12 مايو 2024
حتى لا يتحوّل النجاح الأردني إلى فشل
ياسر أبو هلالة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
لا يوجد نموذج في العالم للتعامل مع فيروس كورونا. الجميع، سواء كان دولاً متقدمة أم متخلفة، اعتمد على التجريب أمام الجائحة المفاجئة، وما زال البشر يحاولون، إلى أن يُكتشف لقاح يمكّنهم من علاج المرض الوبائي. لكن ثمّة تجارب ناجحة نسبياً لدولٍ يمكن الإشارة إليها عالمياً، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا، وهذا النجاح لا يعني الوصول إلى صفر حالة، ولكنه يعني الحد بشكل كبير من انتشار الوباء، والتعامل الطبي الصحيح مع الحالات المكتشفة.
يعتمد النجاح في الحد من انتشار المرض على عدد الاختبارات التي تجريها الدولة، وكانت كوريا الجنوبية الأولى عالمياً، فدولة مثل مصر، عندما لا تجري اختباراتٍ سيظهر عدد محدود من الحالات، وهي التي تظهر بشكل أساسي من خلال حالات الوفاة ودخول المستشفى، في المقابل في كوريا بلغ عدد الفحوصات أكثر من 850 ألفا، وهو الأعلى عالميا مقارنة بعدد السكان.
في الأردن تجربة رائدة عربياً، إذ كان من الدول السباقة في فرض الحظر وتقليل المخالطة وتوفير أجهزة التنفس الاصطناعي، وهو ما قلل نسبة الوفيات بشكل كبير. واليوم لم يعد ممكناً استمرار الحظر بالصيغة المتشدّدة السابقة، ولا بد من الاستثمار في النجاح الذي تحقق من خلال الانفتاح التدريجي وفق الأسس التي تقلل نسبة الانتشار إلى أدنى حلول ممكنة.
في البداية، وهذا كان مهماً لنجاح مهمة الحكومة، تعامل الأردنيون مع الموضوع بتسليم كامل للحكومة من دون أدنى نقاش، وهذا ما عبّر عنه معارضون راديكاليون، مثل ليث شبيلات وسليم البطانية وغيرهما، أما اليوم فتعلو أصوات منتقدة تدعو إلى تعامل علمي هادئ، بعيداً عن لغة التحشيد، فأقدم المختصين الدكتور عاصم الشهابي، أستاذ علم الفيروسات في الجامعة الأردنية، والذي يعتبر مؤسس تعليم هذا العلم في الأردن، وكان له الفضل الكبير في مواجهة جائحة الكوليرا في السبعينيات، صرح أنه لا تجد ضرورة للحظر الشامل في الأردن. ويتفق معه الدكتور عزمي محافظة، وهو أستاذ علم الفيروسات، والذي استقال من لجنة الأوبئة التي لم تصغ لرأيه العلمي، ويقول إنه يجب فتح جميع القطاعات، ولا حاجة علمية لأي يوم حظر، حسب الأرقام الموجودة. ومحافظة جزء من البيروقراطية العلمية في الدولة، إذ كان رئيساً للجامعة الأردنية ووزيراً للتربية والتعليم. ويقول أستاذ علاج الأمراض المعدية، ضرار بلعاوي، "لا نستطيع حجْر الناس عشوائياً، ولا يوجد أساس علمي لصفر حالة، ويجب التعايش مع الحالات المرضية للفيروس التي سوف تظهر شئنا أم أبينا".
هذه عينة من آراء تنسجم مع الاتجاه العالمي في الدول الناجحة، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا وأميركا وغيرها، فالتشدد في الحظر غير مفهوم، وقد تندّر الأردنيون في منصّات التواصل على الحظر ورفعه، ونشرت صور تزاحم مرعبة قبيل أيام الحظر، وكأن الفيروس سيختفي بناء على قرار الحكومة برفع الحظر.
يؤدي التشدد في الحظْر إلى العكس تماماً، وهذا ظهر في الازدحام قبيل العيد، فضلاً عن الكارثة الاقتصادية في بلدٍ منهكٍ اقتصادياً قبل الجائحة. وأرقام منظمة العمل الدولية عن مستوى البطالة في العالم مرعبة عموماً، فكيف في بلد مرتفعة فيه أصلاً كالأردن الذي يستطيع أن يواصل قصة النجاح التي بدأها من خلال وضع خطة انفتاح تدريجي، بالاستماع إلى خبراء الصحة والاقتصاد معاً، وبشفافيةٍ بعيداً عن لغة التحشيد والمزاودة. وإذا كان وزير الصحة سعد جابر قد حظي بشعبية واسعة، لنجاحه المشهود في البداية، إلا أنه ليس متخصصاً لا بعلم الأوبئة ولا بالاقتصاد، وهو، قبل كل شيء، مسؤول يصيب ويخطئ، يُشكر ويُحاسب.
باختصار، يمكن عودة الحياة إلى أكثر المرافق، مع الالتزام بشروط التباعد واستخدم الكمّامات والكفوف والمعقّمات، سواء في الأسواق والمؤسسات الحكومية والشركات ودور العبادة. تبقى المعضلة في التعليم، فالجامعات والمدارس لا يمكن مضاعفة مساحتها لتحقيق التباعد، ولكن يمكن العودة لنظام الفترتين، صباحي ومسائي، وتطوير تجربة التعليم الإلكتروني. وبشأن معضلة المطارات، يمكن حلها باعتماد شركات الطيران فحصاً مسبقاً قبل ركوب الطائرة وفحصاً لاحقاً بعد الوصول، مع حجْر بيتي يعتمد على السوار الإلكتروني أو تطبيق الهاتف. إذا كان المجرمون تتم السيطرة على حركتهم من خلال السوار الإلكتروني، فهل يصعب تطبيق ذلك على مواطنين متعاونين؟
الحظر جزء من الماضي، المكابرة بالاستمرار به مجرّد خسارة صافية للاقتصاد والتعليم والصحة.
