حاكم تكساس "الجمهوري" ينصب فخاً لقاضية "ديمقراطية" ويقع فيه

17 اغسطس 2014
بات بيري على وشك الاستقالة من منصبه (جاستين ساليفان/Getty)
+ الخط -
تتجلّى قساوة السياسة الأميركية، في أبهى حللها، حين يتمّ استخدام كل أنواع الأسلحة لتحطيم شخصيات سياسية، في أي منصب كانت. والأقسى أن تتمّ عملية التحطيم، في سياق صراع حزبي، بين الجمهوريين والديمقراطيين، دون الأخذ بعين الاعتبار، عوامل الربح والخسارة. 

هذا ما حصل مع حاكم ولاية تكساس، ريك بيري، الذي أُجهض طموحه السياسي، للمنافسة على تمثيل الحزب الجمهوري، في انتخابات الرئاسة الأميركية المقبلة عام 2016، كما فقد سمعته ومكانته. فكيف كان ذلك؟

بدأ كل شيء في الثاني عشر من أبريل/نيسان 2013، عندما أوقفت شرطة مقاطعة ترافيس، في ولاية تكساس، امرأة في العقد السادس من عمرها، تقود سيارتها في الجهة المخصصة للدراجات الهوائية من الطريق العام، تحت تأثير الكحول.

طلبت الشرطة من المرأة الخضوع للاختبارات المعتادة في مثل هذه الحالات، لتأتي المفاجأة ــ الصاعقة. لم تكن تلك المفاجأة متعلقة بتجاوز نسبة الكحول في دم السائقة، ثلاثة أضعاف النسبة المسموح بها، ولكن لأن المرأة لم تكن سوى أبرز مدّعية عامة في المقاطعة، وهي المحامية الديمقراطية، روزماري ليمبيرج، التي انتُخبت لحماية النزاهة ومكافحة الفساد في مقاطعة، تنتسب إليها جغرافياً وإدارياً، مدينة أوستن، عاصمة ولاية تكساس.

لم يمتنع رجال الشرطة بعد معرفتهم لهوية المرأة عن إكمال واجبهم، بل على العكس، كان ذلك دافعاً لهم لاقتياد المسؤولة المخمورة إلى السجن، مثلما كان دافعاً بعد ذلك للمحكمة، لتشديد العقوبة عليها، وأصدرت حكماً بسجنها 45 يوماً، وتغريمها أربعة آلاف دولار، ولم يُفرج عنها، إلا بعد قضاء نصف مدة الحكم، لحسن سلوكها في السجن.

أين بيري حتى الآن؟ كان كل شيء يجري في المسار القضائي التقليدي، إلى أن تسرّع الحاكم، محرّكاً الآلة الإعلامية، بتصريح يطالب فيه المدّعية العامة، بالاستقالة من منصبها، لأن "نزاهتها تشوّهت بفعل دخولها السجن"، بحسب قوله. تمسكت المدعية بالبقاء في منصبها، وتذكرت أن العاصمة أوستن، خاضعة لسلطتها في مكافحة الفساد، وبالتالي فإنها تستطيع مراقبة فساد الحاكم، وعبثه السياسي، مهما كان سلوكه الشخصي سليماً.

احتدم الجدل بين مؤيدي الطرفين، إلا أن أنصار روزماري، المنتمون إلى الأقلية الديمقراطية، في ولاية جنوبية، يهيمن عليها التيار الجمهوري المحافظ، شدّدوا على أن المدّعية العامّة، منتخبة من المواطنين، وليست معيّنة من حاكم الولاية كي يطلب منها الاستقالة. كما أن من شروط عملها، قانوناً، ألا تكون قد ارتكبت أي جناية في حياتها، وما حدث لها كان مجرد جنحة.

لم يقتنع الحاكم الجمهوري، وواصل هجومه على المدّعية الديمقراطية، مهدداً إياها باستغلال منصبه في تقليص ميزانية مكافحة الفساد، وبدأ إجراءات في هذا الاتجاه، فما كان منها إلا أن استغلت ذلك، مستفيدة من نفوذها القانوني، إلى أن نجحت في فتح تحقيق معه عن تهديداته وممارساته المخالفة لدستور الولاية.

وبعد عام ونيّف على نشوب الجدل، حققت المدّعية انتصاراً، وثأرت لنفسها من الحاكم الخصم، وباتت الآن في وضعية، تسمح في عدم إقفال القضية، قبل إسقاطه من منصبه على الأرجح أو إجباره على الاستقالة.

وعند التأمل في بعض التفاصيل، يمكن الاستنتاج بسهولة، أن الصراع الحزبي الخفي بين الجمهوريين والديمقراطيين، لعب دوراً واضحاً في تسيير دفة الصراع، فكان الحاكم الجمهوري، هو البادئ في ممارسة الضغوط لإجبار روزماري، على الاستقالة، وبعد فشله في ذلك، جاء دورها لرد الصاع صاعين بالعمل لإجباره هو على الاستقالة. ورغم صعوبة الجزم بأن القضية منذ بدايتها تدخل في سياق المؤامرة، إلا أنه من غير المستبعد أن يكون رجال الشرطة، على علم بهوية المرأة قبل إيقافها.

وفي كل الأحوال، من المؤكد، أن الحاكم حاول استغلال ما حدث لروزماري، بينما نجحت هي في الدفاع عن نفسها بنجاح، فحافظت على منصبها قانونياً، سواء كان الحاكم وراء تدبير اعتقالها، عن طريق الإيعاز للشرطة في تحيّن فرصة إيقافها، أم لا، وسواء كان تصويرها بالفيديو، أثناء إيقافها وداخل زنزانتها من تدبير الحاكم وتواطؤ من أجهزة الشرطة، أم لا، فإن هذه المرأة القوية استطاعت أن تثأر للأيام العشرين التي قضتها داخل السجن، وللهجمات الإعلامية التي تعرضت لها أثناء وبعد اعتقالها، وأوقعت حاكم تكساس، في الحفرة ذاتها التي حفرها لها.

المساهمون