جولة متعثرة لبيدرسون: الخلافات على اللجنة الدستورية مستمرة

07 سبتمبر 2019
من المقرر أن يزور بيدرسون دمشق قريباً (الأناضول)
+ الخط -
يواصل المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون تحركاته ومشاوراته مع الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية، بهدف الانتهاء من تشكيل اللجنة الدستورية خلال الشهر الحالي، فيما تسعى روسيا إلى تجيير هذه الجهود، بحيث يناسب الحل السياسي المنشود مقاس أهدافها في مواصلة الهيمنة على الوضع في سورية، وتمكين النظام من الحصول على الشرعية الدولية. ورغم أن المبعوث الأممي يحرص على عدم القيام بأي تحرك، أو الإدلاء بتصريحات من شأنها إغضاب روسيا والنظام السوري حتى لا يتسبب ذلك في إفساد مهمته، وامتناعهما عن التعاون معه، في ظل عدم وجود مساندة دولية حقيقية لمهمته، فإنه من غير الصعب ملاحظة وجود تباينات في اجتهادات ورؤى بيدرسون من جهة، وكل من النظام السوري وروسيا وإيران من جهة أخرى. ففي حين يركز المبعوث على وضع البلاد على سكة حل متوازن يستجيب قدر الإمكان لتطلعات جميع السوريين، يسعى المحور الآخر إلى الاستفادة فقط من الجهود الدولية لإضفاء الشرعية على جهودهم لإعادة تعويم النظام، بما في ذلك الدستور الذي أقره في العام 2012، معتبرين أنه لا حاجة لدستور جديد، وإنما يمكن إجراء بعض التعديلات البسيطة على دستور النظام.

وفي إطار الجهود التي يبذلها بيدرسون، انتقل من طهران إلى أنقرة، حيث التقى نائب وزير الخارجية التركي سيدات أونال، وناقش معه، بحسب متحدث باسم الخارجية التركية، آخر التطورات في سورية، خصوصاً ما يجري في إدلب، إلى جانب موضوع تشكيل اللجنة الدستورية. كما أطلع بيدرسون الأتراك على فحوى محادثاته في إيران. ومن المقرر أن يزور بيدرسون دمشق قريباً، للاجتماع مع مسؤولي النظام السوري. كما أعلن في وقت سابق عن زيارة سيقوم بها إلى واشنطن أيضاً، لبحث التطورات النهائية للجنة الدستورية، وذلك بعد أن أعلن بيدرسون، خلال إحاطة أمام مجلس الأمن في 30 أغسطس/آب الماضي، أن اللجنة قد يعلن عنها قبل نهاية سبتمبر/أيلول الحالي.

وأوضح أن مشكلة الأسماء الستة قد حُلّت، وتم الاتفاق على تعيين رئيسين للجنة الدستورية، أحدهما ممثل عن النظام السوري، والآخر ممثل عن المعارضة، من دون تحديد الأسماء المرشحة لتولي المهمة. وقال إن إطلاق اللجنة يجب أن يكون مصحوباً مع تغييرات لها تأثير على أرض الواقع، بما فيها إحراز تقدم في ملف المعتقلين والمغيبين قسراً. وشدد على أهمية التوصل إلى اتفاق متين حول إنشاء "لجنة دستورية ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة لتلتئم تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف، كخطوة أولى نحو فتح الطريق أمام مسار سياسي أوسع". ورأى أن هناك توافقاً بين طرفي النظام والمعارضة على تسهيل عمل الأمم المتحدة، وعلى "عتبة تصويت بنسبة 75 في المائة، مع السعي للتوصل إلى توافق في الآراء، على هيئة كبيرة تضم 150 عضواً، وأخرى صغيرة تتكون من 45 عضواً، مع التزام واضح بضمان سلامة وأمن أعضاء اللجنة وأقاربهم".

وقال المتحدث باسم هيئة التفاوض العليا في المعارضة السورية يحيى العريضي، لـ"العربي الجديد"، إن بيدرسون اجتمع بعد عودته من طهران مع مسؤولين أتراك، وكان له أيضاً لقاء مع الهيئة السورية للتفاوض برئاسة نصر الحريري، مشيراً إلى أنه ما زالت هناك خلافات بشأن تشكيل اللجنة الدستورية تتعلق "بالقضايا الإجرائية، وما الذي ستتم مناقشته: دستور كامل أم شيء آخر؟" وأضاف العريضي أنه ليس أكيداً أن يتم الإعلان عن اللجنة خلال الشهر الحالي. وقال: "سيذهب بيدرسون إلى دمشق، وهو مصمم ولديه تفاؤل أنه يستطيع إنجاز شيء ما. لكن لا نعرف ما الذي سيحدث معه هناك، حيث لا يكف النظام عن اصطناع العقبات أمام تشكيل هذه اللجنة". وأكد أن اللجنة الدستورية "مدخل للحل السياسي المتوازن الذي يلبي تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية، ونحن في هيئة التفاوض لن نتنازل عن هذه الرؤية أبداً". وتابع "نحن نعرف أن المعوقات تأتي من محور النظام وروسيا وإيران الذين يتبنون الحل العسكري الذي يؤمن لهم خططهم وأهدافهم، بينما الحل السياسي يؤمن نسبياً حقوق كل الشعب السوري". وأيد فكرة تعيين رئيسين للجنة من أجل عدم التفرد من قبل أحد الفريقين بقراراتها، مشيراً إلى أنه لم يتم تحديد رئيس اللجنة من جانب المعارضة حتى الآن.

