وتتزامن هذه الجهود الحكومية مع اجتماع بين رئيسي وزراء بريطانيا وأيرلندا في دبلن، سعياً من جونسون للتوصل إلى حلول لمعضلة خطة المساندة الخاصة بأيرلندا الشمالية.
وكانت صحيفة "ذا تلغراف" المقربة من تيار جونسون في حزب المحافظين قد نشرت تقريراً، مساء أمس، عن عزم رئيس الوزراء على إرسال رسالتين إلى بروكسل، يلتزم في الأولى بالقانون الذي يجبره على طلب تمديد موعد بريكست، بينما يقول في الثانية إن الحكومة لا ترغب بالتمديد، وأنها لا تمتلك أي سبب لطلبه، وبالتالي دفع الاتحاد الأوروبي لرفضه.
إلا أن اللورد سامبشن، وهو قاض سابق في المحكمة العليا البريطانية، رفض في مقابلة مع "بي بي سي"، صباح اليوم، قانونية هذا التصرف، وقال إن جونسون "سيجد نفسه في موقف يتهم فيه بازدراء القضاء، إذا قام بمثل هذا الطلب".
وكانت حكومة جونسون قد لوحت أيضاً باللجوء إلى القضاء البريطاني احتجاجاً على إلزامها بطلب تمديد بريكست، وفي سعيها للحصول على حكم بعدم دستورية القانون الذي نال الأغلبية البرلمانية في غرفتي البرلمان نهاية الأسبوع الماضي.
وقال اللورد سامبشن "إن القانون الذي سينال الموافقة الملكية اليوم يلزمه بطلب التمديد، وليس فقط إرسال الرسالة ولكن أيضاً السعي لضمان نجاح الطلب. وأرى أن إرسال الرسالة ومن ثم السعي لتحييدها هو خرق لبنود القانون"، مشيراً إلى أن قراراً قضائياً يمكن أن يلزم مسؤولي الحكومة بتوقيع طلب التمديد متجاوزاً جونسون، ومنحه هذه الخطوة الشرعية القانونية المطلوبة.
وسرعان ما خرج النائب عن حزب المحافظين نايجل إيفانز ليدافع عن الخطط الحكومية للالتفاف على القانون، ويقول إن الحكومة تمتلك نحو 20 طريقة أخرى لتجاوز طلب تمديد بريكست. ولكن إيفانز اكتفى بسرد اثنتين منها: أن تقوم الحكومة بطلب سحب الثقة من نفسها في البرلمان، وهو تصويت يحتاج لأغلبية بسيطة (أكثر من خمسين في المائة)، أو أن تقوم الحكومة بطلب سن قانون يحدد موعداً للانتخابات العامة المبكرة.
لكن الخطوتين اللتين اقترحهما إيفانز ليستا خاليتين من المقامرة. فالأولى إن تمت نظراً لعدم امتلاك الحكومة الأغلبية البرلمانية، ستمنح زعيم المعارضة فرصة تشكيل حكومة بديلة خلال أسبوعين قبل التوجه لانتخابات عامة، وهو ما يضع مصير بريكست في يد جيريمي كوربن، زعيم حزب العمال، أما الثانية فهي عرضة للتعديل البرلماني أثناء التصويت، وهو ما سيمنح المعارضة فرصة تعديل موعد الانتخابات إلى ما بعد طلب التمديد.
جونسون في دبلن: بحث عن حلول
إلا أن الخيار الأفضل لجونسون حالياً يكمن في التوصل إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفعه إلى التوجه إلى العاصمة الأيرلندية للقاء نظيره ليو فارادكار.
ويرغب جونسون في إقناع نظيره الأيرلندي بجدوى خطة بديلة خرجت بها الحكومة البريطانية، جوهرها التوافق التنظيمي بين شطري الجزيرة الأيرلندية في ما يتعلق بالصناعات الزراعية، كبديلة لخطة المساندة التي يصفها بأنها "غير ديمقراطية". ولكن فارادكار يعتقد بأن الطرح البريطاني ليس كافياً، ولا يغطي سوى ثلث العلاقات بين بلفاست ودبلن.