في الأردن تجربة رائدة عربياً، إذ كان من الدول السباقة في فرض الحظر وتقليل المخالطة وتوفير أجهزة التنفس الاصطناعي، وهو ما قلل نسبة الوفيات بشكل كبير. واليوم لم يعد ممكناً استمرار الحظر بالصيغة المتشدّدة السابقة، ولا بد من الاستثمار في النجاح الذي تحقق من خلال الانفتاح التدريجي وفق الأسس التي تقلل نسبة الانتشار إلى أدنى حلول ممكنة.
في البداية، وهذا كان مهماً لنجاح مهمة الحكومة، تعامل الأردنيون مع الموضوع بتسليم كامل للحكومة من دون أدنى نقاش، وهذا ما عبّر عنه معارضون راديكاليون، مثل ليث شبيلات وسليم البطانية وغيرهما، أما اليوم فتعلو أصوات منتقدة تدعو إلى تعامل علمي هادئ، بعيداً عن لغة التحشيد، فأقدم المختصين الدكتور عاصم الشهابي، أستاذ علم الفيروسات في الجامعة الأردنية، والذي يعتبر مؤسس تعليم هذا العلم في الأردن، وكان له الفضل الكبير في مواجهة جائحة الكوليرا في السبعينيات، صرح أنه لا تجد ضرورة للحظر الشامل في الأردن. ويتفق معه الدكتور عزمي محافظة، وهو أستاذ علم الفيروسات، والذي استقال من لجنة الأوبئة التي لم تصغ لرأيه العلمي، ويقول إنه يجب فتح جميع القطاعات، ولا حاجة علمية لأي يوم حظر، حسب الأرقام الموجودة. ومحافظة جزء من البيروقراطية العلمية في الدولة، إذ كان رئيساً للجامعة الأردنية ووزيراً للتربية والتعليم. ويقول أستاذ علاج الأمراض المعدية، ضرار بلعاوي، "لا نستطيع حجْر الناس عشوائياً، ولا يوجد أساس علمي لصفر حالة، ويجب التعايش مع الحالات المرضية للفيروس التي سوف تظهر شئنا أم أبينا".
هذه عينة من آراء تنسجم مع الاتجاه العالمي في الدول الناجحة، مثل كوريا الجنوبية وألمانيا وأميركا وغيرها، فالتشدد في الحظر غير مفهوم، وقد تندّر الأردنيون في منصّات التواصل على الحظر ورفعه، ونشرت صور تزاحم مرعبة قبيل أيام الحظر، وكأن الفيروس سيختفي بناء على قرار الحكومة برفع الحظر.
يؤدي التشدد في الحظْر إلى العكس تماماً، وهذا ظهر في الازدحام قبيل العيد، فضلاً عن الكارثة الاقتصادية في بلدٍ منهكٍ اقتصادياً قبل الجائحة. وأرقام منظمة العمل الدولية عن مستوى البطالة في العالم مرعبة عموماً، فكيف في بلد مرتفعة فيه أصلاً كالأردن الذي يستطيع أن يواصل قصة النجاح التي بدأها من خلال وضع خطة انفتاح تدريجي، بالاستماع إلى خبراء الصحة والاقتصاد معاً، وبشفافيةٍ بعيداً عن لغة التحشيد والمزاودة. وإذا كان وزير الصحة سعد جابر قد حظي بشعبية واسعة، لنجاحه المشهود في البداية، إلا أنه ليس متخصصاً لا بعلم الأوبئة ولا بالاقتصاد، وهو، قبل كل شيء، مسؤول يصيب ويخطئ، يُشكر ويُحاسب.
باختصار، يمكن عودة الحياة إلى أكثر المرافق، مع الالتزام بشروط التباعد واستخدم الكمّامات والكفوف والمعقّمات، سواء في الأسواق والمؤسسات الحكومية والشركات ودور العبادة. تبقى المعضلة في التعليم، فالجامعات والمدارس لا يمكن مضاعفة مساحتها لتحقيق التباعد، ولكن يمكن العودة لنظام الفترتين، صباحي ومسائي، وتطوير تجربة التعليم الإلكتروني. وبشأن معضلة المطارات، يمكن حلها باعتماد شركات الطيران فحصاً مسبقاً قبل ركوب الطائرة وفحصاً لاحقاً بعد الوصول، مع حجْر بيتي يعتمد على السوار الإلكتروني أو تطبيق الهاتف. إذا كان المجرمون تتم السيطرة على حركتهم من خلال السوار الإلكتروني، فهل يصعب تطبيق ذلك على مواطنين متعاونين؟
الحظر جزء من الماضي، المكابرة بالاستمرار به مجرّد خسارة صافية للاقتصاد والتعليم والصحة.
دلالات
ياسر أبو هلالة
كاتب وصحفي، عمل مديرا عاما لقناة الجزيرة (2014-2018)، ومراسلا. وصانع أفلام، وكاتبا في صحف الرأي والغد والحياة.
ياسر أبو هلالة
مقالات أخرى
22 ابريل 2024
18 مارس 2024
07 يناير 2024