جيل أحمد شراكة

22 أكتوبر 2015
الشهيد أحمد شراكة 13 سنة (مواقع التواصل)
+ الخط -
"هكذا أصبحت بيت إيل، ميداناً للاشتباك اليومي".
سأحدّثكم، مجترحاً قدراتي في الكتابة. النّص حقيبة كلمات، والكلمة في حالة عجز. الاشتباك في الرّوح قبل أن يكون على نقاط التّماس، "إنه زمن الاشتباك، لا التّصالح" صرخت أخت الشهيد وهي ترمي الحجارة في بيت إيل، سمعتُها، أظنّها في الابتدائية، كانت تتلثّم بالكوفية، وتضرب الجنود انتقاماً.


وأنا كنت أشتبكُ مع رأسي، أشْرَعُ في ميثاقٍ جديد بين الدّم والتراب. رأيتُ الأرض امرأةً واشتهيتها، أردتُّ لي ولادة جديدة. "طاخ، طاخ" الرّصاص يتطاير فوق رؤوسنا، والعيون تدمع ليس من وجعٍ في القلب، أو جرحٍ في الذاكرة فحسب، بل من غزارة القنابل.

الهواء ملوّث، الصّمت من مشتقّاتِ خُذلانٍ مكثّف، والأطفال يرجمون الصّمت بمقاليعِهم، والموت يتقدّم نحوهم بهيئة جندي قميء، لا يهابونَه، يتمترسونَ خلف أعمدة الكهرباء، وجذوع النخيل في الشّارع، وحاويات القمامة، يدفعونها جماعات إلى الأمام، يزحفونَ نحو الجيبّات العسكريّة، رافعين الأعلام والأكُف المُسلّحة بالحجارة.

في بيت إيل، أي بيت الرّب، يواجه طفل في الثالثة عشرة، جنوداً مدجّجين بالحقد وشهوة القتل، ويتعاقد عاطفيّاً مع رصاص "الدّمدُم"، والرصاص الحي والمطّاط. الأساطير والأكاذيب تُوَاجَه بشراسة من الوعي الفطري للمجروح، والمُنتهك، مسلوب الحقوق والحياة، لا يهمُّه زخم التاريخ والجغرافيا، والسياسات الدوليّة، وأحاديث المثقفين وروّاد المقاهي، وركّاب الباصات العموميّة الصّامتين.

قالوا عنكَ: "خائن، وبعت القضيّة"، شَمَتوا في دمكَ ودم أخيك. كان عليكَ أيها الفلسطيني، أن تعطي المحتلَّ وجنتيكَ، ليصفعهما، وقفاكَ زيادة ليرضوا عنكَ، ويسلّموا تسليماً، أن تمدّ جسوراً من الحبّ والتعايش مع من اغتصبوا أرضَكَ، لكنكَ انبثقت كطائر الفينيق من تحت الرماد، تحمل في منقارك اللهيب، أرادوكَ بستانيّاً لعدوّكَ أو بائع ورود، فخرجت لهم بالسّكين والمقلاع وأحلام الطفولة.

"واحد، اثنان، ثلاثة"، لعبتَ معنا الغُمّيضة، تركتنا متماهينَ مع اللعبة، ووضّبت التفاصيل والذكريات للرحيل، اخترتَ حُلمك، ذاك حيث نراك ولا نصلك. استرح، واترك لأمّك مهمّة سرد حكايات بيت إيل. لمن؟ قد تسأل. ببساطة، لأخوتك الصّغار وأولاد الجيران، وللمريضينَ بحبّ هذا الوطن بمرضٍ لا شفاء منه، ولمن به وجعٌ قديم، وحزنٌ مشتعل، وأشواقٌ لأمكنةٍ مزدحمةٍ بالفرح والأمل. و"الآه" قبلةٌ معدنيّة للعالم الرّاسخ بالزوابع الصّغيرة، والذي أثقله الشّهداء بالمعاني والألوان الزاهية.

المخيّم أصبحَ ساحةَ عُرس، أمّكَ تطلق الزغاريد في يوم زفافك، وكل أمهات المخيّم أمّك، والصبايا على الشبابيك وسطوح المنازل، يلوّحن بالمناديل ويلقينَ الورد والدموع، وأصدقاؤكَ يحملونكَ على أكتافهم، كأنّك غيمة يصعدونَ بها نحو السّماء.

قاتلهم، قم من موتكَ ثانيةً وقاوم. إنهم يهابونك حتى بعد موتك، انفض عنك كلام المتخاذلين كغبارٍ أصابَ قميصك، وازرع في جيلنا روح الثّورة، لنحرسها، ونسيّجها بأجسادنا، لتكبر وتعطينا أجوبةً مثمرة، على أسئلة الأجيال المتعاقبة، "كيف، كيف يدحر الاستعمار؟". بالحديد والنّار.

(فلسطين)
المساهمون