحاماً مستمراً.
ويشير التمسماني إلى أنّ "حديقة المندوبية تقع داخل مبنى المحكمة التجارية، وما وراءها من مدرجات، وتنبت فيها شجرتان قديمتان، وسيكون المرأب خارجها وستتولى شركة سوماجيك مسؤولية تنفيذه، لكننا سندخل معها في حوار لفهم حدود المشروع، وسنتولى المراقبة بعد إنجازه في حال تمّت إعادة المكان كما كان سابقاً أم لا، أي كمساحة خضراء".
ولم تحصل البلدية بعد على مخطّط مشروع المرأب من قبل الشركة أو رخصة إعمار من قبل "الجماعة الحضرية". على الرغم من ذلك، بدأت الشركة وضع سياج حول المكان. ويوضح التمسماني: "وعدتنا الشركة بأن الأمر سينتهي في بداية آذار/ مارس، وستباشر العمل بعدها". وسيتطلّب إنجاز المشروع ثمانية أشهر على الأقل، مع مراعاة البيئة والقيمة التاريخية للمكان. كما ستشارك لجان رسمية مغربية وقنصليات أوروبية في نقل رفات الموتى الذين عاشوا في طنجة قديماً وتوفوا فيها.
وستناقش البلدية مع سوماجيك إعادة شواهد القبور كما كانت سابقاً، إذ يفرض دفتر الشروط إعادة المكان إلى هيئته القديمة".
هندسة المكان تتعلق بالإنسان. كما أن حرّاس السيارات الذين يعملون في المكان ويقارب عددهم سبعة أشخاص، من بينهم امرأة، سيواجهون تحولاً في مصير عملهم. يقول التمسماني: "سيدمج العاملون وفق اختيارهم في الشركة، وسيحصلون على كامل حقوقهم".
مشروع التوسيع هذا ليس الأول في الحديقة. قبل نحو عشر سنوات، جمع رفات موتى مسلمين ومسيحيين بغاية فتح شارع وبناء حديقة وفسحة في المنطقة.
اقــرأ أيضاً
تستعدّ جمعيّات مدنيّة للتحرك رفضاً لمشروع المرأب من خلال تنظيم وقفات احتجاجية، بعدما استنكرت القرار الذي تتخذه البلدية من دون إشراكها في الأمر. وأصدر مرصد حماية البيئة والمآثر التاريخية في طنجة بياناً على صفحته في "فيسبوك"، أعرب فيه عن "رفضه القاطع للمساس بالحديقة كفضاء أخضر وإرث تاريخي"، داعياً إلى التعبئة البيئية والحقوقية للدفاع عن الحديقة. ويوضح في بيان لاحق أنّ "الجهات الرسمية تلتزم الصمت بعد مراسلتها حول الموضوع"، وسيبدأ المرصد بخطوات احتجاجية على مشروع المرأب.
في الإطار نفسه، نظّم ناشطون حملة توعوية حول خطر المشروع، وأطلقوا عريضة إلكترونية بعنوان "لا لإعدام حدائق المندوبية"، موجهة إلى ولاية طنجة ووزارة الثقافة المغربية والسفارات الدولية، ونبهوا فيها إلى "خطورة إنشاء مرائب تحت الأرض على حساب حدائق المندوبية ذات الصبغة الأثرية والبيئية التي تؤرخ للحقبة الدولية لمدينة طنجة، والتعرّض للثقافة المشتركة بين مدينة طنجة وثقافات دولية أخرى، واحتمالات وجود مدينة أثرية قديمة في هذه المنطقة".
ونظّم القائمون على "خرجة ثقافية بيئية لحديقة المندوبية" حملة احتجاج. ويقول زكريا أبو النجاة، أحد منظمي الحملة، لـ "العربي الجديد" إنّ الحملة "دعوة لتحسيس المسؤولين بأهمية المكان وتوجيه رسالة استنكار بإقامة المشروع في الحديقة". يضيف: "نحن لسنا ضد إقامة المشروع لكننا مع حماية الحديقة".