من جهته، قال رئيس هيئة التفاوض السورية نصر الحريري إن هناك مساعيَ تجري حالياً لتشكيل اللجنة الدستورية قبل انعقاد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 سبتمبر الحالي. وأضاف الحريري، في تصريحات صحافية، أن النقاش يدور حالياً بشأن الخلاف حول "موضوع الأسماء الـ 6 وموضوع القواعد الإجرائية، حيث تم إنجاز أكثر من 95 في المائة من التوافق على تشكيل اللجنة الدستورية. غير أن ذلك لا يعني أن الأمر انتهى هنا، لأن المشكلة الأكبر في مناقشة المضامين الدستورية". وأوضح أن "هناك اعتراضاً على بعض الأسماء من قبل المعارضة وكذلك الأمم المتحدة، وجرت خلال الفترة الماضية محاولات لتجاوز هذه المعضلة"، مشدداً على ضرورة أن تكون الأسماء الستة "حيادية ومتوازنة وشاملة، لأننا نتحدث عن 6 أسماء من الثلث الثالث، وهي ثلث المجتمع المدني، حيث لا يجوز أن تكون محسوبة على النظام ولا المعارضة"، مشيراً إلى أن النظام السوري "لا يريد مناقشة إلا التعديلات على الدستور الحالي، وهو أمر مرفوض من قبل المعارضة"، مؤكداً أن "القرار الأممي 2254 يتحدث عن وضع مسودة دستور جديد للبلاد، وليس تعديل دستور النظام".
وفي سياق متصل، اجتمع نائب وزير الخارجية الروسي وممثل الرئيس الروسي ميخائيل بوغدانوف، مع رئيس "تيار الغد السوري" المعارض أحمد الجربا. وقال بيان للخارجية الروسية إنه جرى خلال الاجتماع بحث آخر تطورات اللجنة الدستورية السورية، حيث أكد الجانب الروسي "ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة واستقلال وسلامة الأراضي السورية".

وقال الباحث شادي العبدلله، لـ"العربي الجديد"، إن بيدرسون يسعى على يبدو إلى تشكيل لجنة اتصال دولية - إقليمية تجمع روسيا وإيران وتركيا من جهة، و"المجموعة المصغرة" بقيادة الولايات المتحدة من جهة أخرى، بهدف دعم جهوده على صعيد إنجاز الحل السياسي. وأوضح أنه مقابل تركيز روسيا على مسار آستانة والحل وفق رؤيتها، فإن بيدرسون يسعى إلى مظلة أوسع تأخذ في الاعتبار مواقف جميع الأطراف الدولية، وليس بعيداً عن إطار عملية جنيف التي لا تتحمس لها روسيا كثيراً، كونها تدخل أطرافاً أخرى في المعادلة، وتحد من التأثير الروسي في رسم ملامح الحل في سورية.

وفي إطار جهود توسيع دائرة الحل، فإنه من المقرر أن يلتقي بيدرسون في 12 سبتمبر الحالي في جنيف ممثلين عن "المجموعة المصغرة"، إضافة الى عقد لقاء وزاري إنساني - سياسي - اقتصادي دعت إليه وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيدريكا موغيريني على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في النصف الثاني من الشهر الحالي، إضافة إلى اجتماع وزاري في نيويورك لـ"المجموعة المصغرة". من جهتها، تضغط موسكو لتحقيق إنجاز قبل القمة الروسية - التركية - الإيرانية في أنقرة في 16 سبتمبر، كي تتبنى إنجاز إعلان اللجنة الدستورية وفق مسار آستانة، مقابل سعي بيدرسون، ومن خلفه الأمم المتحدة، ليكون لهم الدور الأساس في المسار الدستوري - السياسي، فضلاً عن إعطاء أهمية خاصة لملف السجناء والمعتقلين والمخطوفين، الذي تعول عليه المعارضة كثيراً، ويحاول النظام السوري تجاهله، والتسويف فيه، لأنه يحمل له إدانة واضحة بالمسؤولية عن مقتل وتغييب مئات آلاف الأشخاص. ويرتبط كل ما سبق بالوضع الميداني المعقد في الشمال السوري، حيث من المعتقد أن روسيا أعطت تركيا مهلة لتنفيذ اتفاق سوتشي الذي يتضمن تفكيك التنظيمات المتشددة وإعادة تشغيل طريقي دمشق - حلب واللاذقية - حلب وتسيير دوريات مشتركة، ما يفسر إرسال أنقرة تعزيزات، مقابل ضمانات روسية بعدم استهداف النقاط التركية.

المساهمون