جيسون غرينبلات... أحد رجال إسرائيل في أميركا

07 سبتمبر 2019
أكد غرينبلات التزامه الدفاع عن "أمن إسرائيل"(جعفر اشتيه/فرانس برس)
+ الخط -
إذا كان من شخص ارتبط اسمه بـ"صفقة القرن" الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية تحت شعار خطة سلام لتسوية الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فهو بالتأكيد المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، جيسون غرينبلات، الذي قرر ترك منصبه بعد نحو سنتين ونصف السنة، استغلها للمشاركة، بل التحضير، لكل الخطوات التي اتخذتها إدارة دونالد ترامب لدعم الاحتلال الإسرائيلي، أكان إعلان القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، أو دعم مخططات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة، وصولاً إلى الاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان السورية المحتلة.
في كل هذه المحطات، كان لغرينبلات حضور بارز، وهو الذي لم يتوانَ يوماً عن استفزاز الفلسطينيين بالدعم المطلق لـ"أمن إسرائيل"، وحتى إغضاب المجتمع الدولي بقوله في الأمم المتحدة، في يوليو/تموز الماضي، إن "السلام الدائم والشامل (في الشرق الأوسط) لن يصنعه القانون الدولي أو قرارات مكتوبة غير واضحة".

وعلى الرغم من تأكيده مراراً أن الخطة الأميركية (صفقة القرن) جاهزة، والكشف عن شقها الاقتصادي في مؤتمر البحرين الذي عُقد أواخر يونيو/حزيران الماضي، ثم إعلانه تأجيل الكشف عنها بشكل كامل لما بعد الانتخابات الإسرائيلية المقررة في 17 سبتمبر/أيلول الحالي، إلا أن مغادرة غرينبلات منصبه تثير تساؤلات جدية حول مدى اقتناع الفريق الأميركي الذي يقوده جاريد كوشنر بفرص نجاح هذه الصفقة، خصوصاً في ظل الرفض الفلسطيني الشامل لها.

وقال غرينبلات الذي كانت صفته الرسمية "الممثل الخاص للمفاوضات الدولية"، في بيان الخميس، إن عمله في البيت الأبيض كان "امتيازاً". وأضاف في تغريدة "أنا ممتن فعلاً للعمل على محاولة تحسين حياة ملايين الإسرائيليين والفلسطينيين وآخرين". وإلى جانب جاريد كوشنر، صهر ترامب ومستشاره، تولى غرينبلات اقتراح خطط لوضع حد للنزاع بين إسرائيل والفلسطينيين، في موازاة وعد ترامب بأن ينجح حيث أخفقت إدارات أميركية سابقة.

منذ توليه منصبه في يناير/كانون الثاني 2017، ضمن الفريق الأميركي الذي شكّله دونالد ترامب لصياغة خطة السلام في الشرق الأوسط، كان غرينبلات حاسماً في إظهار انحيازه لإسرائيل، حتى إن ترامب قال في تغريدة عبر "تويتر" بعد الكشف عن أن مبعوثه سيترك منصبه "لن ننسى تفانيه في العمل تجاه إسرائيل، وسعيه للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين". من جهته، قال كوشنر في بيان إن غرينبلات "قام بعمل رائع في قيادة جهود الخروج برؤية اقتصادية وسياسية للسلام في الشرق الأوسط الذي يتم السعي له منذ فترة طويلة".

غرينبلات وُصف بـ"المبعوث اليهودي لترامب إلى الشرق الأوسط" وبأنه "يسعى فقط لاستفزاز الفلسطينيين عبر تبنّي مواقف اليمين الإسرائيلي بشكل متطرف". ولم يتردد في القول إن لإسرائيل "الحق" في ضم بعض أجزاء الضفة الغربية المحتلة. وشدد مراراً على عمق "التزام الولايات المتحدة بضمان أمن إسرائيل". وهو لم يكن قبل تعيينه ملمّاً بالشأن السياسي، وقبل وصول ترامب إلى البيت الأبيض نهاية 2016، كان غرينبلات مستشاره القانوني داخل منظمة ترامب لنحو عشرين عاماً.


