كان يتحدث بلكنة غير باريسية، لكن بنبرة واثقة، إيقاع سريع، وهو يعرض الخطوط العريضة للسياسة التي سيتبعها على مدى عام ونصف على رأس الحكومة الفرنسية. يؤكد جون كاستيكس، أن لا شيء سيتغير في البرنامج الرئاسي لإيمانويل ماكرون، غير أنه يشدد على التحول الذي سيحدثه هو خلف إدوارد فيليب سيكون في المنهجية التي سيدبر بها الملفات الكثيرة التي يأتي في مقدمتها إنعاش الاقتصاد الذي يتوقع أن ينكمش بحوالي 10 في المائة هذا العام.
والمنهجية التي تساءل حولها المراقبون وتحدث عنها كثيرا، عندما عرض رئيس الوزراء جون كاستيكس، خارطة طريق حكومته أمام البرلمان الفرنسي والتي تقوم على الحوار الاجتماعي، حيث أشار إلى أن العديد من الملفات ستكون موضوع مباحثات وتشاور مع الفرقاء الاجتماعيين، الممثلين في النقابات ورجال الأعمال.
عندما عينه الرئيس ماكرون على بعد 600 يوم من الانتخابات الرئاسية، خلفا لإدوارد فيليب، اعتبر العديد من المعلقين الفرنسيين، أن كاستيكس سيكون عليه تنفيذ سياسة اقتصادية واجتماعية، بعد تداعيات الفيروس، تتيح له الفوز بولاية ثانية. ذلك طموح لن يكون سهلا تحقيقه في ظل الانكماش الاقتصادي وكثرة المطالب التي عبرت عنها مختلف فئات المجتمع الفرنسي.
ويأتي ذلك على خلفية أن فرنسا عرفت قبل ذلك احتجاجات كبيرة من قبل أصحاب السترات الصفراء والخائفين من تراجع قدرتهم الشرائية بسبب خطة ماكرون لإصلاح التقاعد الذي أيد التخلص من أنظمة التقاعد الخاصة.
تكنوقراطي خبر دهاليز الإدارة الفرنسية، أعلن منذ تعيينه عن سعيه للنزول على الأرض، ويؤكد بعد فترة وجيزة من تولي منصبه على تطلعه إلى تنفيذ سياسة تقوم على توفير فرص العمل، وفعالية العمل العمومي، والسيادة الاقتصادية، والحماية الاجتماعية، غير أنه يؤكد على دور الأقاليم والجهات في تنفيذ تلك الأهداف، وكلمة الأقاليم ذكرها 25 مرة في أحد خطاباته.
لم يغفل القطاع الصحي الذي وعد باستثمارات فيه بنحو 6 مليارات يورو، بهدف ضمان تعافيه من الضعف الذي كشف عنه الفيروس، غير أنه أعاد فتح ملف التقاعد الذي كان مثار اختبار قوة بين الحكومة والنقابات في السابق. هو يؤكد أن إصلاح نظام التقاعد من أجل التوجه نحو نظام عام والتخلي عن الأنظمة الخاصة، غير أن مراقبين يعتبرون أنه سيصعب الخوض في إصلاح التقاعد في وقت يسعى الرئيس لولاية ثانية سيتجنب فيها غضب المعنيين بذلك الإصلاح.
كان بعيدا عن الأضواء، ينتمي لليمين، ويعرف نفسه بأنه ديغولي اجتماعي، خبير بكواليس السلطة، حيث كانت مستشارا للرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، تولي ملف الألعاب الأولمبية لعام 2024، غير أنه وصف بأنه الشخص الذي عليه رفع الحجر الصحي في بلده. فهو الذي تولى الخروج من الأزمة في جميع الجهات.
خريج المدرسة الوطنية للإدارة، البالغ من العمر 55 عاما والأب لخمسة أبناء، قدمه الإعلام على أنه قادم من الأرياف، لم يسبق له أن كان برلمانيا أو وزيرا، غير أنه يسعى إلى الإعلاء من شأن مهمته كمنتخب محلي سابق، قريب من الناس، هذا ما يفسر تشديده على ضرورة عدم التركيز على العاصمة باريس من أجل بلورة السياسات، حيث يلح على الانطلاق من الأقاليم والجهات.
بعد خطابه أمام البرلمان الفرنسي، أبدى البعض من النواب تفاؤلهم بوعوده، غير أن منهم من اعتبر أن ما جاء على لسانه لا يعدو أن يكون مجرد وعود ونوعا من التواصل، فرغم تأكيده على أنه لن ينهج سياسة تقشفية، شدد جزء من المعارضة على أن العبرة بالأفعال.
تشبهه الصحافة الفرنسية بالسكين السويسري الشهير متعدد الوظائف، وهو تعبير يخلع على الأشخاص الذين يتولون في ظرفية حرجة.
وبما أنه السكين السويسري للرئيس الفرنسي، حسب مراقبين، فسيكون عليه قيادة عملية الإقلاع الاقتصادي وتوفير الحماية الاجتماعية للفئات الهشة وفرص العمل وتهدئة الفئات الغاضبة والإعداد للانتخابات الرئاسية التي يحلم ماكرون بالفوز بها مرة أخرى. وهو ما يبقى مرهونا باستعادة الثقة في الدولة بعد الانتقادات التي كيلت للحكومة بسبب ما اعتبر تخبطا في تدبير الأزمة الصحية.