بعدما طغت الأحداث في أوكرانيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الوضع في دول الاتحاد الأوروبي، ومع تزايد المخاطر التي باتت تهدّد مصالحها، شاع حديث عن إنشاء جيش أوروبي مشترك، إلا أن ذلك يتطلب نهجاً خاصاً وسياسة أمنية أوروبية مشتركة.
وتشير المعطيات إلى أن الاتحاد الأوروبي يتجه نحو الموافقة على اقتراح رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود يونكر، الداعي إلى إنشاء جيش أوروبي مشترك، على ألا يكون في موقع المنافسة مع حلف شمال الأطلسي، بل سيجعل أوروبا تتحمل مسؤولياتها على مستوى العالم. ويشير يونكر إلى أن "أوروبا فقدت الكثير من هيبتها"، كما أن "سياستها الخارجية لا تؤخذ على محمل الجد". وبالتالي، فإن خطوة كهذه، ستمنح أوروبا مصداقية أكثر في استجابتها إزاء تهديدات السلام في الدول الأعضاء أو الدول المجاورة للاتحاد. كذلك فإنّ من شأن هذا الجيش، إذا أُنشئ، أن يتمتع بقيمة رمزية تتمثل بالدرجة الأولى، في إبعاد شبح أي حرب بين دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى الفوائد التنظيمية والمالية للمشروع الذي سيؤدي إلى تكثيف التعاون في مجال تطوير وشراء المعدات العسكرية.
ويرى المراقبون أنّ هناك أسباباً موجبة لقيام جيش أوروبي مشترك، لا سيما بعد أن كان الاتحاد الأوروبي قام بخطوات متقدمة نحو "الوحدة" من العملة الموحدة، والتجارة الداخلية المشتركة، إلى السياسة الخارجية المشتركة.
اقرأ أيضاً: شرق أوكرانيا يودع الثراء بعد سنة من النزاع
وما يجعل هذا الاقتراح قيد البحث بشكل جدي، هو أن الولايات المتحدة لم تعد تريد أداء دور "شرطي العالم"، ولا يمكن الاعتماد على القوات الأميركية في حلّ مشكلات الأوروبيين، خصوصاً أنّ مصالحها باتت في مكان آخر، ومنها استفادتها من الطاقة المستقلة من النفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط. كما أنه يتعيّن على أوروبا أن تعتاد بشكل مستقل، الدفاع عن مصالحها من دون مساعدة أميركا، ولا سيما حين يتعلق الأمر بصراعات الأوروبيين مع جيرانهم.
ويعتبر البعض أنه ليس من قبيل الصدفة أن يتم الدفع حالياً في هذا الاتجاه، بعدما أصبحت الجيوش الأوروبية في الدول الصغيرة عاجزة وعديمة الفائدة، وفق ما تبيّن من خلال عرض نتائج فريق من الخبراء الدوليين الذين أرادوا الترويج للمشروع في بروكسل. وقد أوصوا باعتماد استراتيجية أمنية أوروبية جديدة، لتعزيز القدرة السياسية والعسكرية التي تمكّنها القيام بعمليات تدخل مستقلة خارج حدود أوروبا، وإلى إمكانية إنشاء مقرّ للقيادة العسكرية للاتحاد الأوروبي في بروكسل.
وعلى الرغم من وجود 22 دولة أوروبية من أصل 28 أعضاء في حلف شمال الأطلسي، إلا أن قيام هذا الجيش يمكن أن يحقّق ثقلاً يوازي القوات الأميركية داخل حلف شمال الأطلسي.
ويعتبر أيضاً النقص في أنظمة الأسلحة الحديثة وقطع الغيار، من الأسباب المباشرة للعمل على إنشاء هذا الجيش. فقسم من الطائرات لم يعد صالحاً للخدمة، والدبابات في حالة صيانة دائمة. وتعود أسباب ذلك إلى سياسة التقشف التي اتّبعتها تلك الدول في السنوات الأخيرة، ومنها عدم تخصيص موازنات لشراء المعدات العسكرية والأسلحة المتطورة.
اقرأ أيضاً: إيران تتطلع إلى جذب الاستثمارات الغربية
ومن الناحية التقنية العسكرية، فإن أي حرب حديثة تتطلب أسلحة متطورة واستخدام طائرات من دون طيار، وبالتالي، فإن تشكيل جيش أوروبي مشترك يحتاج إلى موازنات ضخمة لتطوير وتشغيل وصيانة وإصلاح أنظمة الأسلحة، فيما حلّت الروبوتات، وفي كثير من الأحيان، مكان الجنود على الجبهات، يضاف إليها متطلبات أنظمة التحكم بمساعدة الأقمار الصناعية والاتصالات الرقمية والخدمات اللوجستية ذات الكفاءة العالية، وكل ذلك يحتاج إلى تكاليف مادية عالية.
ويمكن اعتبار الجيش المشترك مشروعاً للهوية المشتركة للاتحاد الأوروبي، ومن شأنه التأثير إيجاباً على الجوانب الاقتصادية، وهو يخدم القيم والمصالح الأوروبية، من دون أن يحل بالضرورة محل القوات المسلحة الوطنية، إنّما يؤدي دورا مكمّلا للجيوش الوطنية، وخصوصاً في البعثات الخارجية، ومنها خارج أوروبا، على أن تركز سياسة الدفاع المشترك على تحديد الأولويات، في مجال إدارة وتنظيم الاتصالات والخدمات اللوجستية، عوضاً عن العديد من الجهود الوطنية لتحقيق المصالح الأمنية الأوروبية.
وقد لاقى اقتراح رئيس المفوضية ترحيباً من قادة الاتحاد، ومنهم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، التي رأت أنه لا بد من أن يكون هناك "تعاون عسكري وثيق في أوروبا"، لكنها أكّدت أن هذا الأمر يعد "مشروع المستقبل"، ولا يمكن تحديد موعد لتنفيذه حالياً.
في المقابل، شكّك خبراء ومحللون نمساويون في فكرة إنشاء هذا الجيش، معتبرين أن وجود قوة عسكرية أوروبية مشتركة، أمر من شأنه أن يشجع على خوض مغامرات عسكرية، قد تؤدي إلى انزلاق المنطقة في مواجهات عسكرية وعلى مستوى واسع.
هذا القلق جعل قادة دول الاتحاد الأوروبي يستبعدون أي حل عسكري في التعامل مع النزاع الروسي الأوكراني، ويتريثون في إمداد أوكرانيا بالأسلحة، خوفاً من اتساع حجم النزاع العسكري المسلح في أوروبا، وخصوصاً النمسا، التي تتبنّى سياسة محايدة وترفض الدخول في أي أحلاف عسكرية، كما ترفض مشاركة جيشها في مهام خارج أراضيها، باستثناء مهام حفظ السلام الأممية والأوروبية.
وكان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد أعلنوا، خلال اجتماع لهم منتصف الشهر الماضي، أنّهم بصدد دراسة خيارات تدخّل محتمل في ليبيا، تشمل حماية البنية التحتية الأساسية والمراقبة البحرية والحدودية، إذا ما تمّ إيجاد أرضية مشتركة في المفاوضات التي تتم بوساطة الأمم المتحدة في المغرب، وتمّ تكليف ممثلة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي مونيكا موغيريني بتقديم مقترحات عاجلة بشأن السياسة الأمنية والدفاعية المشتركة للاتحاد، وهي السياسة التي تستخدم للبعثات المدنية والعسكرية، على أن تتم بالتنسيق مع الشركاء الأساسيين والجهات الإقليمية المؤثرة.