انحياز غرينبلات ومعه الفريق الأميركي بقيادة كوشنر والسفير الأميركي في تل أبيب ديفيد فريدمان، للاحتلال في صياغة "صفقة القرن"، دفع السلطة الفلسطينية إلى مقاطعة جهود السلام الأميركية منذ أواخر 2017، عندما قرر ترامب نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس التي أعلنها عاصمة لإسرائيل، مخالفاً بذلك سياسة أميركية متبعة منذ عقود. ومن هذا المنطلق لم يكن غريباً أن يسارع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، من لندن، إلى تقديم الشكر لغرينبلات، لـ"جهوده في دعم الأمن والسلام".

مغادرة المبعوث الأميركي لن تكون خبراً محزناً للفلسطينيين، وهو ما عبّرت عنه صراحة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حنان عشراوي، التي قالت إن استقالة غرينبلات هي "اعتراف نهائي بالفشل". وتابعت في تصريح لوكالة "فرانس برس": "أعتقد أن كل الفلسطينيين سيقولون حسناً فعل، إذ لم يفوت غرينبلات فرصة لتحقير الفلسطينيين. لقد كان ملتزماً بشكل كامل بتبرير كل الانتهاكات الإسرائيلية بدلاً من العمل لصالح السلام". وتابعت عشراوي "حاولوا إخضاع الفلسطينيين وابتزازنا للموافقة على خطتهم"، معتبرة أن هذه الخطة "كانت محكومة بالفشل منذ البداية". وأضافت "أن استقالة غرينبلات ليست أكثر من مسمار إضافي في نعش" الخطة الأميركية.
أما نبيل أبو ردينة، المتحدث باسم الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فقال إن الفلسطينيين "لن يذرفوا الدموع" بعد رحيل غرينبلات. وأضاف "لقد دمر مصداقية الولايات المتحدة ودمر عملية السلام".

من جهته، اعتبر المسؤول في حركة "حماس"، باسم نعيم، أن هذه الاستقالة هي "نبأ سعيد وإشارة إلى فشل الفريق الأميركي المكلف عملية السلام وحل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني". وتابع "نأمل أن يحث هذا الأمر الإدارة الأميركية الحالية على إعادة النظر في موقفها وتغيير نظرتها إلى النزاع، حرصاً على الاستقرار والأمن في هذه المنطقة".

وكانت انتقادات كثيرة قد وُجّهت لعمل غرينبلات وكوشنر حول "صفقة القرن"، واختيار ترامب لموالين له لا يعرفون الكثير عن النزاع للمساعدة في حل أحد أكثر الصراعات صعوبة في العالم، ليظهر من خلال التسريبات حول الصفقة وحتى تصريحات المسؤولين الأميركيين أن الولايات المتحدة اختارت الانحياز الكامل لإسرائيل، خصوصاً أن البيت الأبيض توقف عن الترويج لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، وتجنّب إدانة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي في الأراضي المحتلة، لتفقد واشنطن كل مصداقية لدى الفلسطينيين.

أما توقيت استقالة غرينبلات، قبل أسابيع فقط من الكشف المتوقع عن "صفقة القرن"، فأثار أسئلة عما إذا كان المسؤول الأميركي غير مقتنع بالخطة التي تتبنّاها إدارة ترامب، خصوصاً مع الأنباء التي تشير إلى تولي شخص أقل خبرة منه، هو الشاب آفي بيركوفيتش، مكانه، وبالتالي تنخفض بشكل أو بآخر فرص نجاح الصفقة. يشار إلى أن الشق الاقتصادي من الخطة كان قد كشف عنه كوشنر، خلال مؤتمر استضافته المنامة، في يونيو/حزيران الماضي. ونصّ على خمسين مليار دولار من الاستثمارات الدولية في الأراضي الفلسطينية والدول العربية المجاورة على مدى عشرة أعوام. لكن المسؤولين الفلسطينيين رفضوا الخطة الأميركية.

المساهمون