حرب اليمن أتت على البشر والحجر، لكنّها لم تمنع الأمل، وهو ما تحاول بلدة صغيرة في محافظة عمران أن تحافظ عليه من خلال الاستمرار في تنظيم أعراس جماعية وصل عدد المشاركين فيها إلى رقم قياسي هذا العام
أصبحت الأعراس الجماعية أحد المظاهر الاجتماعبة والاقتصادية التي تتنامى باستمرار في مناطق اليمن المختلفة. ولعلّ أولى المناطق التي بدأت واستمرت في هذه العادة التي بدأت في منتصف تسعينيات القرن الماضي هي بلدة حبابة (14 ألف نسمة) الواقعة على بعد 55 كلم شمال غرب مدينة صنعاء، والتابعة إدارياً لمحافظة عمران. هذا العام أقامت حبابة عرسها الجماعي عقب عيد الأضحى مثل كلّ عام، لكن بعدد قياسي من العرسان هذه المرة (140 عريساً وعروساً) وبشكل مختلف أيضاً.
تمكن الشاب صلاح من الاحتفال ضمن العرس الجماعي للبلدة هذا العام، بعد فشله في ذلك العام الماضي، كونه لم يكن قادراً على توفير مبلغ 800 ألف ريال يمني (3200 دولار أميركي) تكلفة مساهمته في العرس الجماعي وقتها ثم الاحتفال في المنزل مع ضيوفه. لكن، بفضل حسن تنظيم الحفل هذا العام دفع صلاح 230 ألف ريال فقط (920 دولاراً) بالرغم من ارتفاع الأسعار مؤخراً بشكل كبير. يقول صلاح لـ"العربي الجديد": "انحرفت الأعراس السابقة عن هدفها وهو تخفيف تكاليف الأعراس المتفرقة واختصارها في عرس واحد، إذ أصبح العرسان يجتمعون في فعاليات الصباح وهي الرقص التقليدي على وقع الطبول (البرع) وتناول وجبة الغداء مع الضيوف، ثم ينصرف كلّ عريس بضيوفه إلى منزله أو قاعات خاصة لإكمال بقية فعاليات العرس، وذلك الجزء يكلف أكثر من العرس الجماعي نفسه".
اقــرأ أيضاً
اختلف الأمر هذا العام، إذ يوضح ميكانيكي السيارات العريس، خالد زنيم، أنّ كلفة العرس انخفضت مع "ارتفاع عدد العرسان وإتمام كامل الفعاليات في عرس جماعي واحد". يضيف زنيم لـ"العربي الجديد": "بسبب تشتت فعاليات العرس في المساء سابقاً، كانت الأسر المحتفلة تبحث عن المغني ومؤدي التواشيح وأدوات العرس مثل شبكة القناديل (الإنارة) وخيام الاستضافة وغير ذلك من الأمور المكلفة، أما اليوم فقد جرى اختصار الكثير من الأشياء. كما بات بإمكان الناس أن يشاركوا فرحة جميع العرسان في مكان ووقت واحد بدلاً من تشتتهم وخسارتهم لأموال طائلة".
من جهته، يقول الحاج صالح رسام، رئيس لجنة الأعراس الجماعية في البلدة، إنّ حبابة تعد أكبر النماذج الإيجابية في هذه الظاهرة من أغلب النواحي: "خلال سنوات، أنشأنا نظاماً مجتمعياً متكاملاً لضمان تنظيم أعراس منخفضة الكلفة وآمنة. وعدا عن العرس، حددنا سقفاً ثابتاً ومنخفضاً للمهور أيضاً، وفرضنا غرامات كبيرة على مطلقي النار خلال الأعراس حتى انعدمت المخالفات تماماً، كما خصصنا قاعة كبيرة خارج البلدة لإقامة هذه الأعراس". يشير إلى أنّ هذه الأعراس ساهمت في تزويج معظم الفقراء، حتى تكاد العزوبية تنتهي بين الذكور والإناث في المنطقة. يستدرك: "من يستغل هذه الامتيازات ليعدّد الزواج أو يكثر الطلاق، يجد المجتمع رافضاً تزويجه".
