حاضنات مصر... تجارة تؤدي إلى وفاة الرضع

05 ابريل 2018
قلة عدد الحاضنات الحكومية تعدّ كارثة (محمد حمود/فرانس برس)
+ الخط -

إضافة إلى الأزمات الكثيرة في القطاع الصحي في مصر، ترتفع نسبة وفيات الأطفال الرضّع في البلاد بسبب نقص عدد الحاضنات، خصوصاً في المستشفيات الحكومية، ما يضطر الأهل أحياناً إلى البحث عن وساطة أو دفع مبالغ مالية كبيرة، بهدف إنقاذ حياة أطفالهم.

غالباً ما يكون انتظار ولادة طفل خبراً مفرحاً. لكن في مصر، تخشى بعض العائلات ولادة الأطفال قبل اكتمال نموهم، ما قد يجعل العائلات في حاجة إلى تأمين المال لإنقاذ حياتهم، لأن أسعار حاضنات الأطفال مرتفعة وليست في إمكان الجميع. وتؤكد تقارير طبية أن هناك حاضنة واحدة فقط لكل 642 طفلاً، وأن قلّة عدد تلك الحاضنات في المحافظات المصرية أدت إلى ارتفاع نسبة وفيات الأطفال حديثي الولادة، بنسبة 12 طفلاً من بين كل ألف رضيع.

وتتفاوت أسعار الحاضنات بحسب المستشفى والمنطقة، وتصل إلى أكثر من ألف وخمسمائة جنيه في اليوم الواحد في الأحياء الراقية والمستشفيات الخاصة الكبيرة. أما المستشفيات الحكومية في مصر، فتعاني أزمة، ما يهدد حياة مئات الأطفال حديثي الولادة، خصوصاً في مستشفى الجلاء للولادة في وسط القاهرة، ومستشفى أبو الريش للأطفال. وبات تأمين الحاضنات في المستشفيات الحكومية مربوطاً بالرشوة والوساطة والمحسوبية. كما أنّ أسعار تلك الحاضنات في المناطق الشعبية تتراوح ما بين 600 و1000 جنيه في اليوم الواحد، عدا عن العلاج.

أزمة الحاضنات في مصر دفعت البعض، سواء من العاملين أو الأطباء، إلى تجهيز حاضنات أطلق البعض عليها اسم "بئر سلم" بمبالغ مالية أقل، ما يؤدي إلى وفاة حديثي الولادة. ويكشف أحد الأطباء الذي رفض ذكر اسمه أن 90 في المائة من العاملين في المستشفيات الحكومية يملكون مستشفيات ومراكز لحاضنات خاصة، أو يعملون فيها. وترفض المستشفيات الحكومية استقبال الأطفال في الحاضنات بحجة عدم وجود مكان، ليذهب المواطنون بأطفالهم إلى المناطق حيث تتوفر الحاضنات الخاصة، ويقنع البعض الأهالي بمدى جودتها.


في هذا الإطار، عايشت "العربي الجديد" بعض مآسي الآباء والأمهات، سواء داخل المستشفيات الحكومية وعدد من الحاضنات. ويعيش الأهل قلقاً وخوفاً على حياة أبنائهم، في ظل عدم وجود حاضنات إضافية في المستشفيات الحكومية. يكشف الموظّف أحمد علي أنّ زوجته أنجبت في أحد المستشفيات الحكومية في منطقة إمبابة في محافظة الجيزة، وكانت المأساة عندما أخبره الطبيب بضرورة وضع الطفلة في حاضنة طالباً منه التوجه إلى مستشفى أبو الريش للأطفال. كانت المصيبة أنه لا توجد حاضنة، فما كان إلا أن نصحه البعض بدفع الرشى. هكذا دفع ألف جنيه في مقابل تأمين حاضنة.

وتقول الأم أسماء محمد: "حين أنجبت طفلتي، قالوا لي إنه لا بد من وضعها في حاضنة، لكن لم يكن هناك أي مكان خالٍ في المستشفى. بدأ زوجي رحلة البحث الشاقة لإيجاد حاضنة خالية. في النهاية، دفعنا مبالغ طائلة في أحد المستشفيات الخاصة، إذ كان من المفترض أن تبقى الطفلة في الحاضنة لمدة شهر. وكانت كلفة اليوم الواحد 1500 جنيه، متسائلة عن أولئك القادرين على دفع مثل هذه المبالغ. لذلك، تابع زوجي البحث، وانتظرنا إلى حين إخلاء مكان في أحد المستشفيات الحكومية.

