جوبر وعين ترما عُقدتان أمام رؤية النظام العملية لمناطق "خفض التصعيد"

06 أكتوبر 2017
تستخدم القوات المدافعة تكتيك الكمائن لصدّ قوات النظام(عمار سليمان/الأناضول)
+ الخط -

إذا كانت رؤية النظام السوري لمستقبل اتفاقيات مناطق "خفض التصعيد" التي أفرزتها اجتماعات أستانة واضحة، على اعتبار أنها "مؤقتة، يجب تطهيرها" حسب كلام رئيس النظام، بشار الأسد، ووزير خارجيته، وليد المعلم، فإن هذه الرؤية تتجلى عملياً في ضواحي دمشق الشرقية بوضوح، إذ لم تتوقف العمليات العسكرية في مناطق نفوذ فصيلي "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن"، منذ توقيع كل منهما، على انفراد، لاتفاقيتين مع "الضامن" الروسي، تدخل بموجبهما مناطق نفوذهما ضمن معاهدات وقف القتال.

ومنذ دخول الاتفاق الأول مع "جيش الإسلام"، المُبرم في القاهرة في 22 يوليو/تموز الماضي، وبرعاية "تيار الغد السوري"، الذي يتزعمه رئيس الائتلاف الوطني السوري الأسبق، أحمد الجربا، ويشمل قطاع الغوطة الشمالي والشمالي الشرقي، ثم سريان الاتفاق الثاني، الذي تم التوصل إليه في مدينة جنيف السويسرية، في 18 أغسطس/آب الماضي، من دون وسيط، بين مسؤولين روس و"فيلق الرحمن"، ويشمل قطاع الغوطة الجنوبي، واصلت قوات النظام ومليشيات تساندها، شن هجمات شبه يومية، خارقة المعاهدتين، إن كان في جوبر وعين ترما (جنوب غرب الغوطة) وشرق دمشق، وهما تحت نفوذ "فيلق الرحمن" بشكل أساسي، أو على محاور حوش الضواهرة والريحان شرق الغوطة، وهما تحت نفوذ "جيش الإسلام".

وتواصلت هذه الهجمات شبه اليومية، أول من أمس، في أحدث محاولة تقدم للقوات المهاجمة، إذ شنت منذ ساعات الفجر الأولى، هجوماً في محيط بلدة حوش الضواهرة شرق مدينة دوما، لكن "جيش الإسلام" أعلن إحباط مقاتليه للهجمات، وتصديهم لأربع محاولات تقدم للنظام على محاور القتال هذه. وتضاءلت مساحة سيطرة فصائل "جيش الإسلام" و"فيلق الرحمن" في الغوطة الشرقية منذ السنة الماضية، عندما حقق النظام تقدماً كبيراً على جبهتي جنوب الغوطة وشرقها، فأخضع لسيطرته مساحات واسعة من القطاع الجنوبي للغوطة الشرقية، وأبرز بلداته دير العصافير وزبدين، في 19 مايو/أيار الماضي، مستثمراً انشغال أكبر فصيلين في الغوطة باقتتال دامٍ بينهما خلف عشرات القتلى. كما أنه قضم بعمليات زحف بطيئة، مساحات أخرى شرق الغوطة، وبسط نفوذه على مناطق حوش نصري وتل صوان الاستراتيجي ومناطق قريبة في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2016. وكانت هذه المناطق خط دفاع متقدم لـ"جيش الإسلام"، الذي تراجعت قواته إلى محيط الريحان والشيفونية وحوش الضواهرة، شرق معقله الأساسي دوما، بنحو ثلاثة كيلومترات.


جوبر وعين ترما

أما الجبهة الثانية التي لم تتوقف فيها المعارك منذ ما قبل اتفاقيات "خفض التصعيد"، وهي بلدة عين ترما وحي جوبر، فُيمكن القول إن أسابيع ما بعد الاتفاق مع "فيلق الرحمن" شهد تصعيداً عسكرياً كبيراً. فالنظام الطامح إلى "نصر إعلامي-عسكري" في جوبر، فشلت قواته حتى الآن في انتزاع الحي، الذي أوعزت موسكو، بحسب مصادرها شبه الرسمية، للنظام، بتغيير خطط مواجهة الفصائل المتمترسة فيه، والالتفاف عليه من جهة بلدة عين ترما، التي تُعتبر خط إمداده، الواصل حتى عمق الغوطة الشرقية. وتواصلت الأربعاء هجمات النظام العنيفة على الحي، الذي بات مدمراً في معظمه بشكل كامل. وقالت مصادر محلية، لـ"العربي الجديد"، إن "12 صاروخ أرض-أرض، قصفتها قوات النظام على حي جوبر قبل الظهر، بالتزامن مع قصف مدفعي وصاروخي آخر استهدف عين ترما وزملكا المجاورة، ما أوقع إصابات بين المدنيين". وتتبع القوات، التي تصد هجمات النظام في جوبر وعين ترما، تكتيكات الكمائن، مستفيدةً من خبرتها بتفاصيل جبهات القتال التي تسيطر عليها منذ نحو خمس سنوات، وحفر شبكة أنفاق واسعة هناك، تُستخدم لتنقل المقاتلين تحت الأرض بعيداً عن رصد مدفعية وقناصة النظام.