إلى ذلك، يقول المسؤول الإعلامي بجمعية "الفجر" الخيرية، علوي الفهيم، إنّ الأهالي والناشطين ساءتهم الفرقة في الأعراس مجدداً، فقرروا أن تدير الجمعية هذا النشاط الذي يتكرر مرة بعد كلّ من عيدي الفطر والأضحى: "أقرت الجمعية، بعد موافقة الوجاهات، بعض الشروط للمشاركة في العرس من أبرزها المشاركة في فعالياته كافة. وقد اشترك أكبر الأثرياء أنفسهم في زفاف أبنائهم ضمن العرس الجماعي الحالي، كما انضم عرسان أصلهم من مدينة حبابة ويقيمون في مدينة صنعاء إلى العرس". يضيف لـ"العربي الجديد": "هذا ما جعل عدد العرسان هذه المرة يرتفع إلى نحو 140 بعدما كان العدد 24 فقط في حفل عيد الفطر الماضي، ولا يكاد يتجاوز نصف هذا العدد في أفضل الحالات خلال السنوات العشر الأخيرة. وقد ساهمت كثرة المشتركين في انخفاض الكلفة على كلّ منهم".
قدّر حضور المناسبة الأخيرة بـ15 ألف شخص، معظمهم من الأهل، ثم الضيوف من المناطق المجاورة ومدينة صنعاء.
مع ذلك، لا يخلو تنظيم العرس الجماعي من تحديات ومنغصات، إذ يحدث الكثير منها بحسب منظميه، وأبرزها عدم امتثال بعض أفراد الأسر المحتفلة لقواعد التنظيم، فيصرون مثلاً على أن يعتلوا منصة جلوس العرسان، أو على منح عرسانهم ميزة خاصة عن الآخرين. يقول الفهيم إنّ حوادث عنف تقع أحياناً بسبب التزاحم على أماكن جلوس الحاضرين: "لكن، يسعى المنظمون لتعلم الدروس من الفعاليات السابقة، وقد جرى تجاوز المشاكل في العرس الأخير بعد سلسلة من الإرشادات المسبقة للعامة بالرغم من أنّ الازدحام خلاله كان غير مسبوق".
اقــرأ أيضاً
لم تمنع الأعراس الجماعية في حبابة من إقامة أعراس منفردة، لكنّ أعدادها تراجعت كثيراً، خصوصاً في ظل الظروف الإنسانية المتدهورة في اليمن ككلّ. تلك الظروف جعلت الأعراس الجماعية تنتشر في عدة مناطق في اليمن أيضاً لا سيما حضرموت شرقاً.
أصبحت الأعراس الجماعية أحد المظاهر الاجتماعبة والاقتصادية التي تتنامى باستمرار في مناطق اليمن المختلفة. ولعلّ أولى المناطق التي بدأت واستمرت في هذه العادة التي بدأت في منتصف تسعينيات القرن الماضي هي بلدة حبابة (14 ألف نسمة) الواقعة على بعد 55 كلم شمال غرب مدينة صنعاء، والتابعة إدارياً لمحافظة عمران. هذا العام أقامت حبابة عرسها الجماعي عقب عيد الأضحى مثل كلّ عام، لكن بعدد قياسي من العرسان هذه المرة (140 عريساً وعروساً) وبشكل مختلف أيضاً.
تمكن الشاب صلاح من الاحتفال ضمن العرس الجماعي للبلدة هذا العام، بعد فشله في ذلك العام الماضي، كونه لم يكن قادراً على توفير مبلغ 800 ألف ريال يمني (3200 دولار أميركي) تكلفة مساهمته في العرس الجماعي وقتها ثم الاحتفال في المنزل مع ضيوفه. لكن، بفضل حسن تنظيم الحفل هذا العام دفع صلاح 230 ألف ريال فقط (920 دولاراً) بالرغم من ارتفاع الأسعار مؤخراً بشكل كبير. يقول صلاح لـ"العربي الجديد": "انحرفت الأعراس السابقة عن هدفها وهو تخفيف تكاليف الأعراس المتفرقة واختصارها في عرس واحد، إذ أصبح العرسان يجتمعون في فعاليات الصباح وهي الرقص التقليدي على وقع الطبول (البرع) وتناول وجبة الغداء مع الضيوف، ثم ينصرف كلّ عريس بضيوفه إلى منزله أو قاعات خاصة لإكمال بقية فعاليات العرس، وذلك الجزء يكلف أكثر من العرس الجماعي نفسه".
