جيش مَن؟ وضد مَن؟

30 أكتوبر 2014
+ الخط -

بديهياً ومنطقياً أن أي جيش تكون وظيفته في وقت الحرب ردع الأعداء ومواجهتهم، ليحافظ على دولته، ليعيش فيها الشعب آمناً مطمئناً. وفي وقت اللاحرب، تكون وظيفته حماية الحدود وكل الثغور ضد أي هجوم محتمل، وخصوصاً إذا كان الحال كما في مصر، وعدونا الأول (الصهاينة) على مشارف بوابتنا الشرقية.

أما الجيش المصري فليس فقط قصّر وأخلّ بوظيفته، بل فعل عكس ما هو مناط به فعله، وكأنه اتخذ بين جيوش العالم أجمع نظرية "خالف تُعرف". فأما الوظيفة الأولى التي هي وقت الحرب، فقد حارب جيشنا وانتصر في حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973، لكنه خالف المنطق، فبدلاً من أن يسلّم الأراضي المحررة سيناء إلى أهلها ليعيشوا بها آمنين مطمئنين، ويقوم الجنود على حمايتهم، عاملهم كأنهم مستوطنون، أو رعايا دولة أخرى، وألقى بهم القدر في سيناء، وجرت الأوامر العليا بعدم تمليك الأراضي لأهالي سيناء، بل والتعنّت في معاملتهم كأنهم مجرمو حرب، أو ما شابه ذلك. وعلى الصعيد الآخر، فإن الصهاينة، وهم من المفترض أنهم أعداؤنا، من حقهم أن يتنزّهوا في أبهى فنادق سيناء، وخصوصاً في منطقة شرم الشيخ، ومن حقهم أن يُعاملوا معاملة كريمة، وأصبح الوضع أن أهل سيناء (أصحاب الأرض) يتمنون أن يحصلوا على نصف كرم معاملة الصهاينة (الأعداء المحتلين).

كانت هذه الإساءة لأصحاب الأرض، وتجريد أصحاب الحقوق من حقوقهم، هو رد الجميل من الجيش المصري لأهالي سيناء الذين آووا جنوده في نكسة 67، وآزروهم في انتصار 73، كان ما فعله أهالي سيناء الواجب الذي يحتمه ضميرهم الوطني.

جديد ما ابتُلينا به، القرار الغبي الذي اتخذته قيادة مصر المقلوبة، مجتمعةً، بأن يتم تهجير أهالي سيناء، بحجة محاربة الإرهاب، وكأن حماية الأفراد شرطها تهجيرهم، وكأن جيشنا يعلن فشله عن حماية المصريين القابعين في سيناء، وكأن الجيش لا يعرف أن الأمن وسيلة لتحقيق حياة هنيئة للأفراد في مساكنهم وترحالهم، فكيف يتم التفريط في الهدف من أجل تحقيق الوسيلة؟

وعلى أهل سيناء، الآن، أن يواجهوا مستقبلاً مجهولاً، بدلاً من أن يموتوا تحت أسقف بيوتهم التي سيطالها قصف قواتنا الباسلة.. وكأن أهالي سيناء يستعيدون، اليوم، ذكريات الاحتلال الصهيوني لسيناء الذي لم يهجرهم من بيوتهم، ويقولون "ما بال إخواننا أشدّ علينا من أعدائنا".

لا أجد مستفيداً من هذه العملية إلا الصهاينة، إذ يفسح جيشنا بذلك لهم مجالاً ليتسلّموا ما خسروه في حرب أكتوبر 73، من دون قطرة دم واحدة، لأن جيشنا سيسفك من الدماء ما هو كافٍ لإخلاء سيناء. ثم إنه، وعلى الرغم من أن لفظ "القانون" غادر مصر منذ الانقلاب العسكري، إلا أنه، من باب إقامة الحُجة، فإن دستور الانقلابيين الذي أقروه على ظهور دباباتهم في مادته الـ63 ينص على: "يحظر التهجير القسري التعسفي للمواطنين، بجميع صوره وأشكاله، ومخالفة ذلك جريمة لا تسقط بالتقادم".

وعلى الرغم من أنه دستورهم الذي تفانوا في إخراجه دقيقاً يحمي دولتهم القمعية، إلا أنهم وقت وضع دستورهم لم يكن في مخيلتهم أن يصل إجرامهم إلى حد تهجير صاحب الأرض من أرضه، فتركوا المادة كما هي من دون تعديل. والحقيقة أن الدستور هو المخطئ، إذ إنه كيف يعترض على شيء تفعله قواتنا الباسلة؟ فليذهب الدستور إلى الجحيم هو والقانون والمنطق، ولتبقى طاقة الانقلاب موجهة لطرد أهالينا من بيوتهم، وقتل طلابنا في الجامعات، وتصنع لنا معكرونة ومربى.

32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
32C28B34-F62F-4803-B2F5-AA8B5E66EEA2
إسلام فتحي (مصر)
إسلام فتحي (مصر)