منذ بداية انقلاب الرئيس المعزول عمر البشير، والذي كان مدعوماً من حزب الجبهة الإسلامية، حرص النظام الجديد في أشهره الأولى من عام 1989 على إنشاء جهاز للأمن الداخلي وآخر للمخابرات للعمل على تحقيق جملة من الأهداف، في مقدمتها حماية النظام نفسه.
كذلك تولّى قياديون في حزب البشير الذي عُرف لاحقاً باسم المؤتمر الوطني، مناصب رفيعة في الجهازين، ومنهم نافع علي نافع وصلاح قوش ومطرف صديق وقطبي المهدي.
وأنشأ جهاز الأمن الداخلي مقرات اعتقال خاصة للمعارضين الذين أطلقوا عليها لقب "بيوت الأشباح"، وفيها تم تعذيب عدد من السياسيين ومنهم من فاضت روحه داخل تلك المقرات، مثل الدكتور علي فضل الذي قُتل عام 1990 وكان طبيباً ناشطاً في نقابة الأطباء المناوئة للنظام.
وفي منتصف التسعينيات دخل الجهاز في استثمارات واسعة وأسس عدداً من الشركات فتضاعفت قدراته المالية حتى بات في بداية الألفية الجديدة إمبراطورية قائمة بذاتها داخل الدولة.
وفي عام 2004 تم دمج جهاز الأمن مع جهاز المخابرات ليشكّلا جهازاً واحداً باسم الأمن والمخابرات وتم تعيين الفريق صلاح قوش مديراً له، فتوسعت صلاحيات الجهاز الذي أعطي حتى صلاحيات تشكيل قوات قتالية فأسس الجهاز إدارة هيئة العمليات والتي شاركت في الحرب في عدد من الجبهات القتالية، سواء في دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الأزرق.
ومنذ عام 2001 دخل جهاز الأمن والمخابرات في علاقة قوية مع جهاز المخابرات الأميركية "سي أي أيه" في مجال مكافحة الإرهاب، وقدم الجهاز السوداني معلومات مفيدة للجانب الأميركي تتعلق بكثير من الحركات المصنفة إرهابية.
هيئة العمليات التي دخل عناصرها في حالة تمرد اليوم كانت تكلّف كذلك بفضّ التظاهرات والاحتجاجات المناوئة لنظام البشير، وقد قامت بذلك خلال الاحتجاجات في ديسمبر/ كانون الأول 2018 التي تمكنت من إطاحة البشير، واتهمها الثوار بارتكاب عدد من التجاوزات في حقهم بما في ذلك الضرب والتعذيب والقتل.
بعد نجاح الثورة طالب الثوار بحل جهاز الأمن والمخابرات باعتباره امتداداً لنظام البشير، فكان أن جاء القرار من المجلس العسكري في يونيو/ حزيران الماضي بتعديل قانون الجهاز بما يحصر مهمته في جمع وتحليل المعلومات فقط وإعادة هيكلة طبقاً لتلك المهمة، مع تغيير اسمه من جهاز الأمن والمخابرات لجهاز المخابرات.
وتم حل هيئة العمليات وتخيير عناصرها المقدرة أعدادهم بأكثر من 10 آلاف عنصر ما بين الانضمام إلى الجيش السوداني أو الدعم السريع أو التقاعد الاختياري فاختارت الغالبية التقاعد، شريطة الحصول على استحقاقات مالية مجزية بعد نهاية خدمتهم، وكان ذلك مدخلاً لتمردهم أمس الثلاثاء.