وسيقدم المشاركون في الفعالية عريضة موقعة وموجهة للجهات الرسمية تطالبهم بوقف تنفيذ مشروع مرأب السيارات.
لكن ردة فعل الجمعيات جاءت متأخرة، بحسب نائب عمدة طنجة إدريس التمسماني، "طالما أنّ المشروع مُعلن عنه منذ عام 2013". ويقول: "نحن أيضاً كبلدية غيورون على المدينة، لكنّ المشروع جاء ضمن ما دشّنه الملك في إطار طنجة الكبرى"، مؤكداً أن "الحديقة ستبقى متنفساً للجميع، وستراقب البلدية تلك المرحلة خصوصاً أنّها صوتت في عام 2013 لإعادة الأماكن التي شهدت تغييراً إلى ما كانت عليه".
الحديقة خضراء وتكثر فيها أشجار الأوكالبتوس الضخمة التي توحي بالقدم. ويرتاح تحتها سكّان المدينة القديمة وحيّ الخصافات والقادمون إلى سوق يومي الأحد والخميس، كما توفّر المبيت للمشردين ومهاجري جنوب الصحراء وكبار السنّ الذين يحتاجون إلى أماكن اجتماعية للالتقاء، كما أنها مساحة للصغار.
يمكن للزائر أن يستريح في ظل شجرة أو على مقعد ويطلّ على المدينة القديمة. وسيُصادف في الحديقة شواهد قبور نادرة تعود لألمان عاشوا في طنجة وأطباء أجانب خدموا المدينة. لكنّ الذاكرة التي يحملها أهالي طنجة حول حديقة المندوبية أنّ شهداء 30 مارس/ آذار في عام 1952، والذين فاق عددهم 20 شهيداً، قد دفنوا في مقبرة الحديقة.
والمنطقة حيث الحديقة تنبض بالحياة. شهدت أحداثاً وطنية وعالمية مثل زيارة إمبراطور ألمانيا غليوم الثاني مبنى البلدية سنة 1905، كما يذكر المهتم بذاكرة طنجة يونس الشيخ علي لـ"العربي الجديد"، إضافة إلى وجود مقابر لدبلوماسيين ألمان وقبر للدكتور سنيرو الإسباني، أول مشرف على الحجر الصحي في طنجة والذي تأسس في عهد الحسن الأول.
أمام مبنى المندوبية، تقع ساحة 9 إبريل، وقد زارها العاهل الراحل محمد الخامس في زيارة سُميّت بـ "زيارة الوحدة"، وألقى منها خطاباً تاريخياً في عام 1947، مؤكداً على وحدة التراب المغربي واعتبار طنجة جزءاً لا ينفصل عنه.
وفي الساحة ذاتها، تقع أبواب المدينة العتيقة مثل باب الفحص، إضافة إلى سينما الريف الشهيرة ومعالم أخرى. وكانت الحديقة عبارة عن مقبرة مسيحية وإسلامية يفصلهما سور. لكن لاحقاً، وسّع المكان لخلق متنفس للمدينة. ويقول يونس الشيخ علي: "نتخوف من عدم الوفاء بإعادة المكان كما كان سابقاً، على غرار ما حدث في أماكن مثل ساحة الأمم التي تحولت إلى حديقة إسمنتية".
أهمية المرأب
يأتي مشروع مرأب السيارات الأرضي في إطار مشروع طنجة الكبرى الذي دشّنه العاهل المغربي محمد السادس، سابقاً لحلّ مشكلة السير في طنجة، بحسب نائب عمدة طنجة إدريس التمسماني.
ويقول لـ "العربي الجديد": "إضافة إلى القناطر وتوسعة الشوارع، سيكون هناك مواقف للسيارات نتيجة الكثافة السكانية. وتشهد ساحة 9 إبريل التي تقع بقربها حديقة المندوبية ازدحاماً مستمراً.