وفي 28 سبتمبر الماضي، بث "فيلق الرحمن" تسجيلات مصورة لكمين، كان الأحدث بين سلسلة عمليات مماثلة في جوبر وعين ترما، موضحاً أنه أدى لسقوط عشرات القتلى من قوات النظام والمليشيات المساندة له، وهو ما أقرت به صفحات مقربة من النظام على الإنترنت. وقبل ذلك، في العاشر من أغسطس/آب الماضي، نفذ عناصر "فيلق الرحمن" كميناً في مبنى البريد ببلدة عين ترما. وأشار "الفيلق" إلى أن مقاتليه استدرجوا عناصر الفرقة الرابعة للمكان، الذي تم نسفه بالكامل كما بينت مشاهد مصورة، كما نفذ ذات الفصيل نحو 8 عمليات مماثلة خلال الأشهر القليلة الماضية. ونشر هذا الفصيل، التابع إلى "الجيش السوري الحر"، وهو تحالف من عدة فصائل اندمجت مع نواة "الفيلق" الأساسية، "لواء البراء"، في 2013، ويقوده النقيب المنشق عن قوات النظام، عبد الناصر شمير، إحصائية أواخر الشهر الماضي، قال فيها إنه وخلال الـ100 يوم الأخيرة، تصدى لهجمات النظام ونفذ عمليات عسكرية ضده، كلفت الفرقة الرابعة ومليشيات تساندها "475 قتيلاً، بينهم 28 ضابطاً، إضافة إلى تدمير 36 دبابة، و29 آلية عسكرية". وبغض النظر عما إذا كانت هذه الأرقام تحمل صيغة مبالغة، كونها صادرة من طرف القتال الأساسي ضد النظام في جبهات عين ترما وجوبر، فقد تحول هذان الاسمان، إلى ما يسميه نشطاء المعارضة بـ"مقبرة قوات النظام"، فيما لا تُخفي مصادر النظام شبه الرسمية ومواقع وصفحات موالية له على الإنترنت، أن هاتين الجبهتين تحولتا إلى "كابوس ومعضلة حقيقية" له. كذلك تؤكد هذه المعطيات، وإن اختلفت التفاصيل، ما قالته مصادر روسية شبه رسمية، والتي عزت سبب عجز النظام عن تحقيق تقدم إلى امتلاك المجموعات المدافعة عن جوبر أسلحة متطورة. وذكرت "قاعدة حميميم" الروسية، أخيراً، إن "التقارير الرسمية الواردة من جوبر، التي تشهد صراعاً مسلحاً بين القوات الحكومية من جهة والجماعات المتمردة التي تؤوي عناصر متطرفين من جهة أخرى، تحدثت عن امتلاك تلك الجماعات لصواريخ تاو المضادة للدروع ذات المنشأ الأميركي، بالإضافة إلى مواد متفجرة متوسطة التأثير، ولكن بكميات ضخمة وتستخدم لتفجير مساحات من الطبقة الأرضية لمناطق الاشتباك التي يرتكز عليها عناصر القوات الحكومية"، مضيفة إن ذلك جعل "من مهمة الفرق العسكرية في القوات البرية الحكومية المشاركة في المعركة أكثر تعقيداً في إنجاز مهامها ضمن الوقت المتوقع لذلك". ويكتسب حي جوبر أهمية إضافية، كونه رأس حربة الغوطة الشرقية من جهة شرق دمشق، وأهم الأحياء التي تسيطر عليها المعارضة السورية ضمن الحدود الإدارية للعاصمة السورية، بعد أن خسرت المعارضة مناطق نفوذها في أحياء برزة والقابون وتشرين.