مع الخسائر المتوالية التي تتعرض لها قوات النظام السوري في العديد من جبهات القتال، من درعا جنوباً إلى حلب واللاذقية شمالاً مروراً بإدلب وحماه، والقلمون وتدمر وشرق البلاد، ووسط تضاؤل فرص التسوية، تتصاعد وتيرة التذمر لدى مجمل الموالين للنظام، بما في ذلك أبناء الطائفة العلوية، الذين باتوا يعبرون عن استيائهم بوسائل علنية عدة، باحثين في اتجاهات شتى عن طريق للخلاص، خصوصاً مع اقتراب المعارك إلى مناطقهم إثر النجاحات الأخيرة لقوات المعارضة في محافظة إدلب.
وفي هذا السياق، برزت العديد من الأسماء كبدائل لرئيس النظام الحالي بشار الأسد الذي بات بنظر عدد متزايد من مواليه "قائد فاشل" يخسر يومياً مساحات جديدة من الأراضي، ويموت جنوده بالمئات، بينما يتغوّل دور حزب الله وإيران في البلاد، مع تهميش دور قادة وضباط جيش النظام إلى درجة الإذلال والمهانة.
وفي هذا السياق، برزت خلال الأشهر الماضية أسماء عدة توسل فيها الموالون قيادة قوية وحاسمة تضع حدا لحالة التقهقر في الجبهات، وتبعد خطر وصول كتائب المعارضة إلى منطقة الساحل. ومن بين هؤلاء العقيد سهيل الحسن الذي يتنقل من مكان إلى آخر، حيثما لاح تراجع خطير في الموقف الميداني بوصفه البطل المنقذ. لكن شخصية الحسن، تظل محدودة الأفق، ومحكومة بكونه مجرد ضابط مغمور سطع نجمه في بعض المعارك، وليس له علاقات قوية، خصوصاً مع الأوساط النافذة في الطائفة العلوية، التي ينتمي إليها الأسد وتشكل حاضنته الشعبية الأساسية، فضلاً عن افتقاره لأية علاقات إقليمية أو دولية.
رفعت المنقذ!
ولذلك، بات الاسم الأكثر جاذبية في تلك الأوساط، رفعت الأسد، عم الرئيس الحالي، وشقيق الرئيس السابق حافظ الأسد، والذي يعيش في أوروبا منذ عقود إثر خلافات مع شقيقه حافظ في ثمانينيات القرن الماضي. مع العلم أنّ رفعت هو من قاد مجازر حماه في تلك الفترة.
اقرأ أيضاً: رجال حول الأسد
ونشرت بعض الصفحات الموالية للنظام على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" تعليقات وصوراً "تستنجد" برفعت ليكون المنقذ مما آلت إليه الامور. واعتبرت أن رفعت الذي يزيد عمره عن سبعين عاماً، يظل الأقدر على التعامل الحازم مع الأوضاع الراهنة، كما نشرت صوراً لتدريبات "سرايا الدفاع" التي كان يقودها رفعت في الثمانينيات، كانت تعتبر القوة الضاربة للنظام آنذاك، وحلّها حافظ الأسد بعد النزاع مع شقيقه رفعت.
وكانت سلطات دمشق قد أحضرت الشهر الماضي منذر جميل الأسد (ابن عم بشار) من اللاذقية، بناءً على أوامر من رأس النظام بشار الأسد، بعد الكشف عن تواصله مع رفعت الأسد للحديث حول إنقاذ من تبقى من العلويين في سورية. وقالت مصادر متطابقة إن رفعت الأسد اتصل بمنذر، وطلب منه البحث عن حل لمشكلة العلويين الذي بدأت تستنفد قواهم بعد أن بات السواد يخيم على كافة القرى العلوية.
وشهدت مدينة اللاذقية بعيد عودة منذر اشتباكات وإطلاق نار بالقرب من القضاء العسكري بين لواء "عاصفة الصحراء" المحسوب على أولاد خالة الأسد (أيمن جابر وأخيه) من جهة، ومليشيا "الدفاع الوطني" في اللاذقية من جهة أخرى، من دون معرفة الأسباب.
ويلاحظ متابعون أن عمليات اغتيال بدأت أخيراً تطاول المقربين من بشار الأسد، والذين يمكن أن يشكلوا خطراً على حكم الأسد، بدءاً من هلال الأسد الذي أشيع خبر مقتله على التلفزيون الرسمي للنظام في معارك مدينة كسب، ثم اغتيال محمد توفيق وفواز الأسد.
