حبس خالد علي... بداية مسارين متباينين للانتخابات المصرية

27 سبتمبر 2017
يرى البعض أن النظام بدأ التنكيل بعلي(محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -


زاد النظام الحاكم في مصر ضغوطه على المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، المحامي الحقوقي خالد علي، بإصدار حكم من محكمة الجنح بحبسه 3 أشهر وكفالة ألف جنيه لوقف تنفيذ العقوبة لحين الاستئناف، بناء على بلاغ قدّمه بعض الأشخاص العاديين ضده يتهمونه فيه بارتكاب فعل فاضح في الطريق العام، يتمثّل في إشارة خارجة بيده في اتجاه قوات الأمن بعد حصوله على حكم بات من المحكمة الإدارية العليا ببطلان التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير في يناير/ كانون الثاني الماضي.

وتكمن خطورة هذا الحكم في أنه إذا تم تأييده بحكم نهائي من محكمة الجنح المستأنفة، حتى إذا تم وقف تنفيذه، فسيتم منع خالد علي من ممارسة حقوقه السياسية لمدة 5 سنوات، لارتكابه إحدى الجرائم المنصوص عليها في الباب الرابع من الكتاب الثالث من قانون العقوبات بشأن هتك العرض وإفساد الأخلاق، وفقاً للمادة الثانية من قانون مباشرة الحقوق السياسية.
وستطبق هذه العقوبة التكميلية على خالد علي بمجرد صدور حكم إدانة بالحبس في مرحلة التقاضي المقبلة أمام محكمة الجنح المستأنفة، لأن نص الحرمان يكتفي بصدور "حكم نهائي"، ولا يشترط صدور "حكم بات" من محكمة النقض. وتم تغيير هذا النص في اللحظات الأخيرة قبل إصدار القانون في يونيو/ حزيران 2014 قبيل تولي الرئيس الحالي عبدالفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، لتوسيع سلطة القانون في حرمان الأشخاص من حقوقهم السياسية والاكتفاء بأحكام الجنح المستأنفة.
وليس أمام خالد علي والمحكمة التي ستحاكمه وقت طويل لحسم هذا الأمر، علماً أنه لم يتبق على الموعد المفترض دستورياً لفتح باب الترشح لانتخابات الرئاسة إلا 5 أشهر فقط، إذ يتوجب على الهيئة الوطنية للانتخابات فتح باب الترشح في 8 فبراير/ شباط المقبل، إذا حسم النظام الحاكم أمره بإجراء الانتخابات، وليس إجراء استفتاء لتعديل الدستور يضمن بقاء السيسي في منصبه لفترة أطول.

أما في حالة صدور حكم إدانة لخالد علي ولكن بالغرامة بدلاً من الحبس، فسيفتح هذا الباب أمام جدل واسع حول أحقيته في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية. فالثابت من أحكام مجلس الدولة وقانون الانتخابات الرئاسية أنه يجب توافر شرط "حسن السمعة" في المرشح لهذا المنصب الأعلى، بينما يقصر قانون مباشرة الحقوق السياسية عقوبة حرمان المواطن من التصويت والانتخاب على أن يصدر ضده حكم إدانة "بالحبس"، ولم يرتب أي عقوبة على صدور حكم "الغرامة" في ما يتعلق بجريمة الفعل الفاضح وإفساد الأخلاق.
وبالتالي سيصبح الأمر بيد الهيئة الوطنية للانتخابات، التي من سلطاتها فتح باب الترشح وتلقي الأوراق وتحديد مدى صحتها ومدى توافر الشروط المطلوبة في المتقدم ثم إعلان قبوله أو رفضه، وهي الهيئة التي سيتم تشكيلها قريباً من قضاة جميعهم مقربون من وزير العدل حسام عبدالرحيم، المقرب بدوره من دائرة السيسي الشخصية وشقيقه القاضي أحمد السيسي. وإذا رفضت الهيئة ترشح خالد علي لافتقاره شرط حسن السمعة، في حال صدور حكم إدانة ضده بالغرامة، فسيكون أمام خالد علي طريق وحيد للطعن على القرار أمام مجلس الدولة، ما ينبئ بمعارك طويلة الأمد في ساحات القضاء.

