"أنا أكره التيكي تاكا"، كانت هذه العبارة هي الأشهر في رائعة الصحافي مارتي بيرارنو عن مسيرة جوارديولا مع بايرن بالموسم الأول، وأراد الفيلسوف بعث رسالة إلى المهتمين الذين وضعوا كلمة "تيكي تاكا" في كل شيء له علاقة بالكرة الهجومية، خصوصاً أن جوارديولا لم يذكر هذه الكلمة خلال محاضراته الكروية أثناء فترة التدريب أو في المؤتمرات التي عقدها أو حضرها.
جوارديولا الواقعي
يميل بيب إلى فن التمركز واستغلال أكبر قدر ممكن من المساحات بجعل الكرة هي من تجري لا اللاعب، ومحاولة تحريك الخصم لا الكرة فقط فيما يعرف بالـ Positional Play.
أنا متشائم، أتذكر مقولة أحد الأصدقاء، حاولت أن أغيّر العالم، لكن الآن كل ما أتمناه، ألا يُغيّرني العالم! الجميع أصبحوا يصارعون من أجل القوة لا الفكرة، هكذا تحدث المدرب الكتالوني للمقربين منه بعد خسارة بايرن أمام ريال مدريد في الموسم الماضي، مؤكداً أن القوة تغيّر الناس، ويبدو أن المدير الفني لبايرن عدّل بعض أساليبه خلال الموسم الحالي، ليهتم أكثر بالنواحي الدفاعية، وحماية مرماه قبل أن يفكر في التسجيل، بالتسديدات البعيدة أو الرأسيات كما فعل أمام بورتو في الأليانزأرينا.
يُقال أن بيب شخص رومانسي، لكن هذا الأمر ليس صحيحاً بنسبة كبيرة، لأن الرجل يتعامل بواقعية شديدة وبراغماتية واضحة في أمور فنية مؤخراً، وأبرزها على مر الموسم، تقوية الدفاع بثلاثي صريح واللعب في بعض الأحيان بسبع مدافعين في تشكيلة واحدة، بالإضافة إلى تحوله إلى التكتيك الأقدم أمام تنين الدراجاو في الإياب، عن الـ 4-4-2 نتحدث.
الريشة البافارية
لعب بايرن أمام بورتو بمعظم اللاعبين الذين خسروا في البرتغال، بسبب كثرة الإصابات وغيابات معظم النجوم، مع دخول بادتشوبر مكان دانتي، والحفاظ على نفس توليفة الوسط وأسماء الهجوم. خطة 4-3-3 على الورق وكما كانت في الذهاب، لكن هذه المرة الأمر مختلف بعض الشيء، والتنفيذ الفعلي مغاير داخل أرضية المستطيل الأخضر، والفضل يعود إلى تواجد ثنائي ذكي بالمنتصف، الكابتن لام والشاب تياجو.
لذلك كان السؤال الأهم، لماذا خسر البايرن بالثلاثة في البرتغال وفاز بالستة في بافاريا؟ رغم أن التشكيلة الأساسية شبه ثابتة، ولا توجد تغييرات محورية في الهيكل الرئيسي للفريق، لكن الرهان كان الشكل التكتيكي المغاير، فتّش عن الفكرة وسرها القاتل!
يعتبر لام لاعب وسط غير تقليدي، بمعنى أنه يميل لدور الريشة بالمنتصف، أي الارتكاز الذي يربط العمل الهجومي بين العمق والأطراف، ويُكمل الحلقة المفقودة بين ألونسو ورافينيا على اليمين، من أجل تنوع زوايا التمرير والهروب من الضغط المبكر الذي جعل بورتو يتفوق في الجولة الأولى.
إسباني برازيلي
أما تياجو ألكانتارا فهو بمثابة همزة الوصل بين خطوط الفريق، حينما تبدأ الهجمة من الخلف، يعود البرازيلي الاسباني إلى دائرة المنتصف، ويستلم الكرات ويكسر ضغط الخصم، أما في حالات الهجوم فيتحول سريعاً إلى الثلث الأخير، ويصبح صانع لعب حقيقي كما فعل في تمريرة الهدف الثالث، من ألكانتارا إلى لام ثم موللر فلعبة رائعة من ليفاندوفيسكي.
لذلك لم يتألق فقط اللاعب على مستوى العمل الهجومي، بل عاد كثيراً للدفاع وقام بعمل ثلاث محاولات عرقلة مشروعة، وأربع مراوغات صحيحة، ليملك الملعب كله بمستوى مبهر ومبشر، ساعد كثيراً مدربه جوارديولا على ترجمة أفكاره داخل الملعب، بحماية الخط الأخير من أي محاولة مباغتة، وضبط عملية التحولات بين الدفاع والهجوم.
وبعد تألق النجمين الكبيرين، حان الوقت لتطبيق الفكرة الأساسية، إرم الكرات على الأطراف، وضع الثنائي ليفاندوفيسكي وموللر داخل الصندوق، لتزيد نسبة العرضيات ويُمطر نجوم بافاريا مرمى الضيوف بستة أهداف دفعة واحدة.
تغيير الجلد
تخلى بيب عن فكرة وضع لام في العمق، لكنه اختار له مركزاً قريباً من الوسط، كجناح أيمن صريح أثناء التحولات من الدفاع إلى الهجوم، وربط منطقة المحور بالثنائي ألونسو وتياجو. ارتكاز إسباني صريح في الخلف والأمام. والرهان في الجانب الأيسر على انطلاقات برنات ومهارة جوتزه، صانع الأمجاد الألمانية يدخل في العمق من أجل صعود الظهير لتطبيق فكرة "الأوفرلاب" أسفل الخط الجانبي من الملعب.
وسارت الأمور بشكل سليم بعد وضع أكثر من لاعب مهاري على الرواق الأيسر، ومن ثم قلب اللعب سريعاً إلى الناحية الأخرى، عن طريق تمريرات تياجو الماكرة، وانطلاقات فيليب لام على الجبهة اليمنى منفرداً، ومع وجود لاعب سريع يستطيع التوغل في الفراغات مثل الكابتن، فإن فريق بورتو تم ضربه في أكثر من محاولة، بالتركيز على جانب ما من المستطيل، وتحويل دفة المجريات إلى الجانب الآخر بتمريرة فتحرك، وأخيراً فوز ساحق وصعود مستحق إلى نصف النهائي.