وعاد رفعت الأسد الى سورية مرتين؛ الأولى عام 1992 ليشارك في تشييع والدته، لكنه سرعان ما غادر بضغط من شقيقه حافظ، ثم عاد مجدداً عام 1994 للمشاركة في تشييع ابن أخيه باسل، لكنه غادرها من جديد، بعدما أخفق في إقناع شقيقه حافظ بالمكوث واستعادة دوره السياسي بسبب عدم ثقة الأخير به، وعلمه أنه يضمر شهوة للسلطة لا بد أن تقوده إلى تكرار محاولة الانقلاب عليه.
وراجت شائعات من مصادر المعارضة مفادها أن رفعت سـخر معدات الجيش من سيارات وطائرات لدعم أعماله غير المشروعة في زراعة وصناعة وتصدير المخدرات في سهل البقاع اللبناني، وبنى ميناء قرب اللاذقية لهذا الغرض قبل مداهمته عام 1999 بقيادة قوة على رأسها بشار الأسد، نجل الرئيس السوري آنذاك، في عملية قتل خلالها المئات من الطرفين.
وكانت منظمة "شيربا" والفرع الفرنسي لمنظمة الشفافية الدولية، اللتان تعملان في مجال مكافحة الفساد، قد تقدمتا بشكوى للقضاء الفرنسي تتهم رفعت بأنه حصل على بعض ممتلكاته في فرنسا بطريقة غير قانونية.
ونشرت مجلة "إكسبرس" الفرنسية في عددها رقم (1869) تحقيقاً مطولاً حول تورط رفعت الأسد في تجارة المخدرات والأسلحة وضلوعه في عصابات سرقة السيارات من ألمانيا وإيطاليا وبلجيكا عن طريق شبكة يديرها ابنه فراس.
ويرى رفعت الأسد في تصريحات صحافية متناثرة أن النظام الحالي في سورية مستعد للرحيل، لكنه يريد ضمانات ليس فقط لأعضائه، وإنما كي لا تندلع بعد رحيله حرب أهلية، في إشارة إلى العلويين والسنة. ولذا، فالحل في رأيه يكمن في "توفير ضمانات لبشار الأسد تتعلق بسلامته، لكي يتمكن من الاستقالة وتسليم السلطة لشخص لديه دعم مالي ويؤمن استمرارية جماعة بشار بعد استقالته، وهذا يجب أن يكون شخصا من عائلته، أنا أو سواي".
لكن اسم رفعت قد لا يشكل مخرجاً مناسباً حتى في الأوساط العلوية نفسها. وفي هذا الإطار، كان قد نشر فراس طلاس، ابن وزير الدفاع الأسبق مصطفى طلاس، في صفحته على "فيسبوك" أنباء تتعلق بمستقبل الأسد، قال فيها إنه لأول مرة منذ أربع سنوات يُطرح اسم بديل للأسد في مشاورات ضيقة جدا بين موسكو وطهران وواشنطن، وهو اسم ضابط علوي كبير، سيقلب تسلمه السلطة معادلات كثيرة ويربك كثيرين، كما قال، بدون أن يفصح عن اسم هذا الضابط.
ومع تواري الضباط العلويين الكبار المعروفين، تدور تكهنات حول أن العماد "المختفي" علي حبيب، هو الاسم الأبرز الذي تنطبق عليه معلومات طلاس. وكان علي حبيب، المتحدر من قرية المندرة التابعة لصافيتا في ريف طرطوس، أقيل من منصبه بعد بضعة أشهر من اندلاع الثورة، لأسباب صحية، حسبما ذكرت وسائل إعلام النظام حينها، قبل أن تتردد معلومات صحافية في وقت لاحق بأنه انشق عن النظام، وهو موجود في فرنسا. كما تم اقتراح اسم محمد سلمان، وزير الإعلام السابق في عهد حافظ الأسد.
وفي سياق متصل، علمت "العربي الجديد" من مصادر مطلعة في المعارضة أن شخصيات من عائلة الأسد تواصلت مع جهات دولية غربية، وطلبت منها التدخل لحماية الأقليات وتأمين ضمانات دولية للطائفة نتيجة تخوفها من الانهيار المفاجئ لنظام بشار الأسد، نتيجة هزائمه المتلاحقة أمام كل من قوات المعارضة وتنظيم "داعش"، والتفكك الذي بدأ يظهر في مفاصل الجيش وانهيار معنوياته.
وأكد المصدر الذي فضل عدم نشر اسمه أن تخوفاً فعلياً بدأ يظهر لدى الطائفة العلوية من انهيار النظام والتي بدأت تفقد الثقة بقدرة الأسد على الاستمرار في إدارة المرحلة لتبحث عن بدائل أخرى، لدى الجهات الدولية تضمن عدم حصول مجازر في حال انهيار النظام.