من جهتها، تقول عائشة إبراهيم إنّه نتيجة إصابتها ببعض المشاكل أثناء الحمل، تأثر طفلها وولد بعيوب خلقية، ما استدعى بقاءه في الحاضنة لمدة طويلة. إلّا أنّها فوجئت بأن المستشفى الذي أنجبت فيه طلب منها دفع ألف جنيه في اليوم الواحد، في مقابل وضع ابنها في الحاضنة. ولأنّها غير قادرة على دفع هذا المبلغ، خصوصاً أن ابنها يحتاج إلى البقاء في الحاضنة فترة طويلة، بدأت البحث عن وساطة حتى تستطيع تأمين حاضنة في مستشفى حكومي. لكنها فشلت، واضطرت إلى إبقائه في حاضنة خاصة.



إلى ذلك، تشير ر.ع، وهي ربة منزل تعيش في الخانكة، إلى أن ابنتها سمية (5 أشهر)، لقيت مصرعها بسبب الإهمال في حاضنة يملكها ع. د. ، وهي موجودة في المنطقة. بعد يومين، شعرت أن حالة طفلتها تسوء، لكنّ الموظف المعيّن من قبل الطبيب وغير المؤهل، كان يؤكد لها أن حالة الطفلة جيدة. وحين ساورها الشك، توجهت إلى الحاضنة خلسة لتصدم بالواقع. في الليل، تعمل فيها طفلة عمرها 12 عاماً، وتتولى الاعتناء بالأطفال. كما أن الحشرات تملأ المكان إضافة إلى الانقطاع المتكرر للكهرباء. وقد فارقت الطفلة الحياة وعمد الوالد إلى تحرير محضر بالواقعة.

يؤكّد عدد من أطباء الأطفال في مصر أن قلة عدد الحاضنات الحكومية تعدّ "كارثة كبرى"، فضلاً عن أن انتشار حاضنات دون المستوى يؤدي إلى وفاة آلاف الأطفال كل عام. وتوضح أستاذة طب الأطفال أميمة علي أن عدد الأطفال المبتسرين في مصر إلى ازدياد، نتيجة إصابة الأم بأمراض عدة، من بينها الأمراض المزمنة والوراثية مثل القلب والسكري، وتناول بعض الأدوية المنشطة التي تباع في الصيدليات من دون استشارة الطبيب. كل تلك العوامل تؤثّر سلباً على نمو الجنين في بطن أمه. كما أن أمهات كثيرات يختبرن ولادة مبكرة، مشيرة إلى أنّ عدداً من الأطباء "دقوا ناقوس الخطر" من خلال إصدار تقارير إلى الجهات الحكومية المسؤولة، وحثّها على التدخل لإنقاذ الأطفال، خصوصاً بعد زيادة وفيات الأطفال داخل تلك الحاضنات. وكان الردّ أن الإمكانات المالية لا تسمح.

من جهته، يلفت أستاذ طب الأطفال أحمد السيد إلى أن تحوّل رعاية الأطفال إلى تجارة يعدّ كارثة إنسانية كبيرة، متسائلاً عن دور الحكومة في مستشفيات بئر السلم التي تتاجر في الأرواح. يضيف أنها تفتقر إلى الأجهزة الأساسية، كما أن أسعارها تكوي جيوب الفقراء. من هنا، يطالب القائمين على القطاع الصحي بإعداد دراسة تفصيلية توثّق احتياجات مصر الفعلية من وحدات للأطفال المبتسرين، فيها إمكانات عالية ووحدات تمريض ذات كفاءة كبيرة.


تجدر الإشارة إلى أن رئيس قطاع الطب العلاجي سابقاً هشام شيحة، كان قد أشار إلى أن عدد المواليد في مصر كل عام يقدّر بـ 2.5 مليون تقريباً، ويحتاج 5 إلى 10 في المائة منهم (أي بنسبة 150 إلى 250 ألف طفل) إلى حاضنات. أضاف أن الطفل يحتاج من 3 أيام إلى أسبوع داخل الحاضنة بحسب حالته، موضحاً أنه في الفترة ما بين عامي 2008 و2012، كان العجز في عدد الحضانات نحو 50 في المائة، خصوصاً أن مستشفيات وزارة الصحة لا تعمل وحدها، إذ إن هناك المستشفيات الجامعية والقوات المسلحة والخاصة.
دلالات
المساهمون