وسبق للجنة العليا للانتخابات قبيل الانتخابات التشريعية الماضية، أن استبعدت مرشحين اثنين للانتخابات من دون أن ينص القانون على أسباب لاستبعادهما، الأول هو رجل الأعمال أحمد عز، والثانية هي الراقصة سما المصري، وأصدرت المحكمة الإدارية العليا برئاسة الرئيس الحالي المعين لمجلس الدولة أحمد أبو العزم، حكمين نهائيين بمنعهما من الترشح لأسباب ليست مذكورة في القانون. ورفضت المحكمة تقديم عز حساباً بريدياً سارياً صالحاً للاستخدام لإدارة أموال الحملة الانتخابية الخاصة به، كما رفضت ترشح سما المصري باعتبارها فاقدة لشرط حسن السمعة، وهو شرط مطاط خاضع لتقدير جهة الإدارة ثم القاضي نفسه.

ويعكس هذا الأمر قدرة النظام المصري بأشكال مختلفة، تشريعية وقضائية، على التحكّم في مسار أي استحقاق انتخابي، وتحديد هوية المنافسين بافتعال مشاكل قانونية خاصة بهم، على الرغم من أن العديد منها تُحرك بواسطة من يعرفون بـ"المواطنين الشرفاء" الذين تستعين بهم الأجهزة الأمنية بصورة خفية لتقديم بلاغات أو رفع دعاوى قضائية مباشرة ضد معارضي النظام.

لكن زيادة ضغط النظام على خالد علي في هذا التوقيت تحديداً، وإصدار هذا الحكم في جلسة لم يكن من المنتظر أن تشهد النطق بالحكم، يكشفان وجود أكثر من سيناريو لتعامل نظام السيسي مع خالد كمحام حقوقي نشيط استطاع إحراج النظام والحكومة في ساحات القضاء. كما يكشفان تعامل النظام مع ملف الانتخابات الرئاسية ككل، عقب عودة السيسي من زيارته إلى الولايات المتحدة، والتي لم تشهد بحسب مصادر دبلوماسية، حديثاً مباشراً بين السيسي والإدارة الأميركية حول ضرورة إجراء الانتخابات من عدمه، لأن هناك العديد من الملفات الأخرى التي لها أولوية بالنسبة لواشنطن، كتخفيف الضغط على المجتمع الحقوقي، وإظهار الشفافية الكافية في عمليات مكافحة الإرهاب في شمال سيناء، وتحجيم الدور الاقتصادي للجيش، فضلاً عن وقف التعامل مع كوريا الشمالية.


واستطلعت "العربي الجديد" آراء 4 مصادر، اثنان منهما حكوميان، والآخران حقوقيان مقربان لخالد علي، وكشفت أحاديثهم وجود سيناريوهين رئيسيّين لتعامل النظام معه كمرشح محتمل لانتخابات محتملة. السيناريو الأول هو أن دائرة السيسي بدأت التنكيل الفعلي بخالد علي، على غرار ما فعلته مع المستشار يحيى دكروري، صاحب حكم بطلان التنازل عن تيران وصنافير باستبعاده من رئاسة مجلس الدولة، وأن إصدار حكم كهذا من شأنه القضاء على أحلام خالد علي في الترشح للرئاسة من جهة، ومن جهة أخرى عدم إحراج النظام عالمياً، فهو ليس محبوساً وبالتالي قطع الطريق أمام تحويله إلى بطل شعبي ورمز دولي للتنكيل بالمعارضين.
ويفترض هذا السيناريو أن قبضة النظام بطبيعتها ليست خفيفة الوطأة على المعارضين، وأن جميع من عارضوا السيسي ولم يقبلوا بقواعد دائرته، تم التنكيل بهم حتى في ظل تحذيرات سياسية وإعلامية، كما حدث مع دكروري ومن قبله المستشار هشام جنينة، فضلاً عن قيادات "الإخوان" بما في ذلك من كانوا يحاولون لعب دور الوساطة بين النظام والجماعة.
كما أن التنكيل بخالد علي من مدخل هذه القضية سيكون أسهل كثيراً على النظام من التنكيل به في قضية التمويل الأجنبي لمنظمات المجتمع المدني، ذلك لأن تحريك القضية الثانية يتطلب تنسيقاً دولياً عالي المستوى وهو ما لم يتحقق بعد، لا سيما لارتباط تفاصيلها بمنظمات أميركية وأوروبية كبرى لها مصالح راسخة مع حكومات بعض الدول التي لا يرغب السيسي في إغضابها حالياً، وعلى رأسها الولايات المتحدة.