ويشير التمسماني إلى أنّ "حديقة المندوبية تقع داخل مبنى المحكمة التجارية، وما وراءها من مدرجات، وتنبت فيها شجرتان قديمتان، وسيكون المرأب خارجها وستتولى شركة سوماجيك مسؤولية تنفيذه، لكننا سندخل معها في حوار لفهم حدود المشروع، وسنتولى المراقبة بعد إنجازه في حال تمّت إعادة المكان كما كان سابقاً أم لا، أي كمساحة خضراء".
ولم تحصل البلدية بعد على مخطّط مشروع المرأب من قبل الشركة أو رخصة إعمار من قبل "الجماعة الحضرية". على الرغم من ذلك، بدأت الشركة وضع سياج حول المكان. ويوضح التمسماني: "وعدتنا الشركة بأن الأمر سينتهي في بداية آذار/ مارس، وستباشر العمل بعدها". وسيتطلّب إنجاز المشروع ثمانية أشهر على الأقل، مع مراعاة البيئة والقيمة التاريخية للمكان. كما ستشارك لجان رسمية مغربية وقنصليات أوروبية في نقل رفات الموتى الذين عاشوا في طنجة قديماً وتوفوا فيها.
وستناقش البلدية مع سوماجيك إعادة شواهد القبور كما كانت سابقاً، إذ يفرض دفتر الشروط إعادة المكان إلى هيئته القديمة".
هندسة المكان تتعلق بالإنسان. كما أن حرّاس السيارات الذين يعملون في المكان ويقارب عددهم سبعة أشخاص، من بينهم امرأة، سيواجهون تحولاً في مصير عملهم. يقول التمسماني: "سيدمج العاملون وفق اختيارهم في الشركة، وسيحصلون على كامل حقوقهم".
مشروع التوسيع هذا ليس الأول في الحديقة. قبل نحو عشر سنوات، جمع رفات موتى مسلمين ومسيحيين بغاية فتح شارع وبناء حديقة وفسحة في المنطقة.
في الإطار نفسه، نظّم ناشطون حملة توعوية حول خطر المشروع، وأطلقوا عريضة إلكترونية بعنوان "لا لإعدام حدائق المندوبية"، موجهة إلى ولاية طنجة ووزارة الثقافة المغربية والسفارات الدولية، ونبهوا فيها إلى "خطورة إنشاء مرائب تحت الأرض على حساب حدائق المندوبية ذات الصبغة الأثرية والبيئية التي تؤرخ للحقبة الدولية لمدينة طنجة، والتعرّض للثقافة المشتركة بين مدينة طنجة وثقافات دولية أخرى، واحتمالات وجود مدينة أثرية قديمة في هذه المنطقة".
ونظّم القائمون على "خرجة ثقافية بيئية لحديقة المندوبية" حملة احتجاج. ويقول زكريا أبو النجاة، أحد منظمي الحملة، لـ "العربي الجديد" إنّ الحملة "دعوة لتحسيس المسؤولين بأهمية المكان وتوجيه رسالة استنكار بإقامة المشروع في الحديقة". يضيف: "نحن لسنا ضد إقامة المشروع لكننا مع حماية الحديقة".
وسيقدم المشاركون في الفعالية عريضة موقعة وموجهة للجهات الرسمية تطالبهم بوقف تنفيذ مشروع مرأب السيارات.
لكن ردة فعل الجمعيات جاءت متأخرة، بحسب نائب عمدة طنجة إدريس التمسماني، "طالما أنّ المشروع مُعلن عنه منذ عام 2013". ويقول: "نحن أيضاً كبلدية غيورون على المدينة، لكنّ المشروع جاء ضمن ما دشّنه الملك في إطار طنجة الكبرى"، مؤكداً أن "الحديقة ستبقى متنفساً للجميع، وستراقب البلدية تلك المرحلة خصوصاً أنّها صوتت في عام 2013 لإعادة الأماكن التي شهدت تغييراً إلى ما كانت عليه".