التفت المنظّر والناقد الألماني جورج زيمل (1858 -1918) إلى مسائل اجتماعية غير مطروقة في حقل السوسيولوجيا، مثل الموضة والفن والنقود والفقر والروابط الاجتماعية، حيث كان يركّز في أبحاثه على العلاقة التفاعلية الموجودة بين الفرد والمجتمع.
صدر حديثاً عن سلسلة "ترجمان" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" النسخة العربية من كتابه "فلسفة النقود" بترجمة عصام سليمان العربية، والذي اعتمد فيه المنهج التاريخي والسوسيولوجيا الشكلية. فهو لا يتناول النقود من منظور اقتصادي، بل يصبّ اهتمامه على البنية المنطقية للنقود، وتأثيرها في حياة الإنسان والمجتمع، وفي الثقافة الحديثة إجمالاً.
في الفصل الأول "القيمة والنقود" ثلاث مباحث، حيث يتناول زيمل في المبحث الأول بالدرس الواقع والقيمة بوصفهما مقولتين مستقلتين متقابلتين، تغدو من خلالهما مضامين تصوراتنا تمثلات وصوراً للعالم؛ ويتطرق في المبحث الثاني إلى التبادل، بوصفه وسيلة تخليص الشيء من أهمية قيمته الذاتية الخالصة، ففيه تعبّر الأشياء عن قيمتها تبادليًا. أما في المبحث الثالث فيدرس إدراج القيمة الاقتصادية في صورة عالَم نسبية؛ وترسيم صورة العالَم النسبية من منظور النظرية المعرفية، كإنشاء البراهين في اللانهاية وإضفائها الشرعية على بعضها تبادليًا، وموضوعية الحقيقة والقيمة بوصفها علاقة بين عناصر ذاتية، والنقود من حيث هي التعبير المستقل عن علاقة التبادل التي تُحوّل الأشياء المطلوبة إلى أشياء اقتصادية.
يضمّ الفصل الثاني، "القيمة المادية للنقود" ثلاثة مباحث. في الأول، يتناول المؤلف بالبحث ضرورة القيمة الخاصة للنقود للقيام بوظيفتها في قياس القيم، ويبحث زيمل، في المبحث الثاني، في التخلي عن الاستعمالات غير النقدية لمادة النقود. أما المبحث الثالث، ففيه تحليل للتطور التاريخي للنقود من المادة إلى الوظيفة؛ والتفاعلات الاجتماعية وتبلورها في أشكال خاصة؛ والعلاقة المشتركة للمشترين والبائعين بالوحدة الاجتماعية بوصفها الشرط الاجتماعي المسبق لتداول النقود.
في الفصل الثالث، "النقود في سلاسل الغايات" ثلاثة مباحث أيضاً. يبحث زيمل في الأول الفعل الغائي بوصفه تفاعلًا واعيًا بين الذات والموضوع، وفي المبحث الثاني، تحليل للتطور النفسي للوسيلة إلى غايات، أي النقود بوصفها مثالًا أقصى؛ ولاعتماد طابعها الغائي على الاتجاهات الثقافية للحقب الزمنية؛ والنتائج النفسية لموقع النقود الغائي: الجشع، والبخل، والتبذير؛ والفقر الزهدي، ويضم المبحث الثالث بحوثاً في كمية النقود، وعتبة الوعي الاقتصادي.
يتابع القسم الثاني من الكتاب، "القسم التركيبي"، تأثيرات ظاهرة النقود التاريخية في العالم، أي في شعور الأفراد بالحياة، وفي ترابط مصائرهم، وفي الثقافة العامة، وفيه ثلاثة فصول. في الفصل الرابع، "الحرية الفردية"، ثلاث مباحث. يُعنى المؤلف في الأول بالحرية التي توجد بالارتباط مع الالتزامات، وفي المبحث الثاني تحليلٌ للملكية بوصفها فعلاً، ويتناول المؤلف في المبحث الثالث مسائل تمايز الشخص عن الملكية.
في الفصل الخامس، "المكافئ النقدي للقيم الشخصية" ثلاثة مباحث. يركز زيمل في الأول على مسألة الديّة؛ والانتقال من التقويم النفعي للإنسان إلى التقويم الموضوعي والتقويم المطلق، ويدرس في المبحث الثاني تحوُّل حقوق محددة إلى مطالب نقدية، أما المبحث الثالث فينظر في مال العمل وتأسيسه.
يشمل الفصل السادس "أسلوب الحياة" ثلاثة مباحث؛ يُعنى أولها بتحقق تفوق الوظائف العقلية على الوظائف الشعورية بفضل الاقتصاد النقدي، ويُعنى ثانيها بمفهوم الثقافة، أما ثالثها فيُعنى بتغيرات المسافة بين الأنا والأشياء، بوصفها تعبيرًا عن تباينات أسلوب الحياة؛ والميول الحديثة نحو تكبير المسافة وتصغيرها ودور النقود في هذه العملية المزدوجة.