ويتوقف تنفيذ هذا السيناريو حتى النهاية، على استمرار التجاهل العالمي لملف تداول السلطة في مصر، واستمرار إغلاق واشنطن والعواصم الأوروبية الكبرى عيونها وآذانها عن الممارسات التي يرتكبها النظام وأجهزته الأمنية بحق المعارضين. وهو ما عكسه حديث المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أخيراً، عندما انتقدت أوضاع حقوق الإنسان في مصر، لكنها في الوقت ذاته دافعت عن ضرورة الحوار والتواصل مع السيسي. كما عكسته تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن دراسة واشنطن إنهاء تعليق بعض المساعدات الأميركية بعد أيام من إدانة القاهرة لبيونغ يانغ.

استمرار الوضع الحالي يسمح للسيسي بإرجاء الانتخابات إلى أجل غير مسمى بذريعة الإرهاب والطوارئ، ويسمح له أيضاً بإجراء تعديل دستوري ناتج عن مناقشات برلمانية، تبدو أمام العالم وكأنها من بنات أفكار سلطة تشريعية مستقلة، وهي في حقيقتها توجّهات تمليها دائرة السيسي على الأكثرية النيابية (ائتلاف "دعم مصر"). وفي أسوأ الأحوال يسمح استمرار الوضع للسيسي بإجراء انتخابات لا يترشح فيها أحد غيره، وتتحوّل بموجب القانون إلى استفتاء على استمراره.

أما السيناريو الثاني فخلاصته أن نظام السيسي يدفع خالد علي دفعاً إلى الترشح للرئاسة ليكون المنافس الوحيد في الانتخابات، فالنظام يعي جيداً رغبة خالد علي الحثيثة في الترشح واستغلال نجاحاته القانونية والحقوقية، على الرغم من أن العديد من المقربين منه ورموز المجال الحقوقي يحذرونه من ذلك. لكن النظام يريد دفع خالد علي لإعلان ترشحه وإنهاء حالة التردد التي تسيطر عليه.

ويفترض السيناريو الثاني أن النظام سيرسل إشارة الترشح لخالد علي بإصدار حكم مستأنف يلغي حكم الإدانة الصادر بالحبس، أو على الأقل يحوّله إلى غرامة فقط، ليزج به في ساحات المحاكم مرة أخرى. هذا الأمر قد يؤدي إلى إضعاف شعبية خالد علي بصورة كبيرة، إذ ستكون صورته أمام فئة غير قليلة أن النظام سمح له بالترشح وأنه قبِل بذلك، ليكمل ديكور الانتخابات الرئاسية في حال إجرائها، على الرغم من افتقارها المسبق لأدنى قواعد النزاهة والعدالة لمجرد تشكيل الهيئة الوطنية للانتخابات باختيارات وزير العدل عضو السلطة التنفيذية، بدلاً من تطبيق قواعد الأقدمية كما كان متبعاً في اللجان القضائية المشرفة على الانتخابات سابقاً.

وعلى الرغم من الفارق الشاسع بين النتيجة التي ينتهي إليها كل سيناريو، إلا أنهما مرتبطان بنقطة بداية واحدة هي إصدار حكم الإدانة أمس الأول، ويتوقفان على نقطة حاسمة واحدة، هي الضغط الأميركي والأوروبي على النظام لإجراء انتخابات نزيهة. فتغيّر الاتجاهات الغربية إلى الضغط كما كان يحدث في آخر 10 سنوات من حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، قد يدفع السيسي للمضي قدماً في تنفيذ السيناريو الثاني، لاستكمال الصورة التعددية للانتخابات كما حدث في 2014 عندما خاض القيادي الناصري حمدين صباحي المنافسة وحصل على عدد أصوات أقل مما تم إبطاله.