وأشار فارادكار في المؤتمر الصحافي الذي عقد بعيد الاجتماع، صباح اليوم، إلى أنه لا يوجد "بريكست كامل" حيث يتوجب على بريطانيا التفاوض على علاقة تجارية جديدة مع الاتحاد الأوروبي بعد بريكست، حتى لو تم من دون اتفاق.
وأضاف أن بلاده "ليست مستعدة لاستبدال خطة المساندة التي ستكون جزءاً من نص قانون الاتفاق، بمجرد وعد بسلاسة التعامل على الحدود مع بريطانيا".
ومن جهته، أشار جونسون إلى لهجة أكثر تصالحية، عندما أكد أن بريكست من دون اتفاق "سيكون فشلاً سياسياً"، مؤكداً رغبته في التوصل لاتفاق. لكنه عاد ليكرر ضرورة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 أكتوبر/ تشرين الأول، وإلا فإنه سينتج من ذلك "ضرر دائم" في الثقة بالنظام السياسي في بريطانيا.
وقال جونسون إن عزمه لن يلين في مواجهة الرفض البرلماني لاستراتيجيته لبريكست، مصراً أيضاً على أن شرعيتها تأتي من تلبيتها لمطلب الشارع البريطاني في تطبيق بريكست. وأكد في الوقت ذاته امتلاك حكومته "للكثير من المقترحات البديلة" لخطة المساندة، في تصريح لا يمكن تجنب مقارنته بمبالغات الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
مواجهة برلمانية أخرى
ويعود جونسون، بعد ظهر اليوم، إلى لندن ليشهد طلب حكومته الدعوة لانتخابات عامة مبكرة منتصف الشهر الحالي. وتحتاج هذه الدعوة إلى موافقة ثلثي أعضاء البرلمان، وهي التي فشلت الأسبوع الماضي في تجاوز عتبة 50 في المائة.
ومنذ الدعوة الأخيرة، يوم الأربعاء الماضي، استقال جو جونسون وزير الدولة لشؤون الجامعات، وجاءت بعدها استقالة وزيرة العمل والتقاعد آمبر رود احتجاجاً على سير بريكست، والمستشار السياسي دومينيك كمنغز، والذي أصبح مركز انتقادات، بعدما وجهت الاتهامات له بالوقوف وراء حملة تطهير حزب المحافظين من معارضي جونسون من تيار الوسط، وخاصة بعد طرد 21 نائباً من كبار المحافظين بعد تمردهم على الحكومة.
وقالت رود إنها ومنذ استقالتها، مساء السبت، تلقت اتصالات من ثلاثة وزراء كبار وتسعة آخرين من وزراء الدولة ممن عبروا عن تفكيرهم بالاستقالة.
وكانت المعارضة البرلمانية مدعومة بمتمردي المحافظين قد نجحت في السيطرة على أعمال البرلمان ورفض الدعوة للانتخابات المبكرة ما لم يتم ضمان عدم وقوع بريكست من دون اتفاق.
إلا أن قادة المعارضة البرلمانية، الذين يجتمعون اليوم أيضاً، يدرسون الخيارات المتاحة، وخاصة في ما يتعلق بموعد الانتخابات. ويسود إجماع على أن الانتخابات يجب أن تعقد بعد تمديد بريكست، وهو ما يفضل أن يكون بعد أكتوبر/ تشرين الأول.
وسيقوم جونسون بعد جلسة البرلمان، اليوم، وخاصة بعد هزيمته المنتظرة، بتطبيق إغلاق البرلمان فوراً، لحرمان المعارضة التي تمتلك الأغلبية العددية وسلطة تحديد جدول نقاشات البرلمان من المزيد من المناقشات حول بريكست، مثل إجبار الحكومة على نشر استعداداتها لعدم الاتفاق، والتي تعرف باسم خطة "المطرقة الصفراء".
وسيبدأ في ساعة متأخرة اليوم، تعليق أعمال البرلمان البريطاني الذي سيستمر شهرا، والذي أمر به جونسون، حيث قال المتحدث باسم رئيس الوزراء إن "البرلمان سيتم إرجاؤه في نهاية دوام العمل اليوم" مستخدما مصطلح "إرجاء" الذي يعني التعليق.
وأضاف أن التعليق سيطبق بغض النظر عن نتيجة التصويت الذي دعت إليه الحكومة لإجراء انتخابات مبكرة الشهر المقبل.