اختلف الأمر هذا العام، إذ يوضح ميكانيكي السيارات العريس، خالد زنيم، أنّ كلفة العرس انخفضت مع "ارتفاع عدد العرسان وإتمام كامل الفعاليات في عرس جماعي واحد". يضيف زنيم لـ"العربي الجديد": "بسبب تشتت فعاليات العرس في المساء سابقاً، كانت الأسر المحتفلة تبحث عن المغني ومؤدي التواشيح وأدوات العرس مثل شبكة القناديل (الإنارة) وخيام الاستضافة وغير ذلك من الأمور المكلفة، أما اليوم فقد جرى اختصار الكثير من الأشياء. كما بات بإمكان الناس أن يشاركوا فرحة جميع العرسان في مكان ووقت واحد بدلاً من تشتتهم وخسارتهم لأموال طائلة".
من جهته، يقول الحاج صالح رسام، رئيس لجنة الأعراس الجماعية في البلدة، إنّ حبابة تعد أكبر النماذج الإيجابية في هذه الظاهرة من أغلب النواحي: "خلال سنوات، أنشأنا نظاماً مجتمعياً متكاملاً لضمان تنظيم أعراس منخفضة الكلفة وآمنة. وعدا عن العرس، حددنا سقفاً ثابتاً ومنخفضاً للمهور أيضاً، وفرضنا غرامات كبيرة على مطلقي النار خلال الأعراس حتى انعدمت المخالفات تماماً، كما خصصنا قاعة كبيرة خارج البلدة لإقامة هذه الأعراس". يشير إلى أنّ هذه الأعراس ساهمت في تزويج معظم الفقراء، حتى تكاد العزوبية تنتهي بين الذكور والإناث في المنطقة. يستدرك: "من يستغل هذه الامتيازات ليعدّد الزواج أو يكثر الطلاق، يجد المجتمع رافضاً تزويجه".
إلى ذلك، يقول المسؤول الإعلامي بجمعية "الفجر" الخيرية، علوي الفهيم، إنّ الأهالي والناشطين ساءتهم الفرقة في الأعراس مجدداً، فقرروا أن تدير الجمعية هذا النشاط الذي يتكرر مرة بعد كلّ من عيدي الفطر والأضحى: "أقرت الجمعية، بعد موافقة الوجاهات، بعض الشروط للمشاركة في العرس من أبرزها المشاركة في فعالياته كافة. وقد اشترك أكبر الأثرياء أنفسهم في زفاف أبنائهم ضمن العرس الجماعي الحالي، كما انضم عرسان أصلهم من مدينة حبابة ويقيمون في مدينة صنعاء إلى العرس". يضيف لـ"العربي الجديد": "هذا ما جعل عدد العرسان هذه المرة يرتفع إلى نحو 140 بعدما كان العدد 24 فقط في حفل عيد الفطر الماضي، ولا يكاد يتجاوز نصف هذا العدد في أفضل الحالات خلال السنوات العشر الأخيرة. وقد ساهمت كثرة المشتركين في انخفاض الكلفة على كلّ منهم".
قدّر حضور المناسبة الأخيرة بـ15 ألف شخص، معظمهم من الأهل، ثم الضيوف من المناطق المجاورة ومدينة صنعاء.
مع ذلك، لا يخلو تنظيم العرس الجماعي من تحديات ومنغصات، إذ يحدث الكثير منها بحسب منظميه، وأبرزها عدم امتثال بعض أفراد الأسر المحتفلة لقواعد التنظيم، فيصرون مثلاً على أن يعتلوا منصة جلوس العرسان، أو على منح عرسانهم ميزة خاصة عن الآخرين. يقول الفهيم إنّ حوادث عنف تقع أحياناً بسبب التزاحم على أماكن جلوس الحاضرين: "لكن، يسعى المنظمون لتعلم الدروس من الفعاليات السابقة، وقد جرى تجاوز المشاكل في العرس الأخير بعد سلسلة من الإرشادات المسبقة للعامة بالرغم من أنّ الازدحام خلاله كان غير مسبوق".
لم تمنع الأعراس الجماعية في حبابة من إقامة أعراس منفردة، لكنّ أعدادها تراجعت كثيراً، خصوصاً في ظل الظروف الإنسانية المتدهورة في اليمن ككلّ. تلك الظروف جعلت الأعراس الجماعية تنتشر في عدة مناطق في اليمن أيضاً لا سيما حضرموت شرقاً.